لم يکن موقف منظمة مجاهدي خلق الايرانية المعارضة المبدأي من قضية المرأة، مجرد حبر على ورق او مجرد کلمات او بيانات للإستهلاك المحلي، کما حاولت و تحاول الکثير من الاحزاب و المنظمات السياسية و الفکرية في سبيل کسبها للرأي العام في بلادها، وانما کان کل موقف نظري يترجم على الساحة الايرانية على أرض الواقع و يتم تفعيله و جعله أمرا واقعا.
ولو وضعنا جانبا موقف المنظمة الواضح من قضية فرض الحجاب و إشتراك عضواتها المتحجبات الى جانب النساء السافرات في مظاهرة ضد نظام الملالي عندما فرض قانون الحجاب، فإن مواقفها المبدأية الاخرى من فرض عقوبات وفق نصوص دينية على النساء الايرانيات و کذلك إکراههن على أمور خارج إرادتهن و رغباتهن، قد ترجمتها أيضا الى واقع عملي عندما طرحت معاناة المرأة و مکابدتها من سياسات النظام الايراني على مختلف المنظمات و المحافل الدولية و أعلنت بصراحة کاملة شجبها و رفضها لذلك.\
لکن، لم تتوقف المنظمة عند هذه النقطة فقط وانما تعدتها الى فضاء أرحب عندما منحت مساحة کبيرة جدا من مواقع المسؤولية البارزة في المنظمة للنساء، وهو أمر ملفت للنظر ولو نظرنا الى المکتب التنفيذي لمنظمة مجاهدي خلق الذي يتکون أساسا من 24 عضوا، فإنه لايوجد فيه سوى رجل واحد، کما أن نصف أعضاء المجلس الوطني للمقاومة الايرانية و الذي يعتبر برلمان المنفى، من النساء، کما ان إختيار إمرأة أيضا لمنصب رئيس الجمهورية من جانب أعضاء المقاومة الايرانية، قد لايکون أمرا من السهل إستيعابه و تفهمه لکن تدفعنا مريم رجوي رئيسة الجمهورية المنتخبة من جانب المقاومة الايرانية الى تفهمه و إستيعابه عندما تقول ضمن حوار لها مع مجلة(المجلة) في عددها 857 الصادر في يوليو تموز 1996، (إذا اردنا أن ننصف المرأة فإنه وکما کانت الهيمنة على مدى حقب التأريخ للرجال، فإنها يجب في البداية و خلال مرحلة معينة ان تکون للنساء و ذلك حتى يتم التکافؤ الفعلي بين الرجل و المرأة)، وهي تشرح و تحلل قضية المرأة باسلوب منطقي سلس في جواب لها بنفس العدد السارد من المجلة المذکورة عندما تقول(لقد تعرضت المرأة کما تعرض الرجل على مدى نحو سبعة عشر عاما من حکم هذا النظام لکل أنواع الاضطهاد، ولهذا فاننا في المقاومة الايرانية بدأنا الحل بتطبيق ما نؤمن به على أنفسنا، لکن هذا التطبيق بدأ خطوة بعد خطوة وذلك لأنه لايمکن ان نفعل کل شئ مرة واحدة.). ولعل الدور البارز و الفريد من نوعه الذي لعبته مريم رجوي في قيادتها للمجلس الوطني للمقاومة الايرانية و نجاحها الکبير في إخراج منظمة مجاهدي خلق(أبرز فصيل في المجلس الوطني للمقاومة الايرانية)، من لائحة المنظمات الارهابية في دول الاتحاد الاوربي، وکذلك تمکنها من فتح أبواب البرلمانات العالمية أمامها و تمکنها من طرح قضية معاناة شعبها من ذلك النظام الديني المتخلف أما مختلف دوائر القرار و الاوساط السياسية النافذة، لهي بحق شهادة إثبات عملية على أهلية المرأة لإشغال و قيادة الاماکن القيادية البارزة بکل فعالية و کفاءة. والذي يميز دور و مکانة هذه المرأة و يمنحها أهمية إستثنائية، أنها صارت قدوة و النموذج النظري و العملي الامثل للمرأة المسلمة المعاصرة و تمکنت من خلال نشاطها الدؤوب و نضالها المستمر ضد النظام الايراني المتطرف من جهة، ومن أجل إحقاق حقوق المرأة و منحها المکانة و المنزلة اللائقة بها، لفت أنظار الرأي العام العالمي إليها بقوة و أخرجت المرأة المسلمة من خلال ذلك من تلك الحالة الجامدة و غير الفعالة التي کانت فيها، فقد إستطاعت مريم رجوي من الجمع بين الجانبين الديني و الدنيوي و جمعت بينهما بذکاء يشهد لها، ذلك أن ظهورها دوما بملابس تتلائم وفق المقتضى الاسلامي الشرعي، کما أنها أجادت أيما إجادة في کل خطباتها و کلماتها التي ألقتها في المناسبات الدينية حيث نجحت في تسليط الضوء على الجوانب المشرقة و الاصيلة و المعاصرة من الاسلام و التأريخ الاسلامي برمته، وکانت تؤکد دوما على منهج التعايش السلمي و إقرار العدالة الاجتماعية المطلوبة التي تکفل للفرد و المجتمع حالة من التوازن و الانسجام مثلما تهيأ ظروف التعايش السلمي الامثل بين الشعوب و بالاخص بين شعوب المنطقة التي عانت الامرين من نظمها الدکتاتورية و من السياسات الخاطئة و المضرة التي کانت تتبعها. مريم رجوي التي عاشت و زوجها مسعود رجوي، أحلك اللحظات و الظروف و مرا سوية بظروف عصيبة جدا و واجها بشجاعة و بسالة کل التحديات و محاولات الاغتيال المختلفة التي لجأ إليها النظام الايراني المتخلف من أجل إنهاء دورهما النوعي أملا من وراء ذلك القضاء على منظمة مجاهدي خلق نفسها، مريم هذه أثبتت بحق ليس أنها فقط مصداقا للقول المأثور(وراء کل عظيم إمرأة) وانما أثبتت أنها و زوجها قد شکلا ثنائيا فريدا من نوعه يمثل في اساسه المعنى و المضمون و الجوهر الانساني للعلاقة المناسبة و المطلوبة بين الرجل و المرأة، فبقدر إيمان مسعود رجوي بدور و مکانة المرأة و نضاله الدؤوب من أجل إحقاقه و جعله عمليا وليس مجرد طروحات نظرية، فإن مريم رجوي أيضا کانت تؤسس و تمهد أيضا للدور و المکانة اللازمة و المطلوبة التي يجب أن تتبوأ بها المرأة الايرانية بشکل خاص و المرأة المسلمة بشکل عام ضمن مجتمعاتها، على أن يکون التأسيس و التمهيد لذلك يجري بسياق هادئ و متوازن و فعال، او کما وصفت مريم رجوي ذلك بنفسها بالقول(خطوة خطوة)، إذ أن الخطوات المتسرعة و التي تتسم بروح العجلة و الانفعال قد لايکون لها في أغلب الاحوال مکانة في العقل الباطن للفرد من جانب و المجتمع من جانب آخر، في حين أن الخطوات الهادئة التي تتم بنمط و اسلوب منطقي تحظى بقبول کبير من جانب الافراد و المجتمعات و تصبح بمثابة أعراف و قيم سائدة و على مر الزمن تصبح جزئا من الموروث الفکري الاجتماعي، وبديهي أن مريم رجوي، تدرك بعمق الاوضاع الاجتماعية المعقدة و الصعبة في إيران بوجه خاص و المنطقة بوجه عام، ولذلك فهي تريد أن تخوض صراعها الفکري الاجتماعي من أجل التغيير بکل دقة و اناة و تريد التفکير عميقا قبل أن تبادر الى السير للأمام ولو خطوة واحدة بهذا المعنى، خصوصا وان خصومها الالداء الذين يتربصون الشر بها هم من رجال الدين المستبدين المتطرفين الذين يريدون ليس أن يوقفوا عجلة التأريخ و التقدم وانما حتى يسعون و بکل إمکانياتهم لإرجاعها الى الخلف، وطبيعي جدا ان الصراع مع هکذا خصم جاهل و عنيد يستغل المسألة الدينية أبشع إستغلال من أجل مآرب خاصة قد لاتلتقي في کثير من الاحيان مع الدين بشئ بل وحتى أنها تضده، هو صراع صعب و معقد جدا يحتاج الى دقة و ترکيز فريدين من نوعهما، ذلك أن مريم رجوي من النساء المؤمنات تماما بالدين الاسلامي و هي تؤمن بإيجابية الاسلام ونبيه الکريم في تعامله مع مسألة المرأة و حقوقها و تقول بهذا الصدد:(الاسلام دين عظيم، ولايوجد دين أنصف المرأة کما الاسلام، وکما هو معروف فإن المرأة في المجتمع الجاهلي کانت تضطهد الى حد دفنها وهي حية، لکن عندما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم، ألغى کل هذا و حرر المرأة من عبودية الجاهلية و منحها حقوقا لم تکن موجودة في المجتمعات السابقة. لقد کان نبينا محمد يحترم النساء إحتراما عظيما.)، هکذا کانت و لازالت و ستبقى مريم رجوي، أمرأة مؤمنة بالاسلام إيمانا عميقا کاملا ليس تشوبه أية شائبة و هي تبتغي أيضا التأکيد على جانبها التواصلي و الحضاري مع الآخر، تريد أن تقول للمرأة المسلمة و للعالم أجمع أنه ليس هناك من تضاد او تناقض من التواصل و التشاور و التآلف الانساني بين مختلف الشرائح الانسانية و بين الشعوب، وقطعا أن مريم رجوي ومن خلال تحملها عبأ إيصال هکذا خطاب مجدد و غير مألوف، من الطبيعي أن تتمکن من دفع الآخر الى التنصت و الاصغاء لها ملية إذ ان الانسان بطبيعته مجبول على الانقياد لکل خطاب او أمر مداف فيه روح التواصل و التجديد و الالفة، وطوال الاعوام الماضية، وخلال مختلف المناسبات و في محافل متباينة، ألقت مريم رجوي خطبا عديدة ضمنتها الکثير من القضايا و الامور المفصلية و المختلفة فيما يتعلق بالشأن الايراني، وهي في الوقت الذي کانت تؤکد على قضية الحرية کحجر الاساس لما يعانيه و يکابده الشعب الايراني، فإنها کانت أيضا تتناول مسألة الفهم المتحجر و المتزمت و المتطرف للنصوص الدينية من جانب رجال الدين المستبدين في طهران و قم، ويقينا أن هؤلاء طار و يطير صوابهم کلما واجهتهم مريم رجوي، ليس لأي شئ سوى لأنها أمرأة و أن هؤلاء يستکبرون أن تخاطبهم و تحاججهم أمرأة في أمور الدين و الدنيا ذلك أنهم يعتبرون هذا الامر مناط و متعلق فقط بهم دون غيرهم.
- آخر تحديث :
التعليقات