مازالت الاشارات و التأکيدات المختلفة القادمة من بغداد تؤکد على عزم السيد نوري المالکي على المضي قدما في سياسته المتشددة بشأن إغلاق معسکر أشرف، وعلى الرغم من المواقف الدولية المتعددة الجوانب المساندة و المؤيدة لسکان أشرف و التي تحث الحکومة العراقية على إتباع سياسة أکثر إعتدالا و واقعية تجاههم، إلا أن رئيس الوزراء العراقي لايوجد شئ يوحي أنه مهتم او يمنح قدرا من الاهتمام بتلك المواقف الدولية بل وانه يصر على التأکيد مرارا و تکرارا على أن نهاية العام الحالي هو الموعد النهائي لإغلاق معسکر أشرف.

الحکومة العراقية التي تتعرض الى ضغوط قويـة جدا من النظام الايراني من أجل ممارسة سياسة بالغة التشدد تجاه معسکر أشرف، تسعى للإيحاء للعالم بأن قرارها بصدد إغلاق معسکر أشرف هو أمر مفروغ منه و انها ترفض أية مساع دولية تخالف هذا التوجه او تتضارب معه، ويبدو أن طهران جذلى و تشعر بنشوة غامرة من جراء هذا التشدد العراقي و تدعمه و تؤيده بمختلف الوسائل و السبل و تحاول جهد الامکان حث الحکومة العراقية على عدم الرضوخ لأية ضغوط دوليـة مهما کانت من أجل ثنيها عن أهدافها بشأن إغلاق معسکر أشرف. هذا الموقف المتشدد لنوري المالکي، لايمکن سحبه على کل الاطياف و القوى السياسية العراقية الاخرى التي باتت تنظر بتحفظ و قلق و ريبة الى هذا الموقف بل وان البعض منها تطالب بمواقف مؤيدة لسکان أشرف، ولذلك فإن تزايد الضغوط الدولية على الحکومة العراقية لحملها على إتخاذ سياسة أکثر مرونة و إعتدالا من مخيم أشرف، من شأنه أن يحث أطرافا عراقية متعددة على التناغم مع الموقف الدولي و إحراج المالکي و دفعه الى زاوية حرجة.

المجتمع الدولي الذي شهد بأم عينيه عدة هجمات عسکرية عراقية على مخيم أشرف و التي کان أشدها وطأة و عنفا تلك التي حدثت في 8 نيسان/أبريل من العام الحالي و اسفرت عن وقوع 36 قتيلا و أکثر من 500 جريحا، بات يدرك و يعي بجلاء أن الموقف العراقي المتشدد من مخيم أشرف نابع اساسا من الرضوخ لتنفيذ مطالب إيرانية بهذا الخصوص، وان تأکيدات رؤوس النظام الايراني بخصوص معسکر أشرف، تدل و بصورة لا لبس فيها، ان النظام الايراني يصر على المضي قدما في ضغوطاته على الحکومة العراقية حتى إجبارها على تحقيق مآربه و أهدافه المرجوة بهذا الصدد، ومن هنا، فإن المجتمع الدولي، بات يعلم أن عدم تفعيل الموقف الدولي بإتجاه ردع الحکومة العراقية عن سياستها المتشددة تجاه أشرف، من شأنه أن يشجع على إرتکاب مجزرة جديدة بحق سکان أشرف وان الموقف الاخير للمفوضية السامية للاجئين بإعتبار سکان أشرف بمثابة لاجئين سياسيين کان خطوة بالاتجاه الصحيح و الذي تبعته خطوة مهمة أخرى من جانب الاتحاد الاوربي عندما أعلن في بيان خاص له انه (يحذر من مجزرة تشبه تلك التي حدثت في سربنيستيا) و شدد البيان على إعادة تإييد المفوضية السامية للاجئين مکانة سکان أشرف کلاجئين سياسيين کما أکد على أن يقوم الامين العام للأمم المتحدة و مکتب المفوضية السامية لحقوق الانسان بنشر فريق رصد دائم في أشرف لتأمين حماية السکان لحين نقلهم الى بلد ثالث. الامر المهم و الحيوي في هذا البيان انه طالب الولايات المتحدة الامريکية و الاتحاد الاوربي و الامم المتحدة ان ترغم العراق على إلغاء المهلة لإغلاق أشرف و إيقاف ممارسة التعذيب النفسي من خلال 300 مکبرة صوت و إزالة أجهزة بث التشويش و التنصت من محيط أشرف وان يحصل السکان على المحامين و الخدمات الطبية. هذه المواقف الدولية لو کانت موجهة ضد أي بلد يوجد فيه نظام ديمقراطي حقيقي، لکان من شأنها إحراج الحکومة و إجبارها على الاستقالة في نهاية المطاف، غير ان الامر مع العراق الذي يختلف تماما على الرغم من إدعائه بأنه نظام ديمقراطي إذ أن النظام الايراني قد أفقد العملية السياسية العراقية مصداقيتها و ماهيتها الواقعية عندما أجبر العراقيين على إعادة نوري المالکي لمنصب رئاسة الوزراء رغم خسارته أمام القائمة العراقية بزعامة أياد علاوي، وانه quot;أي النظام الايرانيquot;، يقوم بدفع الحکومة العراقية لإتباع سياسة غير واقعية تتجه بسياق تصادمي مع التوجهات الدولية وهو أمر لايخدم العراق و مصالحه المشروعة بقدر مايخدم أجندة و أهداف خاصة و ضيقة للملالي الحاکمين في طهران.