من حق أي سياسي ان يتطلع الى أعلى ويطمح في الارتقاء بمكانته ومنزلته ومن حقه ايضا ان يسعى الى زيادة نفوذه وتوسيع دائرة علاقاته بما يخدم اجندته السياسية اذا كانت الوسائل والادوات التي يتبعها ويسلكها سليمة ومشروعة تعود بالنفع العام وليس الانتفاع الشخصي.
وصحيح ان العملية السياسية في العراق ومنذ نيسان 2003، أفرزت وجوها سياسية جديدة وجددت وجوها اخرى وانتجت لاعبين تباينوا في ولاءاتهم واهتماماتهم السياسية، ولكن الصحيح ايضا ان بعضهم توارى واختفى عن مسرح الاحداث والاسماء بهذا الصدد كثيرة لا يعنينا شأنها وبعضهم ما زال متشبثا بموقعه الذي حصل عليه بمساعدة ظروف محلية واطراف خارجية ويتمسك بما حصل عليه من تسهيلات وامتيازات يعمل على توظيفها بما يخدم أغراضه الشخصية والعائلية والحزبية والسياسية، وابرز نماذج الفئة الثانية (الرؤساء) الثلاثة، رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني الذي برز زعيما سياسيا للاكراد بدون منافس بعد ان نجح في دحرجة جلال طالباني وانهاه كرديا بالضربة القاضية، ونوري المالكي الشيعي الذي تفوق على نظرائه من اقطاب الحركة الشيعية ابتداء من عمار الحكيم واعضاء مجلسه ومرورا بابراهيم الجعفري واحمد الجلبي وانتهاء بمقتدى الصدر ومحمد اليعقوبي اللذين يسعيان اللحاق بعربته الدعوية بلا جدوى، وثالثهما اسامة النجيفي السني العربي الذي في نفسه رغبة في ان يكون زعيما سياسيا للسنة العرب ينافس نظيريه الكردي مسعود والشيعي نوري ولكنه لا يمتلك مواصفات الزعامة ولا يحوزعلى شروطها وضوابطها ومقوماتها.
واذا كانت اسهم بارزاني الكردية قد ارتفعت في العامين الماضيين بسبب تشظي حليفه (اللدود) الاتحاد الوطني وانشقاق حركة التغييرمنه وترهل طالباني وانشغاله بصغائر الامور، فان المالكي مثله تماما بات الزعيم الشيعي الاكثر نفوذا والاكبر قاعدة بما يملك من سلطة ومال ونجح في ازاحة كثيرين كانوا يقفون في طريقه الشيعي واولهم مقتدى الصدر الذي اختل توازنه السياسي وصار يتخبط في مواقفه بين معارضته تارة وتأييده وتقديم الشكر له تارة اخرى، بينما بقى النجيفي حائرا بين رؤيته المضطربة واطماعه المتزايدة وبين ان يكون واحدا من (الكبار) الثلاثة يقف الى جوار مسعود الكردي ونوري الشيعي.
ولعل ابرز المشكلات التي أوقع النجيفي نفسه فيها وعوقت تطلعاته في زعامة السنة العرب في العراق، انه سياسي محدود الافق لا ينظر الا لمصالحه الشخصية والعائلية ولا يكثرث بما تعانيه بيئته السنية من اضطهاد وتهميش واقصاء وهي التي جاءت به ودفعته الى مقدمة الصفوف ظنا منها انه ربما يخفف بعض الاذى عنها ويرفع الاضرار التي لحقت بها طيلة سنوات الاحتلال، وكانت النتيجة انها اصيبت بخيبة أمل مريرة من أدائه السياسي وهو على رأس السلطة التشريعية التي لو وظف سلطاتها وصلاحياتها الواسعة وفق سياقات وطنية لتفوق على نظيريه بارزاني الكردي والمالكي الشيعي، ومما عزز اخفاقاته على الصعيد السياسي انه متذبذب في مواقفه ويسعى الى التقرب من المالكي وبارزاني والمبالغة في مجاملتها والخوف منهما، متوهما ان الاثنين سيرضيان عنه دون ان يدرك ان بارزاني لن يغفر له مواقفه السابقة الداعية الى تحجيم النفوذ الكردي في الموصل وان المالكي لن ينسى له تصريحاته السابقة قبل تشكيل الحكومة الحالية وابرزها ذلك التصريح (العنتري) الذي قال فيه (على جثتي.. لن يأتي المالكي رئيسا للحكومة) ودارت الايام فاذا به لم يلحس تصريحه المدوي فحسب بل انه ساهم شخصيا في تكليف المالكي برئاسة الحكومة بعد ان اكتشف الاخير نقاط الضعف في شخصيته واوفد اليه حسين شهرستاني وخالد العطية اللذين همسا في إذنه ان دولة (ابو اسراء) يصر ان تكون انت لا (غيرك) رئيسا لمجلس النواب وبلع صاحبنا (الطعم) وهو مستلق على ظهره يشم نسيم اشجار شارع الزيتون المجاور لمتنزه الزوراء.
ولم يكتف المالكي في الانتقام من النجيفي وهز صورته والتلاعب به، بل تمكن من تحويله الى أشبه بموظف في ديوان مجلس الوزراء ينفذ تعليمات وتوجيهات تصدر من مكتبه، وبات لا يبت في أمر مهما صغر او كبر الا بعد ان يعرف مسبقا رأي رئيس الحكومة به، ونقلا عن مسؤول في احدى الهيئات المستقلة ذهب اليه واشتكى من تسلط المالكي وحاشيته على الهيئة التي يعمل فيها فكان رده له: حسن علاقاتك مع جماعة المالكي !.
ورغم ان المالكي قد استضعف النجيفي كثيرا وراح يمارس الابتزاز ضده وحرض النائبة حنان الفتلاوي وهي قيادية في ائتلاف دولة القانون للنيل منه صدقا أم إدعاء والتشهير به بمناسبة وغير مناسبة، الا ان النجيفي وبعد ان فقد زمام المبادرة لم يعد قادرا على الرد ومواجهة المالكي وتبديد مناكفاته ومشاكسات جماعته، وبات لا يقوى على معاقبة ضابط برتبة رائد أذاق الموصليين مر العذاب وقتل شابا بعد اعتقاله بتهمة كيدية باعتراف النجيفي شخصيا أمام اكثر من ثلاثين مدعوا الى أمسية رمضانية في العاصمة الاردنية قبل توجهه الى أداء العمرة في نهاية آب (اغسطس) الماضي، لان الضابط الجاني يرتبط مباشرة بالمالكي ويتلقى الاوامر منه.
ومما فاقم من نزوع النجيفي الى زعامة السنة العرب وهو الذي آذاهم وبدد آمالهم بعد ان ضللهم وخدعهم لينتخبوه بأعلى الاصوات، تراجع أداء زميليه السنيين صالح المطلك وطارق الهاشمي وانحسار دورهما السياسي بعد ان قبل الاول منصب نائب رئيس الوزراء للخدمات بلا سلطات ولا صلاحيات باستثناء تفتيش حرسه الشخصي صباح كل يوم في مقره الفخم على شاطيء دجلة وكان ناديا ترفيهيا لمنتسبي الامن الخاص في السابق وافتتاح مشروع (دولاب الهوا) مرافقا لامين العاصمة صابر العيساوي، بينما إنكفأ الهاشمي (لا يهش ولا يبش) رغم انه كان (مشروع زعيم) خلال الانتخابات الاخيرة ولكنه إرتضى لنفسه ان يستمتع بنكات رئيسه طالباني وبعضها يخدش الحياء وخزعبلات زميله خضير الخزاعي المكرسة للدعاية لايران.
ان الصعود الى مستوى بارزاني الكردي والمالكي الشيعي يستلزم شخصية سنية عربية رصينة قادرة على مواجهة الاثنين والتصدي لهما بحزم بلا تردد او خوف بعد ان تجاوزا حدودهما في تخريب العراق وتدمير حاضره ومستقبله، والنجيفي بطبيعته القلقة أصلا وعشقه للوجاهة الفارغة دائما، ومسكنته التي تدعو الى الخجل وبخله الذي يضرب به المثل، ليس هذه الشخصية بالتأكيد وليست لديه امكانية تقمصها حتى، وبالتالي فان عليه ان يسكت وينزوي، يعدد اياما ويقبض مخصصات ومكافآت وراتبا، وعليه ان يعرف ان السنة العرب لن يلدغوا من افعى سامة مرة اخرى، والانتخابات القادمة موعدها أقل من عامين، فكما أسقطوا نواب (التوافق) والحزب الاسلامي في انتخابات آذار 2010 فانهم سيسقطون النجيفي ومن يتعاون معه الان وغدا، والايام بيننا.
- آخر تحديث :
التعليقات