صدقوني. حين قرأت عنوان الموضوع الذي كتبه زميلنا أسامة مهدي عن استعداد نوري المالكي لنقل خبرته إلى ليبيا، ووضعها تحت تصرف المجلس الوطني، خصوصا في مجال إعادة الإعمار، وكتابة الدستور، وبناء القوات المسلحة، والانتخابات، ظننت أنه خرج عن مهنيته العالية، وجنح، على غير عادته، إلى التنكيت والتبكيت واستخدام السخرية أسلوبا جديدا في كتابة تقاريره السياسية التي يمطرنا بها كل يوم.
ولكنني حين تجاوزت العنوان ودخلت إلى صلب الموضوع وجدت أنه جاد، ويكتب من كل عقله، ولا سخرية ولا تنكيت، ولا هم يحزنون.
قال أسامة:
quot; أكد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي استعداد بلاده لدعم ليبيا ومساعدتها في اعادة الاعمار والبناء ووقوفها مع الشعب الليبي في مواجهة التحديات التي تواجهه على المستويين الداخلي والخارجي. quot;
quot; وأكد المالكي خلال اجتماعه في بغداد مع رئيس المكتب التنفيذي للمجلس الانتقالي الليبي محمود أحمد جبريل أن العراق على استعداد لدعم التجربة الليبية بكل ما يستطيع خصوصا خلال الفترة الانتقالية. وقال إن بغداد مستعدة لتقديم كل ما اكتسبته من خبرة في مجال اعادة بناء مؤسسات الدولة واجراء الانتخابات وكتابة الدستور وبناء القوات المسلحة.
quot; وأكد المالكي على ضرورة العمل لبناء دولة المواطنة التي تركز على الاهتمام بالمواطن وتنمية البلاد في شتى المجالات وتجاوز تركة الانظمة الاستبدادية التي سعت الى تفتيت المجتمع وتفكيك مؤسسات الدولة.quot;
غير معقول. إنني مضطر، والحالة هذه، لأرفع للسيد أبي إسراء (عمامتي) إعجابا بشجاعته وجرأته وقوة شكيمته وهو يهمس بمثل هذا الكلام العجيب في أذن محمود جبريل ولا يخشى من أن يتسرب إلى العراقيين، قبل أن يصل إلى الليبيين.
فأية خبرة وأي بناء وأية انتخابات وأي جيش وأية قوات مسلحة وأي دستور يمكن أن يصدرها نوري المالكي من المنطقة الخضراء المكللة بالفضائح إلى ليبيا المعمدة بالدم ؟
والرجل الطيب مصطفى عبد الجليل ورفيقه المثقف محمود جبريل وباقي أعضاء المجلس الانتقالي والمجلس التنفيذي، وأغلبهم خبراء ومثقفون ومتعلمون وحملة شهادات عليا صحيحة غير مزورة، وأصحاب خبرات علمية وتكنولوجية ومالية وسياسية كبيرة برزوا بها في أوربا وأمريكيا ويندر وجودها في ثورات الربيع العربي الأخرى، ليسوا سُذجا لحد البلاهة لكي يسمحوا لمحاصصة العراق وصراع رئاساته وأحزابه وطوائفه وقومياته وأديانه بأن تنتقل إلى ليبيا الجديدة، لكي تجف فيها الأنهار، وتنقطع الكهرباء، ويشح الدواء، وينعدم الماء، ويفسد الهواء، وتسيل دماء جديدة بالمفخخات والكواتم في كل ليبيا العزيزة، مدينة مدينة، وقرية قرية، وبيت بيت، وزنقة زنقة، ثم ُيهرب نفطها وُتسرق أموالها، ويتعلم الثوار الليبيون فنون مصادرة مباني الدولة واحتلال قصور الطاغية واستراحات أبنائه ومزارعهم ومجوهراتهم، والسطو على البنوك، وتشييع الجنازات، وتزوير الشهادات، وتأسيس المليشيات، وإطلاق الأبناء والإخوة وأولاد العمومة والخؤولة والمحاسيب وأفراد الحمايات لأخذ العمولات وتكديس المليارات واغتيال المعارضين وإرهاب المتظاهرين والتلاعب بالانتخابات، وكأن ما دفعه الشعب الليبي من دم للتحرر من الديكتاتورية والفساد والتخلف ليس كافيا فيستورد من بغداد ديكتاتورية أخرى من نوع مستحدث جديد من ابتكار حزب الدعوة وقائده نوري المالكي ومستشاريه وأعوانه من خبراء اللطش واللهط، ووزراء ضخامة الرئيس، وأبطال العقود الوهمية الفاجرة؟؟.
وكل هذا يهون أمام الموقف المعيب لحزب المالكي وحلفائه من همجية نظام بشار الأسد ومجازره المروعة في كل مدن سوريا وقراها ضد المنتفضين المسالمين العزل. فكيف يظن المالكي أن الثور الليبيين يقبلون منه طائفيته الكريهة التي تدفعه إلى مباركة قتل أشقائهم السوريين، وهم الذين ذاقوا مرارة مواقف بعض أشقائهم العرب المنافقين، كالبعثيين وأدعياء الممانعة والمقاومة الكاذبة حين وقفوا مع القذافي ودافعوا عن حملات القتل التي أدارها، هو وأبناؤه وكتائبه ومرتزقته، ضد أبنائهم ونسائهم وشيوخهم حين طالبوا بالحرية والكرامة والأمان؟
كيف يتوهم المالكي أن أخبار دعمه المعيب لديكتاتورية البعث السوري غير معروفة ومفضوحة ولا تحجب بغربال؟
وكيف يظن أن الليبيين والعرب والعجم، كلَّهم، لا يعرفون أنه ينشر قوات أمنه وجيشه ومليشياته على حدود سوريا لتمكين بشار الأسد من سحب جيشه منها ونقله إلى شوارع حمص وحاة واللاذقية وحلب ودمشق لتشارك في ذبح السوريين، وهو الذي لم يحرس حدود الوطن من القتلة والإرهابيين الذين كان يبعث بهم بشار الأسد لقتل أهلنا في الأسواق والمدارس بالمفخخات والأحزمة الناسفة، وكا أعلن هو نفسه بعظمة لسانه وعبر منابر الأمم المتحدة ذاتها؟
صحيفة quot;واشنطن بوستquot; قالت مؤخرا إن حكومة المالكي، ومنذ أكثر من ستة أشهر بعد بدء الانتفاضة السورية، تقدم الدعم المعنوي والمالي لبشار الأسد الذي يحارب شعبه.
واعتبر الخبير الاميركي في الشؤون السورية أندرو تابلر، ومؤلف كتاب quot;في عرين الأسدquot;، ان مساعدات نوري الملكي لنظام بشار الأسد هي بمثابة شريان الحياة الوحيد.
السؤال المهم، هل أصبح العراق مستعمرة إيرانية، بالكامل، وإلى هذه الدرجة؟ ربما. لكن الذي لا يمكن فهمه بسهولة هو هل إن نوري المالكي يجهل أن طائفيته وعمالته لطهران مكشوفة ومفضوحة، أم إنه يعرف ويحرف حين يتطوع بتصدير الاستعمار الإيراني من العرق إلى أشقائه الآخرين، حتى إلى أؤلئك الثوار الذين لم تجف دماؤهم بعد في معاركهم من أجل التحرر والخلاص من العبودية والديكتاتورية والتخلف والفساد؟
- آخر تحديث :
التعليقات