حين رأيت المقاطع المصورة التي تتداولها المواقع الحقوقية على شبكة الأنترنت والتي تتناول قيام جنود القوات المسلحة المصرية بالهجوم العشوائي على المتظاهرين الأقباط من حاملي الصلبان والأناجيل يوم الأحد التاسع من أكتوبر الجاري تأكدت أن مصيبة التطرف في مصر أعمق بكثير مما نتصور وأخطر بكثير مما نظن - بشكل يجعل من إيجاد مخرج منها أمراً يكاد يكون مستحيلاً. كانت مشاهد مروعة تلك التي شاهدنا فيها مركبات القوات المسلحة تدهس الأقباط وتسحقهم وتساوي جماجمهم بالأرض. مشاهد إجرامية لا سابق لها ارتكبها رجال المشير محمد حسين طنطاوي. مشاهد لم يجرؤ رجال وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي على ارتكابها وقت كان نظام مبارك ينهار أمام طوفان التظاهرات الشعبية الهائلة. قالت المشاهد ما يعجز الكلام عن وصفه من مشاعر الحقد الدفين التي تتملك الكثيرين من المصرين تجاه شركائهم في الوطن. أكدت لي هذه المشاهد البشعة أن رجال القوات المسلحة الذين ارتكبوا هذه الجريمة المشينة لا يقلون تطرفاً عن إرهابيي تنظيم القاعدة وأن القادة الذين أصدروا أوامر الهجوم لا يقلون إرهاباً عن أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وغيرهما من قادة التنظيمات الإرهابية.

لم تقم القوات المسلحة منذ استولت على الحكم في الانقلاب العسكري السلمي الذي قامت به في الحادي عشر من فبراير الماضي بأي عملية كتلك التي شهدناها بالأمس. اتسمت أفعالها وردود أفعالها بالسلبية حتى حين كان يتوجب عليها التدخل بإيجابية. اكتفت القوات المسلحة بموقف المتفرج في الاعتداءات التي وقعت على متظاهري ميدان التحرير في الثاني من فبراير الماضي، أو في قرية صول حيث هدم مسلمون كنيسة قبطية، أو في المقطم حين هاجم سلفيون الأقباط بوحشية وقتلوا وأصابوا العشرات منهم، أو حين هاجم سلفيون كنيسة إمبابة، أو حين اقتحم متظاهرون السفارة الإسرائيلية في القاهرة، أو حين هاجم مشجعو فريق الأهلي لكرة القدم وزارة الداخلية، أو حين هاجم وأحرق مسلمون كنيسة قرية المريناب بأدفو. لكن القوات المسلحة استأسدت على الأقباط المسالمين الذين لم يلجأوا أبداً للعنف كما توضح المقاطع المصورة الموجودة على شبكة الأنترنت وكما أكدت شخصيات مسلمة محترمة كالكاتبة فاطمة ناعوت. استأسدت القوات المسلحة على الأقباط وشرعت في ارتكاب جريمة لا تقل سوءاً عن جرائم الحرب التي ارتكبها العقيد معمر القذافي بحق الليبيين والتي ينتظر أن تتم محاكمته بسببها.

تشير دلائل كثيرة إلى أن جريمة الأحد التي نفذها إسلاميو الجيش بمساعدة ومباركة السلفيين والإخوان كانت مدبرة بغرض عزل الأقباط وقمعهم وإسكات صوتهم المطالب بالمساواة أمام القانون والحقوق الإنسانية المشروعة ومحاسبة من يهاجمون كنائسهم ومن يتسترون على الجرائم المرتكبة بحقهم. ولأن المسيحيين ليسوا من هواة افتعال المشاكل أو استخدام العنف، فقد كان افتعال الأزمة عن طريق عناصر غير قبطية عندئذ أمر حتمي جرى التخطيط له بعناية بهدف فتح الباب أمام الجيش لشن هجومه الكاسح على المسيحيين. وتؤكد الاحداث ضلوع الجيش والإسلاميين والتلفزيون المصري في جريمة التاسع من أكتوبر، حيث خطط الإسلاميون للجريمة وأشعلوها بينما نفذ الجيش الهجوم الوحشي على الأقباط وروج التلفزيون لشائعة كاذبة مفادها اعتداء امتظاهرين أقباط على قوات الجيش بالأسلحة النارية. وقد أكدت تقارير كذب الادعاء بوجود قتلى بين قوات الجيش، كما زعم التلفزيون المصري بغرض إثارة الرأي العام ضد الأقباط. وإن ثبتت صحة هذه التقارير فإنها تؤكد إيماني بأن الجريمة كانت مدبرة بغرض إظهار الأقباط على أنهم قتلة وخارجون عن الصف الوطني.

لست هنا بحاجة للتقدم بدلائل للتأكيد على رفض الإسلاميون الوجود المسيحي في مصر، فهجماتهم المسلحة المتتابعة على الكنائس والمصالح المسيحية، والسموم التي يبثونها على قنواتهم الخاصة كافية للإشارة إلى مدى حقدهم على المسيحية والمسيحيين. ومن المؤسف أن الجيش المصري يبدو متفقاً تماماً مع التوجه الإسلاموي المتطرف هذا. وقد تأكد التحالف السيئ القائم بين الجيش مع الإسلاميين من خلال عدم مشاركة الإسلاميين في الاعتصامات التي تطالب بذهاب العسكر وتسليم مقاليد الحكم لمجلس رئاسي مدني الإسلاميين، ورضوخ القوات المسلحة لكل مطالب الإسلاميين، ولجوء المجلس العسكري لمشايخ الإسلاميين لحل قضايا الوحدة الوطنية التي يتسبب بها المتطرفون كما حدث في صول وقنا وإمبابة.

كان قتل الأقباط بالأمس مصدر فخر للجنود الذين نفذوا الجريمة النكراء كما بينت المشاهد الموجودة على شبكة الأنترنت، فإن ها الفخر ليس في الحقيقة إلا شهادة عار ستظل تلتصق على مدى التاريخ بالمجلس العسكري وقادة ورجال القوات المسلحة المصرية الذين نفذوا الجريمة الشنعاء. سيذكر التاريخ يوم الأحد، التاسع من أكتوبر، لا كيوم آلام وأحزان ولكن كيوم مجد وفرح. سينضم التاسع من أكتوبر إلى أيام المجد القبطية العديدة التي عاشوها ويعيشونها من عرفوا الإيمان بالمسيحية وعبر العشرين قرناً الماضية. يظن إسلاميو الجيش المصري أنهم انتصروا على الأقباط بقمعهم وسحل خير شبابهم، ولكن هيهات لمن لا يدركون دروس التاريخ. لن ينهزم الأقباط. لن ينهزموا في معركة البقاء في بلادهم. لا لن ينهزموا أبداً. هم انتصروا طوال القرون الماضية على كل الاضطهادات والألام وسينتصرون على شيطان التطرف والإرهاب الذي يواجههم الأن. سينتصر الأقباط بالحياة كما اختاروها، وسينتصر الأقباط بالموت إن فرض عليهم، وسيناضلون بمقاومة سلمية غير عنيفة كما اعتدنا منهم عبر التاريخ. وكلي يقين وإيمان بأن الغمامة ستنقشع من دون عودة، وأن الأقباط سينتصرون وأن شيطان التطرف والإرهاب سيسحق تحت أقدام المنتصرين الممجدين. والمجد لشهداء التاسع من أكتوبر.


[email protected]