إزاحة الطغاة واسقاطهم ليس امرا سهلا خاصة اذا كان لدى الطاغية الاستعداد أن يبيد نصف شعبه ليبقى في السلطة. ولولا التدخل الخارجي لبقي صدام حسين وابناؤه داعسين على رقاب الشعبين الكويتي والعراقي حتى اليوم ولولا تدخل الناتو لواصل معمر الغدافي حملته في ارتكاب المجازر في ليبيا.
في التسعينات دعمت الأمم المتحدة تدخل الناتو في البوسنة وكوسوفو لايقاف سلسلة المجازر التي كان يرتكبها طاغية صيربيا صلوبودان موليسيفيتش. وشهدنا تدخلات خارجية في تيمور الشرقية عام 1999 لانقاذ شعب تلك المستعمرة الاندونيسية من المذابح التي كان يتركبها الجيش الاندونيسي بحق الشعب الذي كان يطالب بالاستقلال والانفصال عن دكتاتورية اندونيسيا.. كما تم التدخل الدولي في السنوات الاخيرة في الكونغو وسيراليون وليبيريا لايقاف المذابح. فمسألة التدخل الخارجي ليس امرا غريبا او جديدا.

كنت ارفض التدخل الخارجي
بالنسبة لسوريا قلعة الصمود والممانعة والمقاومة التي لا تزال تحظى بدعم واعجاب الساذجين الذين صدقوا هذه الأكذوبة الكبرى، فقد كنت من الرافضين للاستقواء بالأجنبي والتدخل الخارجي في الشأن السوري ومنذ عام 2004 كنت اكرر في لقاءات تلفزيونية ومقالات كنت اكتبها وبرامج كنت اقدمها الرفض الكامل للتدخل العسكري الخارجي لتغيير النظام. وكنا نطالب بالاصلاح والتغيير السلمي والتدريجي وهذا كان رأيي وكنت مصر عليه حتى الشهور الأخيرة. وقلت في العديد من المقالات في ايلاف منذ اندلاع الثورة الشعبية ان قمع النظام للشعب السوري الرافض لحكم بشار الأسد باستخدام وسائل عسكرية وامنية وانتهاك حقوق الانسان سيجلب انتباه المنظمات الدولية والتي بدورها ستضغط على الدول العظمى من اجل التدخل لحماية الشعب السوري من آلة البطش العسكرية. وكم رددنا وقلنا باستمرار quot;لا نريد ان يتكرر سينياريو العراق في سورياquot;.

غباء وتعطش للدماء
ولكن النظام السوري الجاهل المتعطش لدماء الشعب يستفز ويستدرج المواجهة المسلحة لتبريره حملة الابادة ضد الشعب الذي يطالب بالحرية والديمقراطية من هذا النظام الدكتاتوري الذي حكم سوريا بالحديد والنار طيلة اربعة عقود ونيف. وهذا السلوك الوحشي الذي استخدمه النظام الصدامي ضد الشعب العراقي ومعمر الغدافي ضد الشعب الليبي جلب التدخل الاجنبي في النهاية ومن هذا المنطلق فان النظام ذاته هو المسؤول الوحيد عن تكرار سينياريوهات العراق في سوريا.

ولكن غباء النظام وضيق افقه وجهله بالتغييرات الجيوسياسية في المنطقة أفقده القدرة على التفكير الواضح والاصلاح الحقيقي. وقرر ان يكرر اخطاء الثمانينات ويواصل القتل والتعذيب وتشويه جثث الضحايا من اطفال وفتيات. عصابة دمشق التي تسيطر على الجيش والآلة العسكرية هي المسؤولة عن عسكرة العملية الاحتجاجية وتحويل المظاهرات السلمية الى مواجهات دموية. وباستخدام الطائرات والدبابات والقصف البحري لتجمعات سكانية والتي لم تستعمل لتحرير شبر مربع واحد من الجولان المحتل فان النظام اوقع نفسه في حفرة لا يستطيع الخروج منها. وقال سوريون على الفضائيات العربية ان الجيش السوري ليس للدفاع عن الوطن او تحرير الأرض فهو عاجز عن ذلك بل لقمع الشعب السوري والدفاع عن عصابة الجبناء التي تحكم سوريا بقوة السلاح. ويمكن اختصار موقف بشار الأسد بالجملة التالية: quot;انا احكمكم بالقوة وعليكم ان تقبلوا والا سأقتلكمquot;

نظام الكذب والمراوغة
الصمت العربي والعالمي لم يعد خيارا. يجب وضع حد لهذا النظام البارع في المراوغة والكذب والخداع والمناورات والألاعيب التي يعتقد انها شطارة وفهلوة وذكاء وما هي الا تراكم اخطاء فوق اخطاء وغباء فوق غباء. الكذب والخداع مورس بدون خجل وبات منهج سياسي معتمد يتقنه ابواق النظام ولكنهم لم يستوعبوا حتى الآن الحقيقة وهي انه لم يعد أحد يصدقهم. والآن اكتشف العالم اكاذيب النظام الذي كذب على بانكي مون واردوغان ونبيل العربي وسليم الحص وعلى الشعب وعلى الاعلام العربي والغربي. وكلما يفتح وليد المعلم فمه نعرف انه يكذب مهما يقول. وينطبق نفس الشيء على بثينة شعبان والناطقين والناطقات باسم نظام الفشل والاستبداد.

لا احد يصدق النظام ويؤيده الا الذين لا يزالوا يصدقون اكذوبة قلعة القومية ودعم المقاومة وقد تم تعرية هذه الأكاذيب وفضحت وكتب عنها عشرات المقالات ولا حاجة لتكريرها هنا. ويصدق النظام فقط من لهم اجندات تلتقي مع اجندة الزمرة الكاذبة في دمشق عاصمة قلعة الأكاذيب والشعارات الزائفة والمقاومة الشفهية والمواقف الانتهازية.

لماذا ترفض معارضة الداخل التدخل الخارجي؟
المعارضة في الداخل ترفض التدخل الخارجي لسببين الأول خوفا من اتهامها بخيانة الوطن مما سيضعف مصداقيتها كمعارضة شريفة وثانيا ستتعرض الى حملة تصفية جسدية ويتم الاجهاز عليها كليا حيث ان النظام سيستغل اي مطالبة بالتدخل الخارجي لشن حملة اجرامية ضدها والقضاء عليها كليا. لذا نفهم تردد المعارضة الداخلية بطلب التدخل الخارجي ولكن هذا الموقف سوف لا يشفع لهم حيث ان النظام المجرم سيواصل القتل والتعذيب والاضطهاد سواء كان هناك تدخل اجنبي او لم يكن.
اذا اراد المعارضون وضع حد لأعمال القتل عليهم ان يستعينوا بالأمم المتحدة ويطلبوا حماية الشعب.

ما هو مطلوب الآن؟
أٌقل ما يمكن عمله على الصعيد العربي هو طرد كل السفراء السوريين من العواصم العربية وسحب السفراء العرب من دمشق. رفض استقبال الطائرات السورية ومقاطعة سوريا اقتصاديا وسياسيا وفرض عزلة كاملة ضدها. ويتبع هذه الخطوة تحرك دولي لاقناع الصين وروسيا بعدم جدوى المراهنة على حصان خاسر مصيره السقوط لكي يتم تمرير قرار مجلس أمن يسمح بالتدخل المباشر لحماية الشعب السوري من آلة الابادة.

والآن وبعد اكثر من 3200 قتيل وعدم وجود اي بوادر لتنحي بشار وزمرته الطاغية طوعا توصلت الى قناعة انه لا بديل للتدخل الخارجي.
النظام يعول على الفيتو الروسي والصيني. هذا قد يخدم النظام مؤقتا ويعطيه بعض الوقت ولكن في النهاية ستنصاع الصين ويتبعها روسيا كما فعلتا في الشأن الليبي. لذا من السذاجة الاعتماد على روسيا والصين او التعويل على ايران او حزب الله. نظام دمشق في حفرة تزداد عمقا والخروج منها يزداد صعوبة وسوف لا يستطيع محمود احمدي نجاد او هيوغو تشافيز انقاذ نظام يشن حربا ضد شعبه.

اعلامي عربي
لندن