آزادي...آزادي...
مشعلٌ يطوفُ أنحاء البلاد..يمسُّ قناديلنا الواحد تلو الآخر..بلهب
سوريا التي تتهدّجُ على إيقاع خطواتها المهيبة اليوم..أقاليمُ الأرض..مُتشحةٌ بالسواد
تتقدّم مُشيّعي واحد من أنبل أبنائها..أبرز مُبدعي فجرها الجديد ومُهندسي ربيعها الأكبر!
الصديق خالد حاج بكري.

اغتيل عضو الأمانة للمجلس الوطني السوري المعارض الكردي مشعل تمو، بالرصاص في القامشلي الجمعة، كما أصيب أحد ابنائه إصابة خطيرة، وناشطة كانت معهما. وفي الأثناء، تعرض السياسي المعارض رياض سيف لاعتداء عنيف على يد الشبيحة في دمشق، حيث أصيب إصابات بالغة في أنحاء متفرقة من جسمه. أظهر شريط فيديو أربع رصاصات وقد استقرقت في جسد مشعل، موزعة على الرأس والكتف والصدر والبطن. يقول صاحب المنزل أن الأشخاص الذين تكلموا معه عند الباب كانوا يتكلمون بالكوردية و سمع شقيق الشهيد من الحمام أيضاً أحدهم يتكلم بالكوردية، إلا أن الشخص الذي أطلق الرصاص على الشهيد و من معه تكلما معه بالعربية، وكان وجهه مكشوفاً، و يمكن التعرف عليه. الجدير بالذكر أن الشهيد مشعل تمو تعرض قبل شهر من الآن لعملية إغتيال، إلا انه نجا منها و كان نجله مارسيل يقود السيارة و أستطاع الفرار من الجُناة، و كان الشهيد يتلقى تهديدات بالقتل منذ إطلاق سراحه.

إن دم مشعل، تحول إلى اجابة الشعب السوري عمن يسأله، عن وحدة مصيره والآمه واحلامه، وعن دم شهداءه من القامشلي وحتى درعا، إنه يجسد الانتماء لسورية دولة حرة ودولة مواطنة ودولة قانون، إن الوحدة الوطنية التي تعيش حريتها تحت انف النظام وعصاباته الملتفة بالمصالح والزعرنة والتطييف، تحت انف من يشكك بمصداقية سلمية الثورة، ومدنيتها التحررية، وعمق انتماءها للمواطنة السورية التي علت مع كل دم شهيد فوق أي انتماء آخر عربي او كوردي مسيحي ام مسلم علوي ام سني. هذه سورية التي حاول النظام- العصابة قتل اجمل مافيها وهو شعبها وانتماءه لها، دم مشعل التمو الصريح بجرأته وعنفوانه الذي عانق سماء سورية عندما تخرج درعا لتشيع مشعل وحمص وحماة واللاذقية وبقية المدن السورية والبلدات التي تهب حياتها لسورية حرة كريمة، فرض علي أن اتطرق لمسألتين في هذه المقالةquot; الأولى من موقع الصديق للأصدقاء في حزب الاتحاد الديمقراطي الجناح السوري لحزب بي كي كي الكوردي التركي، إن مواقفهم من الثورة، والتي لاتزال متفردة خارج السرب، سواء على المستوى الكوردي السوري أم على المستوى الوطني السوري، اضافة إلى ما يتم الحديث عنه في الاوساط الكوردية حصرا، من أن البي كي كي لايزال في قيادته التركية حليفا لنظام العصابة الأسدية. حتى أنه قد وصلني همسا مفاده أن اغتيال مشعل التمو تم بتنسيق بين المخابرات السورية وعناصر من حزب العمال الكوردستاني بزعامة عبد الله اوجلان. ولسان حال هذه الهمسات يعلل موقفه هذا بالقول: أن مشعل التمو كان يفضح اي تواطؤ مع النظام من أي نوع كان من خلال موقفه من الثورة وممارساته لوطنيته السورية ولدفاعه عن الحقوق الكوردية بطريقة سورية، وهذا مالايريده الاتحاد الديمقراطي لأنه لايريد للكورد أن يخرجوا في تظاهرات ثورية ضد النظام، ويريدهم أن يبقوا تحت قيادته لأجل مهمات الساحة الكوردية في تركيا، على الأصدقاء في حزب الاتحاد الديمقراطي توضيح موقفهم هذا، لأنني على قناعة ان قيادة هذا الحزب من الصعب ان توافق على هذا الموضوع. ناقشت احد الذين راسلوني من شباب التنسيقيات الكوردية، حيث قال لي مصرا على أن المناطق الكوردية السورية التي لحزب الاتحاد الديمقراطي فيها الحضور الاكثف لاتخرج في التظاهرات، ويضربون مثالا منطقة عفرين في ريف حلب وقراها وبلداتها. اضافة إلى تواجدهم القوى في احياء حلب التي يقطنها اغلبية كوردية مهاجرة من الريف، كحي الشيخ مقصود والاشرفية. ويصر هذا الشاب وغيره من الناشطين، على أن اغتيال مشعل يمكن أن يكون بقرار مخابراتي سوري وبتنفيذ مشترك بين الطرفين. وهذا الكلام لم أسمعه من أي ناشط سوري عربي أو آشوري أو خلافه، بل سمعته من ناشطين كورد سوريين. وانقل للأصدقاء في الحزب ما سمعته، واتمنى أن يكون لديهم ردا على ذلك. وهذا لايغير أنني كنت وسأبقى مع الحق الكوردي التركي والنضال من أجله، مع التأكيد على الاستقلال النسبي بين الساحتين التركية والسورية. وشكرا لتفهم الأصدقاء في الاتحاد الديمقراطي على تفهمهم لهواجسي هذه.

والنقطة الثانية، التي اود التطرق اليها وهي التي تتعلق بالعلاقة بين مفهوم المواطنة وبين الحق القومي للشعب الكوردي، اعتقد أن وحدة المطلب الديمقراطي السوري في دولة المواطنة لايلغي بأي حال الاعتراف بالحقوق القومية للشعب الكوردي، وليس هما في تضاد أو خصومة منهجية أو تاريخية، وكذلك الحال اعلان بقية الشعب السوري انتماءه العربي، لايختصر أي حق من الحقوق القومية الكوردية، مع أنني مع ان تسمى سورية الحرية الدولة السورية، مع ذلك إلا انني أرى ان دولة الحرية تؤسس أولا وتتأسس ثانيا وبالتداخل على مفهوم المواطنة بما حملته البشرية من تجارب من اجل إعلاء قيمة الانسان أولا قبل أي انتماء آخر، والدليل على ما أقول هو هذا التضامن الخلاق العفوي وغير العفوي بين اطياف الشعب السوري. دولة المواطنة هي القاعدة الاساس للنضال من أجل مابعدها وفي ظل الحرية، واعتقد أن القضية الكوردية بكل مافيها سوريا، قد حازت على اعتراف كل الشعب السوري عندما سمى احدى جمعه الثورية باسم آزادي ولايزال الشعب السوري يهتف آزادي من مشرقه لمغربه ومن جنوبه لشماله. للانسان حقوق وجودية لاتتعلق بانتماءه القومي أو الديني أوالطائفي أو الجنسي، كحقه في الحياة وحقه في العمل وحقه في المشاركة السياسية، وحقه في التعبير عن آراءه ومعتقداته باللغة التي يراها، وحقه في الانتماء لتجمعات تدافع عن حقوقه المهنية..الخ هذه حقوق لها بعد وجودي على المستوى البشرية الانساني يتشارك فيه كل من ولد من رحم إمرأة. أما بقية الحقوق فهي وإن تداخلت مع هذا البعد إلا أنها في النهاية تؤسس على هذا المستوى ذاته من الحقوق. وثمة أمر ثان على هذا الصعيد، ان الاعتراف الدستوري بالحق القومي الكوردي السوري لايمر بالضرورة عبر القول أنه ثان قومية في البلاد أو ثالث قومية أو أول قومية، لأنه يصبح هنالك تناقض في المطلب ذاته، يعني أن تقول ثاني قومية في البلاد أو ثالث قومية هل يعني أنه يجب أن يكون هنالك انتقاص من حقوق القومية الثالثة لصالح الثانية وانتقاص من حقوق الثانية لمصلحة الأولى؟ إذا لم يكن كذلك فلماذا النص عليه إذا؟

لهذا أنا كوردي وآشوري وعربي ومسيحي ومسلم وعلوي وسني، وأنا شيوعي ولبيرالي واسلامي...الخ كل هذا لأني انسان أولا ووفقا لهذه التصنيفات أنا سوري ثانيا. وهذه التصنيفات عليها ان تنطلق من اعلاء قيمة الانسان السوري بوصفه مواطنا حقوقيا أولا قبل أية قيمة اخرى، ليؤسس عليه بقية الانتماءات.
شكرا مشعل لموقفك السياسي في حياتك وشكرا لدمك الذي وحدنا أكثر بعد رحيل جسدك على يد العصابة الأسدية.
غسان المفلح