لن أغالي أن أكدت، إن أغتيال المناضل مشعل التمو حدث تاريخي يؤرخ لمرحلتين، ما قبل وما بعد، من عمر الثورة السورية، فهو لايحتسب فقط من أقوى وأنشط المعارضين على الأطلاق، إنما هو يجسد مشروعأ متكاملاُ لثلاثة قضايا في غاية الأهمية التاريخية.

القضية الآولى: تشكل النواة الحقيقية والفاعلة لأهم مفاصل في تاريخانية العلاقة المتمايزة والمنفصلة ما بين العمل الثوري، أي الإطاحة ببشار، والعمل اللاثوري،أي بقاء ndash; بشار ndash; والسلطة والنظام المكملتين له ضمن صيغ وهمية لأصلاحات مفقودة ولخطاب منبوذ مقيت بغيض للحقيقة والواقع. إن جوهر هذه القضية بالنسبة لمشعل التمو، وبالنسبة لبشار هو على طرفي نقيضين لكلاهما، لأن العمل الثوري هو كينونة بقاء مشعل التمو مناضلاُ صلباُ حقيقياُ عنيدأ، محباُ للحياة وللحرية والديمقراطية، والعمل اللاثوري هو فحوى بقاء بشار ظالماُ متجبرا مستبداُ، محباُ للقتل والتنكيل والتعذيب. فالأول يستمد عنفوانه من القوة المعنوية الأجتماعية في صيغة قريبة من علاقة غاندي بالمجتمع الهندي، ومن علاقة زرادشت بالطبيعة. أما الثاني فهو يستمد بطشه من القمع المطلق والعنف المرعب والأستبداد اللامنتهي، ويمثل قوة التدمير والهدم. في حين إن الأول يجسد قوة البناء، ومتانة النفس..

القضية الثانية: تشكل المصدر الفعلي في علاقة الأنسان بالأرومة والأثنية التي منها أنبثق، وهي هنا القضية الكردية بكل أبعادها وصيغها الأصلية ومسوغاتها الفاعلة. وفي هذه العلاقة أيضا يقف مشعل التمو وبشار على حافتي نقيضين متنافرين.

النقيض الأول: إن مشعل التمو لايرى نفسه إلا عضواُ في هذه القضية، ودوداُ لها منافحاُ عنها يذود ويذب عنها بكل ما أوتي من قوة وصلابة، ولا يرى الخاص إلا من متحولات ومتغيرات الموضوع، فشرط بقاء ndash; خاصه ndash; مرهون بركن تطور ndash; موضوع ndash; القضية.

النقيض الثاني: إن بشار لايرى القضية اصلاُ، وإن شاهدها فهو يشاهدها من خلاله هو عينه، فالقضية العربية بالنسبة له مرهونة بوجوده، ووجوده مرهون بحمايتة للقوى المعادية اصلاُ ndash; لدمقرطة القضايا العربية - وكذلك لتطور وتقدم الدول العربية. فالموضوع هنا لايخضع فقط للخاص ndash; خاصه هو ndash; إنما يرضخ لعمليات تشويه فعلية على كافة الصعد، المقاومة المزيفة، المقاومة المناصرة لأسرائيل والمعادية للأمة العربية.

القضية الثالثة: تؤلف الفحوى الطبيعي في علاقة الأنسان بمحيطه، ضمن أسس إن الفرد أما أن يكون عنصراُ خاضعأُ للعرف والنظام العام والآداب ومفهوم الديمقرطية وشروط القوانين والدستور، أو أنه يكون عنصراُ يعادي كافة تلك المفاهيم وينتهك حرماتها، أو أنه يمثل حالة خاصة يلغي تلك المقولات أصلاُ ويجتث جميع خصوصياتها، فإذا جسد مشعل التمو الحالة الأولى بأمتياز وناضل للوصول إلى الديمقراطية لكل السوريين، فإن بشار يجسد، أيضاُ بأمتياز، الحالة الثالثة.


إذا كانت الفروقات ما بين المناضل والمستبد على هذه الشاكلة، فيمكن أن نتحقق من أمرين في غاية الأهمية.

الأمر الأول: إن المنطقة الكردية أصبحت منطقة محرمة على المستبد، فقد فتح أبواب الجحيم على نفسه وعلى سلطته ونظامه، لأن المناضل قد روى بدمه أزقة وشوراع المدينة، وهللت له الجماهير بالزفاف السعيد، وحطمت أكبر صنم في مدينة عامودة، ورفعت مكانه علم رمز المقاومة دم الشهيد..

الأمر الثاني: إن المستبد بأغتياله الشهيد عجل في رحليه، وهدم كل ما تبقى من أوهامه، فهاهي سوريا البطلة التي هي، في الأساس، منتفضة أنتفاضة تاريخية، أزدادت وحدة وأتحاداُ وتلاحماُ، وأقبلت على إنهاء حكم المستبد دون هوادة، ودون قيد أو شرط، وسمت التظاهرات بأسم الشهيد ndash; مشعل التمو ndash; ورفعت صوره في كلها تخليداٌ لدمه الطاهر، وتمرداُ على قمع وبطش المستبد، ومزقت صور هذا الأخير وتخلصت منه وإلى الأبد..

نعم هكذا أطاح التمو ببشار، وأزاحه عن السلطة، ليجلس مكانه بأستفتاء شعبي نظيف شفاف، لاغبار عليه ولا لبس ولا ألتباس.

[email protected]