أثار مقالي السابق حول استعداد نوري المالكي لنقل خبراته إلى ليبيا لإعادة إعمارها وكتابة الدستور والانتخابات وبناء القوات المسلحة موجة حارة ساخنة من شتائم حبايب السيد رئيس الوزراء، ركز أصحابها على اتهامي بالعداء الطائفي لوطنيته الصافية المبرأة من الطائفية، وبنكراني لديمقراطيته المغسولة بالماء والصابون من التفرد بالقرار، والخالية من الديكتاتورية المقنعة، وبعدم تقديري لنزاهته وعدالته ومساواته بين مواطني الدرجة الأولى من أعضاء حزبه ومستشاريه وأقاربه ومستشاريه وبين غيرهم من أولاد الخايبة مواطني الدرجة الثانية، وبعدم عرفاني بإنجازاته العظيمة المتلاحقة في ضبط الأمن، واجتثاث الفساد من جذوره، وبالأخص فساد بطانته وأعوانه المقربين، وعابوا علي عدم اعترافي بكونه رجل دولة من الطراز الأول لم يشهد العراق أخا له على امتداد تاريخه الطويل. مقدما أقول، أرني من يؤيدك، وبأية لغة يدافع عنك، أقل لك من أنت. في عراقنا الديمقراطي الجديد حين لا يحدث تفجيرٌ أسبوعا واحدا يحمد المواطن ربه على هذه النعمة الغامرة. حتى أصبحت أخبار القتلى والمفقودين والمخطوفين حوادث عادية غير مثيرة تضعها الصحف والتلفزيونات والإذاعات العربية والعالمية في ذيل نشرات أخبارها. لو حدث رُبع هذا في أية دولة أخرى فيها حكومة تحترم نفسها وشعبها لما بقي رئيس في رئاسة، ولا وزير في وزارة، ولا سفير في سفارة، ولا نائب نائم أو جاهل أو منافق أو حرامي في برلمان. شيء آخر. هل تتفضلون علينا بتبيان خبراته ودراساته؟ في أي شيء هو خبير ومتخصص، هل في الإدارة أم السياسة أم القانون أم الزراعة أم الصحة أم الأمن والدفاع؟ ألم ينفق عشر سنوات من عمره الحزبي في قم، دون عمل ودون دراسة، وعشرين عاما أخرى في السيدة زينب لا يقرأ ولا يسمع سوى بيانات حزب الدعوة وكراريس الولي الفقيه؟ نوري المالكي، وفي غفلة، وبكرم المحاصصة وأفضالها قفز من مقعده الخلفي وراء ابراهيم الجعفري ليصبح فجأة ودون مؤهلات صاحب السلطة القوي والوحيد في الوزارة والبرلمان والأمن والجيش والشرطة والمخابرات، والتجارة والصناعة والهندسة والأدب والثقافة والفنون. تماما كما كان الراحل أبو عدي. ورغم كل شيء نقر ونعترف بأنه حاول أن يفي بوعوده للعراقيين، وفشل، دون شك ودون جدال. فهل صارحنا بفشله وتحمل المسؤولية وقرر التنحي؟ أو هل دعا إلى انتخابات مبكرة تاركا للناخبين اختيار قيادة بديلة بوجوه جديدة وتوازنات جديدة غير التي تمخضت عنها الانتخابات الائسة السابقة التي لم تمنح أحدا أغلبية تؤهله للعمل بحرية وصلاحيات كاملة، ودون ترضيات ولا تنازلات ولا مجاملات، وأكثر انعتاقا من مشاكسات الصدريين والعلاويين والنُجيفيين والجعفريين والجلبيين والمطلقيين والهاشميين والأمريكيين والإيرانيين؟ أبدا. بل إنه يوما بعد يوم، يزداد إمساكا بكرسي الرئاسة بيديه ورجليه وأسنانه، ولن ينزل عنه إلا بسلطان. يعني أن السيد نوري المالكي لا يرحم ولا يدع رحمة الله تأتي إلى أهله المساكين. أنظروا جيدا، من هم معاونوه ومستشاروه. هل تجدون عراقيا مسيحيا أو كرديا أو سنيا أو شيعيا شيوعيا أو شيعيا مستقلا وغير إيراني الهوى بينهم؟ أبدا. فالمفضل لديه أولا واحدٌ من حزب الدعوة، فإن لم يجد فمن الائتلاف، فإن لم يجد فمن الأقارب والحبابيب، وهم كثيرون، حتى لو لم يعرف الفرق بين (فخامة) الرئيس و(ضخامة) الرئيس. هذا مع العلم بأن الخبراء العراقيين الفطاحل، في كل أبواب المعرفة والعلوم والمهن، يملأون العراق ودول العالم الأخرى، فهل تذكر أبو إسراء واحدا منهم، وهو الخبير العارف بأسمائهم وخبراتهم وعناوينهم خير المعرفة؟. لا نبريء أحدا من أحزاب المحاصصة. كلهم شركاء في الفشل والخلل والزلل. ولكلٍ منهم نصيبٌ من أسباب هذه الفوضى وهذه المعاكسات والمشاكسات والمناورات والانحرفات، ولكن لأنه القائد التنفيذي الوحيد الممسك بكل شرايين الحكومة وأوردتها وأجهزتها الفاعلة فنحن نلقي على كاهله بكامل المسؤولية دون شريك. قرأنا كثيرا عن رجال دولة كبار عراقيين وعرب وأجانب حفظ التاريخ لهم مواقف رجولة حقيقية خالدة قالوا فيها كلمة الحق ولم يخشوا لومة لائم، وخسروا فيها كراسي الرئاسة دون أسف عليها. وأخيرا يا حبايب السيد المالكي، إزاء كل هذا الفساد، والخوف، وعدم الأمان، هل تريدون لنا أن نسكت؟ هل تريدون أن نقلب الأسود أبيض؟ هل تريدون أن نخون الأمانة، فنصفق للقاتل، ونغني للحرامي، ونهتف زورا وبهتانا لمن ملأ الأرض ظلما وطائفية وفسادا وخوفا ورعبا وجوعا وبطالة، بدل أن يملأها عدلا وأمنا وطعاما ودواء وماء وهواء وكهرباء وكرامة؟ ألا يخاف هذا المالكي من الغد؟ ألا يخشى من دعاء المظلومين والمحرومين والمهانين والمستعبدين؟ ألا يتوقع أن يكمل الربيع العربي مهماته في ليبيا واليمن وسوريا للينتقل إلى حلفائه في طهران، أو لتنفجر براكينه في المنطقة الخضراء ذاتها، فيهب العراقيون، كما هبوا من قبل، عند سقوط كل عهد بائد من العهود السابقة، فيحرقون القصور، ويفضحون المستور، ويطاردون الرؤساء والوزراء والوكلاء والشركاء، شارعا شارعا، وحارة حارة، وزنقة زنقة، مثلما حدث في 1958، و1963، و1968، و2003 ثم تباع أقراص حفلاتهم وسهراتهم وأعراسهم على أرصفة ساحة التحرير والمتنبي وشارع الرشيد كما بيعت صور عدي وقصي وطه الجزراوي وعلي كيمياوي من قبل، وكما تباع اليوم فضائح القذافي وأولاده، وبن علي وزوجته، وحسني مبارك وولديه؟ ألا يتقي الله ويخاف من يوم لا ينفع فيه وزير ولا مستشار ولا حرس ولا حماية ولا مخابرات، ولا يحزنون.
وللرد على كل تلك الاتهامات والشتائم المعيبة أعجل بطرح مجموعة من الأسئلة التي أرجو أن يردوا عليها بموضوعية وهدوء وأمانة، وبعيدا عن التعصب الطائفي أو المناطقي أو المصالحي.
أولا، يبرر حبايب المالكي حمام الدم المستمر في العراق دون توقف، بالمفخخات والمليشيات والكواتم، بأن الأمن، حتى في أرقى الدول وأكثرها استقرارا، يمكن اختراقه، رغم كل الاحتياطات الأمنية البالغة. صحيح. ولكن كم مرة يحدث فيها هذا الاختراق؟ مرة في كل عشرين سنة؟، أو في كل عشر سنوات؟، أو حتى في السنة الواحدة؟
السيد المالكي، وقبل أن يتمكن من إجبار جميع شركائه في المحاصصة على التنازل له عن القيادة، في أعقاب الانتخابات السابقة ونتائجها المحزنة مقابل حصص وترضيات وإكراميات، وبفعل العصا الأمريكية والإيرانية المزدوجة، قلنا له بصراحة وفي أكثر من مقال إن أية حكومة سوف يشكلها بأسلوب القبلات المغشوشة لن تستطيع أن تفعل شيئا للعراقيين، وستكون يده مشلولة أو مشدودة إلى عنقه. فهل حدث غيرُ هذا، من أول يوم حكومة وإلى الآن؟ ألم يعلن هو نفسُه، مرارا، أن لديه وزاراء عجزة أو مشاكسين أو فاسدين يمنعونه من العمل الصحيح؟ ألم يتعهد لنا بترشيق وزارته؟ ألم يعدنا بتقليم أظافر الوزراء الذين يتثبت عجزهم أو فشلهم أو فسادهم في تسعين يوما، ثم في تسعين أخرى؟ ثم أخرى، ثم إلى ما لا نهاية؟
هل حاسب وزيرا سرق؟ وهل طرد سفيرا فسق؟ وهل أعاد مختلسا واحدا هرب إلى خارج الوطن أو استعاد بعض ما سرقه من ملايين؟ وهل أحال إلى القضاء مزور شهادة؟ وهل منع رفاقه في الحزب ومستشاريه وأولاده وأقاربه من استغلال النفوذ؟ وهل نشر نتائج لجنة من لجان التحقيق التي اعتاد على تشكيلها بعد كل فضيحة، أم نام على ملفاتها الغبار؟ وهل فضل واحدا من العراقيين على واحد من حزب الدعوة في وظيفة أو مركز أو صفقة أو مقاولة، حتى لوكان صاحبُه هذا أميا فاسدا بلا خبرة ولا كفاءة ولا نزاهة ولا حُسن ِ سيرة ولا سلوك؟
فهل فعل المالكي ربع ما فعلوه، فصارح شعبه بالحقيقة الغائبة واعترف بعجزه عن حفظ الأمن ووقف الفساد وتوفير الخدمات وتأمين حياة تليق بالبشر لناخبيه كاشفا لشعبه كل أسرار هذه المجزرة، ورفض الاستمرار في حكومة لا تجيد سوى خداع المواطنين بوعودٍ ومزاعم لا أساس لها ولا وجود؟.
- آخر تحديث :
التعليقات