رابعاً.. هناك خشية أمريكية / إسرائيلية تتزايد مظاهرها حيال التغيرات التى تشهدها المنطقة من أن تُرسي في مصر في المرحلة المقبلة ملامح نظام حكم مستقر وآمن يتحول بالتدريج إلي نموذج تسعي دول مثل تونس وليبيا وسوريا واليمن للأخذ مما ينذر بتغير محوري ربما لا يكون متوافقا مع مستقبل المخططات الإستراتيجية لكل من واشنطن وتل أبيب علي إتساع المنطقة بما في ذلك تركيا وإيران.. bull;استشاري اعلامي مقيم في بريطانيا [email protected]
هل كانت الزيارة مخطط لها؟؟ ام فرضت مفاجئة؟
أنقسم المعلقون الأوربيون حيال الزيارة التى قام بها وزير الدفاع الأمريكي للقاهرة ( 4 اكتوبر ) بين مؤكد أنها كانت ضمن برنامج مروره بمنطقة الشرق الأوسط قبل ان يسافر إلي بروكسل للمشاركة في إجتماعات وزراء دفاع حلف الاطلنطي، وبين زاعم أنها ترتبت علي نتائج لقاءاته مع كل من رئيس وزراء إسرائيل ورئيس السلطة الفلسطينية.. خاصة شطرها الإسرائيلي الذي أصبح لا يُفوت أي فرصة للضغط علي العاصمة المصرية، إلا وإستغلها، لكي تعود مصر إلي خط مسايرتها لما تقوم به في حكومة نتنياهو من إعتداءات عنصرية وممارسات همينة ومحاولات لفرض رؤيتها الأمنية الأحادية علي الجيران وعلي أطراف أبعد من محيط الدائرة التى تجمعها بهم..
أميل الي القول أن الزيارة أضيفت إلي برنامج تحرك الوزير الأمريكي الشرق أوسطي..
وأصدق أن نتنياهو quot; بشكل شخصي quot; حمله رسالة شفهية إلي المجلس الأعلي للقوات المسلحة المسئول عن إدارة الشأن المصري في المرحلة الحالية..
وأعتقد أن واشنطن أيضا تسعي جاهدة لتأكيد تواجدها علي الساحة الداخلية المصرية سواء عن طريق الزيارات الكثيرة التى يقوم بها مسئوليها، أو عن طريق التصريحات والتلميحات والتعلقيات ذات الصلة بالأوضاع المستجدة في القاهرة منذ بعضة أشهر..
هذا الميل عندي المصحوب التصديق المبني علي الإعتقاد، يتسق مع الحقائق التالية..
أولاً.. أن إسرائيل وعلي لسان رئيس وزرائها أعلنت أكثر من مرة أنها تود بشدة أن تستعيد علاقاتها بمصر رونقها وإزدهارها القديم.. وأنها حريصة كل الحرص علي إبقاء اتفاقية السلام معها ضمن إطارها الحالي.. وأنها مستعدة لقعد جلسة مصارحة فورية تقود الطرفين إلي معالجة موضوعية لكافة الملفات العالقة بينهما..
ثانياً.. ولما لم تحظ تل أبيب برد من القاهرة يرضي غرورها ويتوافق مع مخططات همينتها التى تعطلت منذ بضعة أشهر بشهادة عدد كبير من التقارير الأوربية، دأبت علي التلويح بعدم إطمئنانها لمخططات التنمية المصرية المستحدثة في قطاع سيناء.. و صرحت بحاجتها إلي تأكيدات مصرية واضحة بقدرة النظام المصري الحالي علي ضمان عدم تعرضها لهجمات تأتي من داخل سيناء.. وأعربت عن قدرتها علي التأثير سلباً وإيجاباً في حجم المعونات الأمريكية التى سينظرالكونجرس في وقت قريب في مدي استحقاق القاهرة لها !!..
ثالثاً.. تحتاج كل من واشنطن وتل أبيب إلي الجهد المصري علي مستوي السلطة الفلسطينية من جانب وقادة منظمة حماس من جانب آخر لتسهيل عودة الجانب الفلسطيني لمائدة المفاوضات مع إسرائيل.. لأن انعقاد الدورة الأولي للجولة الجديدة فيه تزكية لتحرك الرباعية الدولية من جانب وفيه فك لعزلة نتنياهو وحكومته من جانب ثاني.. وفيه تفعيل لدور واشنطن الشرقي أوسطي المتعطل بسبب التعنت العنصري الإسرائيلي من جانب ثالث..
خامساً.. ما خلصت إليه العديد من التقارير السياسية الأوربية من أن المرحلة التى تمر بها أنظمة الحكم في الشرق الأوسط ما بين ثائر تمكن من تغير النظام الذي كان يحكمه من ناحية، وبين مضطرب لأسباب داخلية عويصة فرضت نفسها علي ساحته، حرمت واشنطن وتل أبيب من عناصر تأييد لسياستهما في المنطقة التي أصبحت غالبية عواصمها تكاد تكون منغلقة علي نفسها في محاولة جادة منها لإستشراف الغد.. مما جعل غير قادرة علي تلبية نداءات الادارة الامريكية الداعية لمشاركة واشنطن تصوراتها لمرحلة ما بعد الربيع العربي..
لهذه الأسباب، ولغيرها..
جاء نبأ الإعلان عن زيارة وليم بانيتا للقاهرة ليطرح اسئلة كثيرة، ليس فقط علي مستوي الشرق الأوسط الكبير بما في ذلك تركيا وإيران.. ولكن علي مستوي الدول الأوربية التي لها مصالح فيها ولها دور في ملف الصراع العربي الإسرائيلي..
فكل الظواهر تشير إلي فشل وزير الدفاع الأمريكي في التقريب بين وجهات النظر الفلسطينية / الإسرائيلية لبدء جولة المفاوضات كما أعلن عنها بيان الرباعية الدولية قبل نهاية الشهر الماضي..
نتيناهو يريد من الجانب الفلسيطينى ثلاث موافقات قبل أن ينزل من علياءه ليجلس معه..
أولها.. التراجع عن طلب الحصول علي عضوية الأمم المتحدة..
ثانيها.. عدم التمسك بوقف البناء في المستعمرات وبالذات في محيط القدس..
ثالثها.. مواصلة التنسيق الأمني مع أجهزتها بإشراف واشنطن..
أما محمود عباس، فلا زال حتى هذه اللحظة مصراً علي إستثمار المشاورات التى تجريها لجنة العضوية بالأمم المتحدة، لمنح فلسطين العضوية أو رفض الطلب.. وكذا لإستغلال الرفض الامريكي علي مستوي مجلس الامن، لكي يخطو خطوته التالية.. وتقول الأخبار أنه أبدي رفضه المطلق للتباحث مع أي مسئول إسرائيلي ما لم quot; تتوقف حركة البناء في المستوطنات فوراً وبشكل عملي وعلني quot;..
من هنا بدا في الأفق نوع من الاتفاق علي مستوي دول أروبية مثل بريطانيا وفرنسا والمانيا.. يقول أن الساعات التى قضاها وليم بانيتا في القاهرة قادماً من إسرائيل وان كانت لم تشكل إضافة ذات أهمية فيما يتعلق بـ
-سياسات المجلس الأعلي للقوات المسلحة في القاهرة الرامية لنقل السلطة سلمياً بمصداقية وشفافية إلي مجلس الشعب المنتخب وإلي الحكومة التى سيشكلها..
-متطلبات دعم العلاقات الثنائية بين البلدين..
-المساعدات العسكرية التى ستقدمها واشنطن لمصر في العام الحالي..
إلا أنها القت الضوء علي محاولات إدارة الرئيس باراك أوباما علي تشجيع المجلس العسكري المصري أن تستعيد مصر دورها ضمن الأطراف المؤثرة في ملف الصراع الفلسطينيى / الإسرائيلي الذي تجمد منذ حوالي عشرة أشهر..
ومن جانبنا نقول..
ليس بين القوي السياسية المصرية القديمة والحديثة من يرفض أن يكون للقاهرة مثل هذا الدور بشرط ان يكون منحازا لإطاره العربي وفي القلب منه حقوق الشعب الفلسطينى وقدسه بما فيها من حقوق دينية وسكانية وتراثية مسيحية واسلامية..
لكن هناك إجماع شعبي واسع وعريض من كل الأطياف علي رفض استمرارهذا الدور بصورته التي كان عليها قبل يناير الماضي، لأنه كان متعارضاً جملة وتفصيلاص مع كل القيم الحضارية والتاريخية والجغرافية التى يؤمن بها هذا الأجماع ومستعد للتضحية من أجلها كما فعل من قبل.. حتى لو كان رد الفعل واشنطن تقليص أو إلغاء مساعداتها العسكرية..
أما الولايات المتحدة وإسرائيل فتريدانه كما كان وربما بشروط أكثر تشدداً لمصلحة أمن الثانية وترسيخاً لمصالح الأولي، ولتذهب مصلحة مصر العليا وشعبها ومحيطهما العربي إلي الجحيم.. لذلك قلنا من البداية أن زيارة وزير الدفاع الأمريكي للقاهرة في هذا التوقيت مشبوهه من الألف إلي الياء، وعلي المعترض أن يقنعنا بغير ذلك!
- آخر تحديث :
التعليقات