تأكيد القيادي كوسرت رسول نائب الأمين العام للاتحاد الوطني الكردستاني وهو ثالث الزعامات في القيادة الكردستانية بعد البرزاني والطالباني، على ان quot; وقت اعلان الدولة الكردية قد حان quot; في مقابلة صحفية، مسألة لابد ان ينظر فيها باهتمام وتمعن لانه تأكيد ثان معلن من قبل نائب الطالباني خلال فترة التغييرات الشرق الاوسطية الجارية، وهو الاعلان الكردي الثاني بعد اعلان البرزاني بحق الكرد في تقرير مصيره في مؤتمر حزبه الديمقراطي الكردستاني، وتأتي هذه الدعوات توازيا مع مشهد الاحتجاجات الثورية التي تشهدها المنطقة والتي تمر بمرحلة تغييرات سياسية كبيرة تتقدمها ثورات الربيع العربي التي أزاحت حكاما مخضرمين في أياما معدودات في تونس ومصر وزلزلت مضاجع دكتاتوريات مستبدة في ليبيا وسوريا واليمن.
ولكن القيادي رسول الذي رافق الرئيس جلال الطالباني في زيارته الى الولايات المتحدة والجمعية العامة للأمم المتحدة، يؤكد في الوقت نفسه على ضرورة توحيد الصف الكردي للوصول الى الهدف الاكبر وهو اعلان الدولة الكردية، ومؤكدا حق الشعب الكردي في ذلك وحق الحصول عليه دون ان ينتظره من احد. ومن خلال قراءة هذه السطور نجد ان البيت الكردي بخصوص مسألة اعلان الدولة الكردية مازالت تعاني من اختلاف في وجهات النظر بصدد هذه القضية المصيرية، وأغلب الظن ان الطالباني هو المعني في هذا الأمر، لان رسول والبرزاني يبدو انهما يحملان نفس الرؤية والتوجه لاعلان الدولة الكردية وقد عبرا عن هذه النية علنا وبشفافية دون اي التباس.
والملفت للانتباه، ان القيادي العراقي حسن علوي رئيس القائمة العراقية البيضاء، قد دعا الكرد لتشكيلِ دولتِهم المستقلة والاعلان عنها في امسية بعنوان quot;رؤية لاستراتيجيات المنطقة ومنعكساتها الكردستانيةquot;، وقال ان الكرد ضيّعوا على أنفسِهِم الكثير من الفرص الذهبية لاعلان الدولة الكردية المستقلة، وقد حان الوقت لأن يستغِلوا الفرصةَ الأخيرة المتاحة لهم حاليا لاعلانِها وتقرير مصيرِهم، واكد زعيم العراقية البيضاء ان الكرد لم يستفيدوا طوال عمرهم من اية فرصة سنحت لهم لتقرير المصير والسبب حسب رأيه افتقار الكرد للوحدة القومية.
وتوازيا مع هذا المسار، لو نظرنا الى البنية التحتية لاقليم كردستان لاقامة الدولة نجد ان بنيانه القومي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والعمراني يقيم على قدرة كاملة وبناء شامل، وعلى أساس نظام ديمقراطي تعددي برلماني وفصل للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وهو بنيان قد لانجده في كثير من الدول ذات السيادة المنطوية تحت عضوية الامم المتحدة كدولة مستقلة.
ولهذا لا بد ان نعترف ان بنيان اقليم كردستان العراق يحمل مقوّمات اقامة الدولة الحديثة، وللتذكير فان هذه المقومات تتضمن الشروط التالية: الأرض والشعب واللغة والتاريخ المشترك، والوحدة القوميّة والبيت السياسي الموحد، ومرجعية الشعب في اتّخاذ القرارات السياسيّة والمصيرية وضمان الانتقال السلمي للحكم، والقدرة على تحقيق وارساء التنمية الشاملة والمتوازنة في جميع المجالات، وترسيخ الدستور وضمان حقوق الانسان في تحقيق تكامله وحريته وكرامته وفق اللوائح والوثائق الدولية، والرغبة الانسانية على التعايش المشترك وحسن الجوار مع الشعوب المجاورة، والمشاركة الفعّالة بايجابية مع المشتركات الانسانية، والقدرة على ضمان كافّة الحاجات الحياتية والمعيشية والخدمية لجميع أفراد الشعب، واتباع النظام الديمقراطي المبني على التعددية وفصل السلطات ومرجعية الشعب للسلطات والحكم.
وعلى هذا الأساس يمكن اعتبار اقليم كردستان شبه دولة حديثة بالمعنى المتقدم، وقد بدأ مسيرة نهوض وبناء وعمران وتطوير وتحديث منذ اعلان الخيار الفيدرالي مع العراقيين بداية العقد الأخير من القرن الماضي، ولكن هذه المسيرة سجلت نقلة نوعية وتقدما كميا وبمستويات عالية في جميع المجالات بعد سقوط صنم الاستبداد عام الفين وثلاثة، وصار هذا الجزء من الدولة العراقية الجديدة من اكثر المناطق استقرارا وأمنا وتقدما وتطورا مقارنة ببقية المناطق في البلاد، وهذا الاقرار لابد من الاعتراف به بالرغم من حالة الفساد الرهيب التي يعيشها العراق وكردستان على السواء بسبب رجال الحكم الفاسدين، ولا ينكر ان الاقليم قد خط مرحلة جديدة في مسيرته البنائية والعمرانية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وهي مرحلة لم يسبق ان شهده في تاريخه الحديث ولا القديم، وهذا ما جعل الاقليم ان يحظى بالاحترام والتقدير من قبل كل أشقاء الكرد في العراق ومن قبل كل أصدقائه في أغلب أرجاء العالم وفي العالمين العربي والاسلامي.
وبالرغم من الانتقادات الواسعة التي لاقت تصريحات القيادي حسن علوي، وقبلها تصريحات مسعود البرزاني رئيس اقليم كردستان وكوسرت رسول نائب الامين العام للاتحاد الوطني، ومن قبل بعض النواب والكتل السياسية ووصفها بالظاهرة الخطيرة التي يجب ن تدرس من قبل الحكومة الاتحادية والأطراف السياسية، وانها لا تعبر عن رغبة الشعب العراقي سواء في الاقليم او في بغداد، فان دعوةَ علَوي لاعلان اقليم كردستان دولة مستقلة استقبلت بانتقاد حاد ووصفت بانها مخالفة للدستور ومسببة للمزيد من الخلافات السياسية في البلاد، والمفيد ان رئيس القائمة العراقية البيضاء رد بالقول انه لن يتراجع أبدا عن الاقوال التي أدلى بها بشأن تأسيس الدولة الكردية، وأكد من جديد انه يؤيد تأسيسها بكافة الأشكال ومعلنا عن دعمه الكامل لتأسيس دولة للكرد.
يذكر ان هذه الدعوات لاعلان الدولة الكردية في اقليم كردستان العراق تأتي توازيا مع المحاولات الدبلوماسية التي تبذلها القيادة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس للحصول على موافقة مجلس الامن والجمعية العامة للامم المتحدة لانضمام دولة فلسطين، ولو ان الطلب تعترضه ممانعة الولايات المتحدة الامريكية والثقل الدبلوماسي لاسرائيل، وتشير التقارير ان آمال نيل الموافقة ضئيلة في الوقت الحاضر بالرغم من استحقاق الشعب الفلسطيني لهذا الخيار الذي كان أخر انضمام له هو دولة جنوب السودان، ولكن في كل الأحوال فان الشعب الفلسطيني سيحقق هدفه عاجلا أو آجلا وسينجح في جهوده المتواصلة لاستحصال موافقة الجمعية لدخول دولة فلسطين برقم 194 الى الامم المتحدة.
والحق يقال ان نضال الشعب الفلسيطيني لاقامة دولته المستقلة توازيه تجربة اخرى في المنطقة وهي نضال الشعب الكردستاني لاقامة كيانه المستقل، ولكن الشعبين لم يقدرا لحد الان من اقامة دولة مستقلة لهما بسيادة كاملة، ولكنهما نجحا باقامة كيان سياسي شبه مستقل لهما، ممثلا بالسلطة الفلسطينية وعاصمتها رام الله وفيدرالية اقليم كردستان وعاصمتها اربيل، ولكن لاشك ان التطورات والتغييرات الثورية التي تشهدها الشرق الاوسط الجديد ستساعد حتما في المستقبل القريب على حسم مسألة الاستقلال واعلان الدولة من قبل الشعبين الفلسطيني والكردستاني، وهذا الحسم ان حصل للكرد بالمدى المنظور وان استغرق سنوات سيعمل على دخول الدولة الكردية برقم 195 الى الأمم المتحدة، لأن انضمام دولة فلسطين الى المنظمة الدولية لشعوب الأرض سيفتح الطريق مباشرة للكرد وسيفتح الباب على مصراعيها لدخول دولة جمهورية كردستان العراق الى المجتمع الدولي.
في الختام لابد من التأكيد، ان خيار الدولة الكردية يعود قراره أولا وأخيرا الى شعب كردستان العراق، وهذا الخيار ما زال قيد التصريحات والرؤى والنوايا للقيادة السياسية في الاقليم، والخطوات العملية الجادة لهذا الخيار مازال غائبا على أرض الواقع لان الكرد مازال شريكا ومازال على خياره الفيدرالي للشراكة والتعايش المشترك مع العراقيين لادارة الدولة على أساس الدستور، وهو الرابط الشرعي الوحيد الذي يربط الشعب الكردستاني بالعراق الجديد لضمان حقوقه القومية والوطنية، ولكن بالرغم من استمرار هذه الآصرة الدستورية بين الكرد والعراقيين فان التغييرات الجديدة في المنطقة قد تسبب تحولات جذرية غير متوقعة في المشهد السياسي للشرق الأسط المتغير وهذه التحولات لابد للطرفين العراقي والكردي ان يتهيئا لها لكي تتم استيعابها بايجابية من قبلهما ومن قبل كل شعوب المنطقة من أجل السلام والحرية وكرامة الانسان والعيش المشترك ومن أجل ضمان مستقبل آمن للجميع.
كاتب صحفي ndash; بغداد
[email protected]
التعليقات