إيناع اطراف المعارضة السورية المتنافرة في أروقة معتمة، رافقتها خدع تكتيكية وألاعيب سياسية متدنية من قبل قوى المعارضة في الخارج وكانت واضحة لأبسط السياسيين، لكنها تكللت بنتيجة ناجحة.

كثرة وتنوع المؤتمرات والمحاورات المدعومة من القوى الخارجية العربية والأجنبية كانت بينة مآلها: خلق المعارضة في الخارج والتي كانت شبه معدومة مع أحياء الأطراف النائمة ولم شملها، والنيات الصادقة كانت أقوى بكثير من أن يتمكن أصحاب الغايات الذاتية الفردية أو الحزبية من الوقوف في وجهها.

الدول الأوروبية وأمريكا وبعض الحكومات العربية تنتظر ومنذ شهور تمثيل خارجي موحد للمعارضة لتكون على مدى مسؤولية تصريحاتهم والتي يودون نقلها إلى سوياتها النهائية، وهي أعلام السلطة السورية بالتنحي، وعليه جمعت الفتات من كل حدب وصوب، وشكلت الكتل ومن الكتل تكونت أطراف المعارضة، والآن أينعت الثمرة، وأنبثق المجلس الوطني السوري المطلوب. وفي كل مرحلة من هذه المراحل كانت أغلب القوى الكردية المشاركة تزرع في أرض غير أرضها، ليحصدها الآخرون.

ألتم شمل المعارضة، وتشكل المجلس الوطني السوري، والذي يعد أنجاز وطني مشرف، كما ويعتبر أتمام لنعش السلطة السورية الفاشية، رغم تحفظنا على بعض الأطراف وبنود في البيان الختامي، كعنجهية بعض القوى في المعارضة العربية السورية أمام القوى الكردية المشاركة في المؤتمر، دفعت بها حراكها إلى حد تهميش القضية الكردية وأنزال سويتها لدونية الحقوق الدستورية، القرار يعد ناقصة ليست فقط للقضية الكردية بقدر ما هو تشويه لمفاهيم الثورة السورية، أنه تفتيت لمنابع الفكر الوطني الصادق ولدعائم الديمقراطية. يأمل الشباب الثائر بناء سوريا الغد على مفاهيم فكرية مغايرة كلياً لمنطق ألغاء الآخر. أي دستور سيكون ذاك؟ ومن سيخطه في القادم من الزمن، الإخوان المسلمين؟ هل سيكون هناك منطق الأغلبية المسيطرة والتي سوف لن تختلف عن الأقلية الدكتاتورية!؟.

ننقد المعارضة بقدر ما نلوم الحركة الكردية، لا نهاجم الذين اسسوا المجلس الوطني السوري quot; الأخير quot; بعدم تبيانهم لرؤية واضحة حول القضية الكردية ما بعد سقوط النظام الحالي؟! بقدر ما نعاتب الحركة الكردية السياسية لبطئ مسيرتها وتلكؤها المتعمد أحياناً، وبقائها حتى اللحظة مشتتة. نهنئ المعارضة على توحيد المجلسين، لكنهم سيحاسبون على تأخره، والذي أدى إلى إطالة عمر الثورة، وعلى أثره أزاداد جحيم الأجرام الأسدي، وتزايد سقوط الشهداء في الوطن، إلى أن صبغ سمائه وأرضه بدماء الثوار المسالمون ومن كل الأعمار، وندين بعض القوى المعارضة الخارجية، لإضاعة الوقت على صراعهم من أجل المصالح الذاتية المتدنية، متناسين الأرواح وهي تزهق.

ربما تخلف عني منطق لا أدرك بعد أبعاده؟ المجلس الوطني السوري تشكل وبعض القوى الكردية المنظمة أو المستقلة شاركت وجاهدت لتفعيل القضية الكردية، لكنها خرجت عرجاء مبتورة الأطراف، وكأنني أراها شبه مهمشة، مع ذلك جانبوا الصمت بعد خروجهم من المؤتمر، الصمت الذي لم يجاريه في السابق من المؤتمرات، وكأنني أحس بأن قوة قد سيطرت على أصواتهم، مقارنة بالضجة التي أحدثوها في المؤتمرات الأولى يوم كان المشاركون معظمهم من المستقلين؟!.

صمت وذم ثم صيحة طغت على حراك الحركة السياسية الكردية خلال مراحل الثورة السورية، بقيت على أطراف المؤتمرات التي كانت تعقد في الشتات وتجنبتها، فكانت تحاجج بماهية وجودها الأستنبولي، وفجأة قر سمعنا حضورها في المؤتمر المصبوغ بالصبغة الإسلامية، وكان نفي من قبل الإعلام الحزبي حول ممثليهم وصمت الممثلين، وكأنهم بهذا ودوا أخفاء الميكيافيلية بأضحل تكتيكاته.

شاركت الحركة السياسية الكردية في مؤتمر استانبول ومنها quot;الديمقراطي quot; وquot; اليكيتي quot; وquot; الآزادي quot; وفي المؤتمرالأخيرquot; الموحد quot; شارك معظمهم باستثناء الذين شاركوا في المجلس الوطني السوري الموسع والذي أنعقد في أطراف دمشق. فجأة لبست الحركة الكردية جلباب الدين الذي لا يؤمن بالقوميات إلا عند الأمتداد العروبي، وغطي الجلباب بالوطنيات، لتطمس مطالب الكرد وتنقل عملية التهميش من quot; الحركة الكردية quot; إلى تهميش quot; للقضية quot; بأكملها. نتمنى أن تكون النيات صادقة في الوطنيات ونأمل أن نكون مخطئين في القادم من الزمن !
......
تحرك quot; المجلس الوطني الكردستاني - سوريا quot; وطالب بعقد مؤتمر وطني كردي قبل ثلاثة أشهر، لأجل أن تملك الحركة الكردية الكلمة القوية في الحضور، وليشاركوا بثقلهم الحقيقي في جميع المحافل خلال مسيرة الثورة السورية، وذلك في الفترة التي كانت المعارضة السورية في بدايات تكوينها، والإدارة الأمريكية كانت لا تزال تبحث في أروقة المهجر عن المعارضة السورية. لكن الإخوة الغيورين من ضمن الحركة الكردية السياسية قطعوا الطريق، تحت أجندات خارجية، رضخنا للمطلب القومي عندما بدأ جدية النداء لعقد مؤتمر وطني كردي مشابه من قبل الأحزاب، سكتنا وسكت القلم وجمد الحراك، طلبنا من الإخوة في جميع الأطراف السرعة بل التسارع، نحن في ثورة والكل يركض، لكن مسيرة الحركة الكردية كانت أبطأ من تلكأ مسيرة المعارضة السورية الخارجية بشكل عام، وما حصلنا عليه حتى اللحظة، واضحة في بيان المجلس الوطني السوري.

كما طلبنا من معظم الأطراف وكتبنا هنا وهناك بأن المطالب الكردية لايمكن أن تقل عن الفيدرالية، بحث فيها مراراً وبينا بأنه وعلى سويتها سيشعر الجميع بالأمان والتعامل الحقيقي في وطن يجمع الكل، والرفض يجب أن يرد بالرفض.

كانت الحركة الكردية السياسية حتى الشهور الأخيرة متزمتة في موقفها الصامد والمتين، حصلت من ورائها على دعم جماهيري واسع، وكان دعمنا واضح كدعم أغلب أطراف الحركة الثقافية، وذكرنا ليكن الإنعزال والتهميش وليكن الصراع، هذا هو الواقع الذي نعيشه منذ أكثر من نصف قرن، أما وأن تأتي المعارضة العربية السورية وبدعم من الإدارة التركية وتنتقل من سوية تهميش الحركة الكردية إلى تهميش القضية الكردية بأكملها في محافلها، فسوف لن تلقى سوى الصراع والتصدي، نطالب بالقبول، قبولنا كما نريد نحن، لا كما يريدون هم أن نكون عليه.

حاورنا ولا نزال نحاور العديد من أطراف المعارضة العربية السورية، حول الفيدرالية كحل للقضية الكردية، لكن لم نلمس منهم سوى معارضة مبنية على خلفية ثقافية لا تزال تطغى عليها ثقافة العهود الماضية، ثقافة الحساسية والحذر من الشعب الكردي، وإلا لماذا الفيدرالية تعد نظام في قمة التطور الديمقراطي عند معظم شعوب العالم، لكنها بالنسبة للقضية الكردية تدخل في غياهب الفكر الانفصالي أوتجزأة الوطن؟! هذه الفكرة التي بثها ونشرتها بناة الثقافة العنصرية، ثقافة ألغاء الآخر.

كان هذا المنطق في التفكير لدى المعارضة العربية السورية السبب الرئيس في عدم حضورنا لبعض المؤتمرات وأقصائنا المتعمد من بعضها الآخر خاصة تلك التي كانت تحت رعاية الدولة التركية والتي لم تمر واحدة منها بدون توصية لفرض بند يطالبون فيه بالتشديد على quot; وحدة الأراضي السورية quot; الجملة الموجهة للشعب الكردي بشكل مباشر، أو بالأحرى التهمة الموجهة والمفبركة في أروقة الإدارة التركية والبند بحد ذاته رد على مطلب النظام الفيدرالي، حيث أن quot; المجلس الوطني الكردستاني ndash; سوريا quot; قد أدرجتها في أعمال عدة لجان خاصة بالشرق الأوسط داخل الإدارة الأمريكية والاوروبية، وهؤلاء بدأوا بدورهم يحرضون على النظام الفيدرالي في سوريا بعد سقوط السلطة الحالية، وكانت لحكومة أردوغان حراك قوي لإلغائها، وهنا كان اللقاء التكتيكي بين بعض القوى المعارضة العربية السورية والإدارة التركية حول القضية الكردية.

حان للكرد أن يطمروا طرق الصراع والمنافرة، وعليه يتطلب منهم وفي هذا الزمن الصعب أن يرموا بتيجان الكبرياء والمفاخرة، الصراع السياسي والأحتدام في ساحات مدن الشرق الأوسط بهر أمام أعين الجميع الكثير من الإيقونات، فتبين لنا العديد من الأخطاء، وشدنا على أن ننهض للفلاح، لنمسك ولو مرة في التاريخ بزمام الحرية وذلك سيكون بالأجماع على الرأي والقرار. الأعتراف بالخطأ ولو من حوافه إنارة للدرب وصواب في المرمى. لذلك نأمل من المؤتمر الكردي الوطني القادم أن يخرج بهيئة قوية تمثل الشعب الكردي، وأن تكون لها القوة في أصدار القرارات، والأهم أن تحمل الهيئة بيدها بند المطلب الفيدرالي كمطلب رئيس للشعب الكردي في سوريا وتكون وثيقة في البيان الختامي.

أدبر المجلس الوطني السوري وفات، وأنتهت عملية تهميش القضية الكردية، والمؤتمر الكردي الوطني آت علينا بإشراقة متراخية من حيث الزمن ومكان الأنعقاد، فالأخ quot; دومام آشتي quot; محق ونقده يرن صداه، لذا أشكره على نقده بل ومعاتبته الأرستقراطية، وأقول بأن الحركة الثقافية كما السياسية ربما تحتاج أحياناً إلى كلمة أثقل من مما قيل، لكن الأخ quot; دومام آشتي quot; أثبت على قدرة عليا في النقد أعتمد فيها على خلفية ثقافية وأخلاقية ناصعة، النقد كان واضحاً ومقنعاً للذي يود أن يراه وهو محق، لكن الأخ quot; علي بوبلاني quot; ود أن يرتفع بالنقد إلى سوية التهجم على الحركة الثقافية لتنشيطها حتى تصل إلى مستوى الحدث، الحركة التي كثيراً ما تكون متذبذبة كما يود أن يقولها السيد بوبلاني، الخروج من سوية النقد البناء إلى حالة التهجم ليس صعباً، كما إنه يجلب الردود العكسية. المثقف بطبعه يجب أن يكون حساساً للكلمة الناقدة أي كانت سويتها ومرونتها، والحق يقال الإقصاء والتهميش للحركة الكردية والآن للقضية بشكل عام من قبل بعض قوى المعارضة السورية تحت أجندات وطنية عامة تحتاج إلى الكثير من المداد والنشاط الفكري من قبل المثقف كما تحتاج إلى حراك ونشاط سياسي صاخب من قبل الحركات السياسية، والجهتين ليسوا على مستوى السوية المطلوبة.


الولايات المتحدة الأمريكية
[email protected]