القبول بالشكل السياسي القبيح للعراق يثير بيننا حدة النقاش ويخرج عن أطاره الأدبي الموضوعي ليأخذ مساحة زمنية سياسية وجغرافية ترجع بنا الى الوراء. فعراق الماضي كان يفتقد حكم القانون والقضاء والحكمة السياسية، والعراق الحالي بلا سلطة قضائية حقيقية رغم وجود هيكل لها في الدستور. والتحدي يتمثل في تهميش السلطة القضائية والتغاضي عن دورها عمداً وتطبيقاً في دولة تقاد من أمراء طوائف ومافيا القتل اليومي حيث تتحكم بالقضاء وسنن العدالة كتل سياسية تحمل مجموعة أفكار خليطة متضاربة المفهوم ومضطربة المعاني وألاهداف في قيادة مجتمع بتقاليد عشائرية حزبية وعلمانية متسلطة ويراد للدولة بشكلها الحالي النجاح ديمقراطياً.

وصعوبة أعطاء تعريف لشكل النظام الحالي يرجع عند ربط الأحداث الى أمراء الطوائف أنفسهم في أفقار النظام من هيكله الدستوري وتحدي نصوصه وتجريد سلطته القضائية من مهامها... ولاأظن أن قادة العراق يدركون أن صراعهم الناري وحماسهم الخطابي بتشغيل الماكينة الاعلامية لم يَعد يلقى أستحساناً وقبولاً في الشارع العراقي. والسياسة المريحة المتبعة في عقد أجتماعات أربيلquot; لترطيب الأجواءquot;، كلما تأزمت الأمور بينهم، ليس لها صدى شعبي أيجابي، ولا تتضح فيه صورة من هو مسؤول عن النظام السياسي الحالي. فالأجتماعات المتكررة والرحلات المكوكية لقادة الكتل السياسية لرأب الصدع بين بغداد وأربيل لايُفهم منها سوى كلمات ترقيع ليس لها شأن ورابطة بشكل سلطة القضاء وتفعيل العدالة والمحاسبة بقدر مانجد في هذه الأجتماعات واللقاءات كونها تكثيف الأمتيازات والمحافظة على المكاسب المالية والأثراء السريع أضافةً الى رفع الأصوات المُطالبة بألغاء دور بعضهم البعض وشكاوى حزب من حزب وسلطة من سلطة وميليشيا من أخرى وسحق نصوص الدستور بأقدامهم.

الفقرة الأولى من المادة 19 من الدستور تشير الى أن القضاء مستقل لا سلطان عليه لغير القانون، كما تشير المادة 9 في الفقرة ب يحظر تكوين ميليشيات عسكرية خارج اطار القوات المسلحة. المادة (85(القضاة مستقلون، لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ولا يجوز لاية سلطة التدخل في القضاء او في شؤون العدالة. فالى أي مدى حقق القضاة أستقلاليتهم ؟ ذلك أذا علمنا أن الدستور يحظر على القاضي وعضو الادعاء العام الجمع بين الوظيفة القضائية، والوظيفتين التشريعية والتنفيذية، وأي عملٍ آخر.الانتماء الى أي حزبٍ او منظمةٍ سياسية، او العمل في أي نشاط سياسي (المادة96).

الشكل الحالي للعراق هو فوضى أنظمة..... والمشاكل المعلقة الأساسية تبقى معلقة سواء أكانت بالنسبة الى عدم أحالة القتلة وسراق المال العام لمحاكم القضاء حسب نصوص تهم مدرجة تؤكد جدية السلطة في ملاحقة المجرمين وعدم التغطية عليهم وأخلاء سبيلهم بعد أيام من أرتكابهم للجريمة الجنائية أو المالية أو الجوانب المُعلقة بسلسلة أمور وطنية منها، بقاء أو رحيل القوات الأمريكية، المشاركة الوطنية، عمليات الإصلاح ومحاربة الفساد، الضغوط الكردية، تعديل الدستور، توسيع الصلاحيات، مجلس السياسات، وقضية كركوك. فالأشارات الرسمية الصادرة من المالكي رئيس الوزراء quot; ان كل الكتل السياسية تعمل الآن من أجل حل المشاكل والرجوع في ذلك الأمر إلى الدستورquot; هو في الحقيقة أقل مايقال عن الدستور الورقي الذي لايلتزم به أحد. والدليل تصريحات العراقية والناطقون باسمها ويكذبون المالكي و حزب الدعوة ونعته بصفة quot; الكتلة الحاكمة quot; وتتهكم بطلباتها أليه quot; عدم حماية أي متورط في قضايا فساد مالي أو ممارسة أي شكل من أشكال الضغط السياسي، وأن تترك القضاء المهني والعادل ليكشف الحقيقة كاملةً للشعب العراقي quot; كما ورد نصاً عن ناطقيها.

لايستقيم الظل والعود أعوج. وأعني هنا أن فيض التصريحات ألأصلاحية لا يولد حمامة الديمقراطية ولايعطي للنزاهة والعدالة قيمتيهما الحقيقية، والذي نستطيع أن نستشفه أن قادة الطوائف العراقية يلجأون الى التصريحات الأعلامية المريحة لتعضيد وتقوية مراكزهم السياسية والتعويض عن ضعف الأرادة وتقمص أدوار توحي وكأنهم خارج الحكومة ومجلس النواب كالقائمة العراقية والجزء اليسير المفهوم من تصريحات ممثليها أنها quot; طالبت رئيس الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي بمصارحة الشعب العراقي بشأن موقفها من بقاء القوات الأميركية بعد نهاية العام الحالي وعدم ترك الامر محصورًا بين السياسيين والقيادات الحكومية العليا نظرًا إلى أهمية هذا الموقف على مستقبل العراق وشعبهquot;.

من المسؤول عن أعاقة القضاء والعدالة ؟
رسالة استقالة القاضي رحيم العكيلي رئيس هيئة النزاهة واشارته الى quot; تعرضه لضغوطات سياسية من جهات تحاول توجيه ملفات الفساد والسرقة بالطريقة التي تراهاquot; تُبرز الى السطح عدم نية متابعة ملفات سرقة العراق وأسترداد ما تم سرقته.. ومما ذكره العكيلي من quot;وجود جزء غير معلن من الصراع على السلطة في العراق من خلال التكالب على نهب أموال الدولة وعقاراتهاquot; وتذمر الإرادة السياسية من quot; الرقابة والقيود القانونية وسعيها لمقاومة آليات المساءلة والشفافيةquot;، تُعيد الى الأذهان أن الأمر ليس كما وصفه السيد طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية وقوله quot; أن العراق خسر كفاءة هو بأمس الحاجة إليها.quot; في أشارته لأستقالة رئيس هيئة النزاهة، يخلط الأوراق وتدارك ماقد يُعلنه العكيلي على الملأ، وانه كنائب رئيس الجمهورية مسؤول عن متابعة مايجري من خسارة وسرقات أموال وفهم ماقصده العكيلي quot;بالضغوط السياسية والتكالب على نهب أموال الدولة وعقاراتهاquot; وتذمر البعض منهم quot; من الرقابة والقيود القانونيةquot;. أليس الجزء اليسير من وظيفته كمشارك في العملية السياسية والحكومة وبصفته الرسمية، متابعة أدارة عملية الخداع والتضليل والنظر في ما يجري من نهب وفساد وسرقة ؟ المطلوب من المسؤولين الرسميين على مستوى المساحة الوظيفية التي يُشغلونها أزاحة اللثام عن أسماء أعلى المسؤولين الذين نهبوا أموال العراق وتعاملوا معه كبرميل نفط قابل للسرقة وعليهم واجبات المشاركة في أمداد السلطة القضائية بكل مالديهم من وثائق ومعرفة لملاحقة ومقاضاة الأشخاص مدنياً وجنائياً وفق الأجراءات القضائية الأصولية لأسترجاع الأموال المسروقة المودعة في البنوك الأجنبية لأثبات نزاهتهم وصدق نواياهم. ولن يتحقق ذلك أِلا بأعطاء القضاء حقه ودوره الفعال وأقرار توسيع نطاق القانون وتحصينه ليتصدر القرارات، لا التمنيات بأهميته دون تفعيله.

أخطاء كثيرة أرتكبتها المعارضة منذ عام 2003 وتشابكت كتلها وتفاصلت أهدافها وبرامجها. والوجه العراقي الحالي لاتتمثل فيه قوة القضاء والعدالة بعد تهميش السلطة القضائية وفقدان دورها. وهو ما يجعلنا نقول بأنه لن يكون بالأمكان معرفة نوع النظام السياسي المستقبلي وما سيؤول أليه بعد سنوات من الآن. العراق دوائرمغلقة، والدوائر المغلقة لاتطالها سلطة القضاء في مرحلة الاقتتال والتناحر والتصفيات لكون السلطة القضائية في الدولة العراقية لا تستطيع أن تتحكم في أصوات همجية وعشائرية و فرق الموت الطائفية العربية والكردية وتزيحها إلى الصفوف الخلفية باقتدار وعدالة.


[email protected]