بات واضحاً للجميع؛ لكلّ داخل في سوريا وكلّ خارجٍ أيضاً، بأنّ أقل ما يمكن أن يوصف به النظام السوري، بعد مرور أكثر من ستة أشهر ونصف على ثورة الشعب السوري، ليحكم نفسه بنفسه، هو أنه quot;نظام عاقquot;، لا بل quot;أكثر من عاقٍquot;، داخلياً وخارجياً.
فهو مستعدٌ لمواجهة كل من quot;يضع رأسه في رأسهquot; بquot;التي هي أسوأquot;.
لهذا تراه مرةً quot;يلغيquot; أوروبا من على الخريطة، وثانية يرفض سماع أية مشورة مقدّمة من أية جهة كانت قريبة أو بعيدة، فالرئيس الأسد(العالِم بكلّ العالَم!) بحسب quot;دكاترةquot; إعلامه، quot;ليس بحاجة إلى تلقي الدروس والنصح من أحدquot;، وثالثةً يستعد للرد على quot;الرسائل الحازمةquot; برسائل quot;أكثر حزماًquot;، ورابعةً يرفض العمل بأية قرارات صادرة عن المنظمات الدولية الحقوقية، التي ليست بحسبه، سوى quot;حفنةquot; جهات إستخبارية متحيزة ومدسوسة وعميلة للإمبريالية والصهيونية، وخامسةً يدير ظهره للجامعة العربية بquot;تكبر وتعجرفquot;، ويعتبر كلّ ما يصدر عنها من بيانات تخص quot;شأنها الداخليquot;، وquot;كأنها لم تكن أو لم تصدر أصلاًquot;، وسادسةً يستعد لquot;محوquot; الغرب أو شطبه من ذاكرته وشد الرحال شرقاً، وسابعةً يعلن بكلّ وضوح بأنه سيواجه كلّ قرار دولي أو أممي بquot;كلّ رفض وقوة وحزمquot; وسيكون أصحاب هكذا قرارات فيما لو صدرت، من أكثر المتضرررين والخاسرين كما لمّح وزير الخارجية السوري وليد المعلّم في خطابه التهديدي الأخير في الأمم المتحدة. هذا على مستوى تعاطي النظام السياسي والديبلوماسي مع الخارج، وخروجه على كلّ سياسة وكلّ ديبلوماسية. أما على مستوى الداخل، فرسالة النظام إلى الشعب السوري، المتضمنة لأكثر من قتلٍ ومحو وإبادة، فواضحة كquot;طلقة مسدسٍquot; على حدّ تعبير الشاعر السوري الراحل، إبن مهد الثورة السورية درعا، رياض صالح الحسين(1954ـ1982).
لم يعد هناك أحد(خلا قلة قليلة من الداخلين مع هذا النظام، في أكثر من شراكة وورطة)، سواء في الداخل أو في الخارج، يتحدث عن إمكانية quot;إصلاحquot; النظام أو سلوكه، كما كان مطلوباً من قبل.
الكلّ، أو قريباً منه، داخلاً وخارجاً، فهم quot;مستحيلquot; النظام في كونه نظاماً quot;عاقاًquot; بإمتياز، ولا يقبل بأيّ ممكن، أياً كان وممّن كان هذا الممكن، فوق quot;مستحيلهquot; الأول والأخير: quot;إما الكل أو لا شيء..إما أن يكون هو الكل فوق الكل في كلّ سوريا، أو ستستحيل هذه الأخيرة إلى خرابٍ فوق رؤوس الكل quot;!
تلك هي رسالة النظام السوري العاق، إلى العالم في الداخل والخارج.
إلى هنا يبدو الأمر طبيعياً أو يكاد، بالنسبة لنظامٍ فاشيٍّ يحكم سوريا منذ أكثر من أربعة عقودٍ من الزمان، بحديد ونار الأمن والشبيحة والمخابرات، حكماً فردياً ديكتاتورياً قلّ مثيله في الشرق.
لكن اللاطبيعي هو تشرذم المعارضات السورية وتفتتها، وانقسامها على نفسها وفيما بينها، لكأنها اتفقت على ألاّ تتفق، وألاّ تتوّحد أبداً، كما أراد لها هذا النظام على الدوام.
ستة أشهر ونصف من الثورة السورية، وآلاف الشهداء، وأضعافهم من الجرحى والمفقودين، فضلاً عن عشرات الآلاف من المعتقلين، كلّ هذه التضحيات وما بينها من دمٍ كبير، لم تكفي حتى الآن، لتوحيد صفوف المعارضات السورية تحت سقف صيغة معارضة موحدة، لدعم أهل الثورة في الداخل، وتمثيله في الخارج، كما أراد لها المنتفضون في أكثر من جمعةٍ من جمعهم الكبيرة أن تكون.
أكثر من سبع مؤتمرات تحركت فيها هذه المعارضات ما بين إسطانبول وأنقرة وبروكسل وباريس وبرلين ودمشق والقاهرة، ولكن دون جدوى حتى اللحظة. ما رأيناه هو quot;معارضة الفنادقquot;، التي خرجت إلينا بمجالس quot;إنتقاليةquot;، وquot;وطنيةquot;، وquot;علمانيةquot;، وquot;هيئات تنسيقيةquot; كثيرة، دون أن يكون هناك أيّ برنامج ملموس يوّحد صفوفها، أو ينسّق فيما بينها.
ما رأيناه هو المزيد من الفرقة، بدلاً من المزيد من الوحدة، والمزيد من الكلام عن قادم سوريا، بدلاً من التمهيد الفعلي للدخول إليه فعلاً.
رغم خروج الثورة السورية كجاراتها وشقيقاتها من الثورات العربية الأخرى، إلى الشارع في كونها ثورةً شعبية من كلّ الشعب لكلّ الشعب، وخروجها بالتالي على كلّ الآجندات الآيديولوجية، سواء الحزبية، أو القومية، أو الدينية، أو الطائفية، أو المناطقية، إلخ، إلا أنّ مؤتمرات بعض هذه المعارضات السورية لوّحت في أكثر من مناسبة، بغير ذلك، وركبت في أكثر من مؤتمر، ما لم تركبه الثورة، وقالت بما يمكن أن يقوله أيّ مؤدلج، يريد زجّ الثورة وحصر مستقبلها في بعض وطن دون بعضه الآخر.
هذه المعارضات السورية، لم تثبت حتى الآن، بأنها متخلفة عن الشارع السوري وثورته التي تجاوزت كل الآيديولوجيات فحسب، وإنما أثبتت أيضاً بعد عبورها لكلّ هذا الدم الكبير، بأنها معارضة معاقة وquot;معوقةquot; أيضاً.
هي معارضة quot;معاقةquot;، عندما تتخلف عن الثوار ولا تتقدمهم.
هي معاقة، عندما quot;تزايدquot; على الثوار، ولا تزداد معهم.
هي معاقة، حين تصنع الكثير من الكلام في المؤتمرات عن الثورة، ولا تصنع فعلاً فيها.
هي معاقة، لأنّ كلٌّ طرفٍ فيها، يبحث منذ الآن عن quot;نصيبهquot; القادم، في الكعكة السورية القادمة، التي لن تكون quot;كعكةً سهلةquot; على أية حالٍ، كما قد يتراءى للبعض.
هي معاقة، لأنها ملتزمة بالآيديولوجيا، أكثر من التزامها بالثورة السورية الخارجة على كل الآيديولوجيات.
هي معاقة، لأنها quot;تناصر أخاها في الآيديولوجيا ظالماً أو مظلوماًquot;، فتكافئ منذ الآن من تشاء، وتقصي من تشاء.
هي معاقة، عندما تقول أنها quot;متفقةquot; على quot;أساسياتquot; الثورة، ولكنها تختلف على تفاصيل كثيرة، يكمن الشيطان فيها على الدوام.
هي معاقة، لأنّ لا أحد يقبل فيها أن يتقدمه quot;آخرquot;، أياً كان هذا الآخر، فالكل quot;كبيرquot; وquot;مافي حدا أحسن من حداquot;، على حدّ قول المثل.
هي معاقة، لأنها عاجزة كquot;داخل معوّقquot; عن مساعدة الثورة، ولا تقبل بأي quot;خارجٍquot; أيضاً مساعدتها.
هي معاقة، لأنها تسعى إلى quot;انتهازquot; الثورة، وتريد أكل ثمارها قبل أن تنضج.
هي معاقة، لأنّها ليس من السهل أن تتعافى بهذه السرعة، من أمراض نظامٍ عاقٍ اشتغل على إعاقتها طيلة أكثر من أربعين سنةٍ.
اليوم وغداً ستتجه أنظار الإعلام وعدسات الكاميرات إلى لقاء هذه المعارضات في quot;إسطانبول عاجلة أخرىquot;.
اليوم، يُقال أن quot;إسطانبول الجديدةquot; هذه، لن تمرّ على النظام في دمشق، كسابقاتها.
اليوم، يُقال أنّ المعارضات السورية، هي على وشك الخروج من quot;إسطانبول البشرىquot; ببشرى quot;معارضة سورية واحدة وموحدةquot;.
فهل سنشهد غداً، quot;إسطانبول فارقةquot;، تعافي المعارضات السورية بعد أن عوّقتها، وتوحّدها بعد أن فرّقتها من قبل، طيلة أشهرٍ ستة مضت؟
هوشنك بروكا
التعليقات