لم يكن أفضل المتفائلين يتوقعون أن تستمر الانتفاضة السورية بهذا الزخم، وهذا الانتشار طيلة سبعة أشهر، خصوصاً أنها لا في البداية ولا الآن لم تقابل برمي الورود ورش الماء البارد على وجوه المتظاهرين السوريين لينتعشوا، ويستمروا في سلك الطريق الذي رسموه في أشهر الصيف الحار التي مضت.
فقد واجه المتظاهرون الرصاص والقتل اليومي بصدورهم العارية، ومع كل هذا العنت الذي لم يكن ثمة أي مبرر له أو داع له، مازالت الشوارع السورية تصدح بأصوات وصرخات وآهات ودماء السوريين المنتفضين، والذين لم يقرروا رفع الراية البيضاء بعد السيل الكبير للدماء التي سالت، والفاتورة الغالية جداً التي كانت أوراقها أرواح الشباب السوري، وهم يقنعون أنفسهم قبل إقناع أي آخر بأن ما سيقدّم لن يكون أكثر مما قدّم وأفدح مما قدم.
فكفة الترجيح تبدو والحال هذه متوازنة بين طرفي النزاع ndash; إن صحت التسمية- ولم تترجح لا لفريق النظام ولا لفريق المعارضة، ولعبة كسر العظم وتثبيت الكتف مستمرة، أي نحن حالياً نتفرج على مباراة، الانطباع الأولي لها هو التعادل السلبي لا الإيجابي.
ومع ذلك النظام ماض في حله العسكري ndash; الأمني، ولا يتوانى في ضرب التظاهرات الشعبية بأيد من حديد ونار لا تعرف الرحمة، يساعده على ذلك ولاء الجيش والأمن له، وكذلك ولاء الإعلام بجميع صوره لمعركتهquot; إن صحت التسميةquot;.
هذا الإعلام الذي يحاول تجريد الانتفاضة من مبرر وجودها وجعلها جسماً ملحقاً بالخارج، وربطها بالعصابات الإرهابية المسلحة والسلفيين والإرهابيين، واستعداء كل الإقليم من أتراك والبعض اللبناني القريب من الحدود والبعض الأردني أيضاً القريب من الحدود، إضافة إلى إلصاق تهمة التحريض التي تقوم بها القنوات الفضائيةquot; المغرضة والمعاديةquot; والدعوة الصريحة إلى عدم التفرج إلى هذه القنوات وضرورة توليف تلفزيونات السوريين على الفضائية السورية وتلفزيون الدنيا والإخبارية السوريةquot; التي مازالت تحت رحمة البث التجريبي منذ فترة طويلةquot;
من جانبها المعارضة ماضية في سراحها ورواحها وquot;كزدرتهاquot; في الشوارع السورية، وهي تعرف أن هذه الكزدرة ليست لعبة مسلية، فمن الممكن جداً أنه عندما يقرر أحدهم الخروج والتظاهر وحتى التواجد في الشارع المغتلي من الممكن أنه ربما لن يعود مساء إلى منزله بين أولاده كتلة من حيوية ونظرة متفائلة لمستقبل أفضل له ولهم، بل قد يعود جثة هامدة.
ثمة من يرى أنه لا النظام بإمكانه سحب الجيش وكف أيدي الأمن والشبيحة عن الناس، لأن إفراغ الشوارع من الحالة الأمنية والعسكرة يعني ملأها على آخرها بمنتفضين كثر جدد، كانوا يخشون على حياتهم من الموت المحتم، وبالتالي يفهم أ ن النظام لن يحيد عما اختطه ومنذ بداية الأحداث رغم أصوات الأشقاءquot; العربquot; والأصدقاء في الإقليم وحتى المجتمع الدولي وهيئة الأمم المتحدة، ولو يعرف النظام أن زخم المظاهرات سيسير على المنحى الحالي دون زيادةquot; مفرطةquot; ربما لاستجاب كرمى لعيون quot; الأصدقاءquot; الروس على الأقل، لكن لا حيلة باليد!!
والمعارضة بأنواعها الداخلية والخارجية ndash; حسب تصنيف النظام- والعلمانية والإسلامية والمدللة وو أيضاً لا يستطيع طيف واسع منها أن يعود للمنزل والعيش في كنف العائلة بسلام ووئام، فهي ترى أن ثمن العودة أبهظ مما متوقع، وستكون العودة بمثابة الخسارة والدحر، وهذا سيمنح النظام المبرر ليفتك برموزها، وسيسري عليهم وعلى الخارج بأن الروايات التي كانت تقال عن quot; إرهابية ووحشيةquot; هؤلاء لم يكن كلاماً عبثاً، لذا يستوجب على الدولة ضرب quot; القتلةquot; بأيد من حديد ونار، لأنها أي المعارضةquot; خانت وطنها، وباعت ضميرها، وارتهنت كرامة السوريين للخارج الدخيلquot;
فهل يعيش النظام أيام اللاعودة عن قرار quot; الحل الأمنيquot;؟ وهل تعيش المعارضة مأزق عدم التراجع بعدما رفعت سقف مطالبها من شؤون وشجون مطلبية حياتية إلى إسقاط النظام، ورفض أي حوار معه؟
المشكلة الكبرى أن النظام حتى الساعة لم يعترف بالمعارضة، ولا يبدو أن هسيعترف بها مستقبلاً، وهو يرى إما معارضة على quot; مقاسquot; أجندته ورؤاه، وما تبقى quot; خونة وعملاءquot; فكيف سيظفر السوريون في هذه الأجواء الشديدة الاحتقان بحل قريب يرضي الجميع نظاماً ومعارضة؟؟
المعارضة بدورها أحرقت كل مراكبها مع النظام، ولا عودة عن قرارها الذي تتبناه، وتسمعه للآخرين كل يوم.
كيف الخلاص من هذا المأزق؟
كل الحلول بأيدي النظام، والسيناريوهات كثيرة وغزيرة، لعل أبسطها العمل على استعادة الثقة بين الجانبين، والكف عن تجييش الإعلام لمصلحة النظام ضد المتظاهرين السوريين، وقرن القول بالعمل، وإيجاد المكان الصحيح للجيش، وإعادته إلى ثكناته، وعدم توريطه مستقبلاً بمعركة كهذه يكون فيها الرابح الأكبر هو الخاسر الأكبر، وبالتالي الاستجابة لكل المطالب المحقة مهما غلت الأكلاف، وعظمت التضحيات. فأيُّ سير للنظام في هذا الطريق لن يكون بمثابة قراءة الفاتحة على روحه، ولن يكون ذلك تنازلاً بقدر ما سيساهم في حقن دماء السوريين كل السوريين.
ينبغي أن يسمع النظام صوت السوريين أولاً وقبل أي أحد، ولا يخطط لإرضاء هذه quot; الجهة quot; الخارجيةquot; أو تلك. إرضاء السوريين أهم وأجدى.
- آخر تحديث :
التعليقات