أثيرت في هذا الاسبوع قضية صرفيات رئيس الجمهورية العراقية جلال الطالباني الذي أتهم من قبل بعض القوى السياسية بإهدار المال العام بعد نشر كتاب رسمي صادر عن ديوان الرئاسة يطلب صرف ( 2 ) مليون دولار لتغطية نفقات سفر رئيس الجمهورية لألقاء كلمته في الأمم المتحدة في نيويورك. علما كان بالإمكان إرسال الكلمة مجانا بواسطة البريد الألكتروني الى ممثل العراق في الأمم المتحدة يلقيها نيابة عنه، ولانعلم على وجه الدقة هل سفرات الساسة الكورد المشاركين في الحكومة الإتحادية هدفها تعزيز مصالح العراق.. أم تعزيز مصالحهم القومية مستغلين مناصبهم في الدولة العراقية؟ مؤشرات هذا الحادث وغيره.. تؤكد ضرورة تقسيم العراق الى ثلاثة دول : شيعية، وسنية، وكوردية، فالدولة العراقية لم يعد لها وجود فعلي على الأرض، وهي إنهارت منذ دخول نظام المحاصصة وتكريسه للأبد، وقبلها كانت موحدة بقوة السلاح، فلا يعقل في ظل الفقر والمجاعة وغياب الخدمات والديون المتراكمة على العراق ان يقبل مسؤول حكومي بمستوى منصب رئيس الجمهورية بإهدار ( 2 ) مليون دولار على سفرة عادية ليست مهمة أبدا، مما يعني فشل نظام المحاصصة والشراكة السياسية، ويجب البحث عن البديل لوقف الإنهيار وتقليل الخسائر. وبما انه لايمكن حدوث معجزة كبرى وتتحول الدولة العراقية الى دولة يقوم نظامها السياسي على أساس المواطنة والكفاءة والعدالة والمساواة... فلم يبق إلا حل ( أقل الضرر ) وهو اللجوء لتقسيم البلد الى ثلاثة دول وليست أقاليما، وإنهاء هذه الشراكة بين الشيعة والسنة والكورد القائمة من اجل تقاسم أرباح النفط وليس من اجل بناء البلد، فكما هو واضح تحولت الدولة الى مجرد شركة لبيع النفط فقط ولايربط مكوناتها القومية والطائفية أي رابط وطني، فالشيعي لاينتمي للمدن السنية ولايشعر بها جزءا من العراق، وكذلك السني لايشعر بالإنتماء للمدن الشيعية، والشيعة والسنة معا لايشعرون بالإنتماء لإقليم كوردستان، والكورد ليس لديهم انتماء لبقية مدن العراق، والحقيقة المرة هي عدم وجود دولة، ولايوجد شعب موحد لديه أهداف وطنية! فإذا طبقنا خيار ( أقل الضرر ) سنجد ان قيام دول طائفية سنية وشيعية، وقومية كوردية.. سيحقق نتائج أفضل بكثير من النتائج الحالية.. اذ ستقل حدة الصراع على نهب وسرقة المال العام، وستشهد هذه الدول حركة بناء واعمار وتنمية أفضل، وسيتوحد القرار السياسي لكل دولة، على سبيل المثال : قرار الغاز والنفط معطل منذ أربعة أعوام في البرلمان بسبب إصرار الكورد على إستثمار نفطهم وبيعهم بمعزل عن الدولة، وكذلك إصرارهم على أخذ حصة من نفط العمارة والبصرة وكركوك، ولو كانت حكومة شيعية تحكم دولتها لأصدرت هذا القانون منذ الأسبوع الأول. الدرس العراقي، واللبناني، والفلسطيني، وبقية الدول العربية القادمة على الطريق مثل مصر وسورية وليبيا.. أثبت ان مفاهيم : الديمقراطية والحرية والعلمانية والليبرالية ودولة المواطنة والمساواة... هذه المفاهيم العظيمة لاتصلح لجميع الشعوب بحيث يتم تعليبها بها دون النظر الى طبيعة البيئة الإجتماعية والدينية، ودرجة حجم التخلف. والواقعية السياسية في حالة حصول الكوارث تفرض على الجميع عدم الهروب من الحقيقة والبحث عن ( تقليل الضرر ) وليس الحلول المثالية المستحيلة، والدولة العراقية للأسف الشديد إنتهت، واصبحت مجرد شركة لبيع النفط، ولم تعد دولة وطنية يجتمع على مصالحها والدفاع عنها كافة أبناء الشعب، بل صار أبناء شعبها هم أعداؤها الذين يعملون على تخريبها وتدميرها وسرقة أموالها!
- آخر تحديث :
التعليقات