قادة الأكراد القوميون اليوم في هوس وحماس محموم لتحقيق أكبر قدر من المكاسب القومية والحزبية! تمهيداً لإعلان دولتهم في الفرصة المناسبة، ويبدو أنهم صاروا يرونها اليوم سانحة تماماً!

فهم يفرضون على بغداد رئيساً للجمهورية، لا يمتثل في عمله لواجبات وقوانين وظيفته بل لنزعته الحزبية والشخصية، ويفرضون وزراء ونواباً ووكلاء وزارات ورئيسا لأركان الجيش وسفراء، بينما بغداد لا تستطيع أن تعين في أربيل أو السليمانية شرطياً أو معلماً، أو فراشاً في مدرسة!

وتصلهم17% من ميزانية الدولة، وهي فوق استحقاقهم بكثير، ويحجبون موارد الإقليم عن خزينة الدولة، ولا يكفون عن حديث المظالم التي وقعت عليهم وعن ضرورة العدالة والنزاهة!

والأكراد يدخلون بغداد بحرية تامة، يستملكون فيها القصور والشركات، والعراقي لا يستطيع أن يقيم في مدينة كردية إلا بجواز سفر وكفالة من أكراد، بينما يستطيع أن يدخل دولة أجنبية بجواز السفر فقط!

ولدى قادة الأكراد ميليشيات متنوعة سرية وعلنية، وجيش للبيشمركة يكاد في حجمه ومعداته الحديثة يفوق الجيش العراقي الحالي، يأخذ رواتبه ومخصصاته الضخمة من خزينة بغداد، لا يدافع عن حدود العراق مع إيران أو تركيا بل عن حدود كردستان مع العرب والتركمان والإيزيدين والآشوريين والشبك. ودون أي تردد يلوح بعض الكرد به للحرب مع العراق كله!

هل يا ترى إن انعدام الأعمال الإرهابية في كردستان يعود لخبرة أجهزته الأمنية وحنكة رجالها؟ إذا كان ذلك صحيحاً لم لا يزود الحكام الأكراد الأجهزة الأمنية في بغداد وغيرها من المحافظات بشيء منها، ليوقفوا الإرهاب الذي يحصد أرواح العراقيين وممتلكاتهم كل يوم؟

لقد صارت ذلك وتتحدث به رغم تواطؤ حكام بغداد مع حلفائهم في كردستان في دفن الأوراق التحقيقية، لكن تحالفات قادة القوائم الانتخابية للتمسك بالسلطة تعدت كل حدود، بينما الصخب الإعلامي يتحدث عن المنافسة الديمقراطية!

حكامها كردستانيتدخلون في الثقافة العراقية في محاولة للسيطرة على رموزها وتوجهاتها ومؤسساتها لمصادرتها وتسخيرها في مشاريعهم القومية الضيقة عبر مهرجانات وفعاليات يصرف عليها من المال العراقي، يتعهدها ويديرها أشخاص،عرفوا بضحالتهم وسمعتهم السيئة، وتحللهم الخلقي، واستعمالهم الثقافة تجارة والإثراء الفاحش! وبينما لا يستطيع رئيس الوزراء نفسه في بغداد معرفة ماذا يدور في وزارة الثقافة في كردستان، هناك وكيل وزارة كردي يصول ويجول في وزارة الثقافة العراقية في بغداد!

فجأة وعلى أصوات القصف الإيراني صحا البرزاني والطالباني وأقرا أن حدود العراق تمتد شمالاً وشرقاً مع إيران!

قبل هذا كان كل حديثهما وصراعهما مع العرب والتركمان والآشوريين والأيزيدين، على أن حدود العراق تنتهي عند حدودهما في ما يسمى بكردستان. وصار كل الذين في حدودهما أو خارجها خاصة من الآشوريين والإيزيدين أقناناً و أتباعاً تحت سطلتهما العشائرية المطلقة!

ليس هذا فقط بل إن بعض قادة الأحزاب الكردية يدعون أن لهم حدوداً أخرى تمتد داخل أحشاء العراق امتداد الخلايا السرطانية في توزعها وتوسعها السريع، فهي لا تحصى ولا تعد، تخترق الموصل وديالى وصلاح الدين والكوت ومشارف بغداد، وحتى الفاو، وهذه كلها مع كركوك، متنازع عليها مع العراقيين الذين عليهم أن يقضوا أعمارهم لا يستقرون ولا يبنون ويتقدمون،ولا يذوقون طعم الحياة، وينشغلون فقط في فك هذا التشابك المأساوي الذي لا مثيل له في أي بلد من بلدان العالم!

لكن القادة المتسلطين على الأكراد وقد أيقظتهم المدافع الإيرانية من نومة الضحى، وأحلامها الثقيلة، هبوا مذعورين مستنجدين بالحكومة المركزية! ماذا تستطيع أن تفعل لهم وهم لا يسمحون ولا حتى لجندي واحد من الجيش العراقي أن يدخل المناطق التي يحكمونها؟ خلافاً لكل نظم الفدراليات في العالم! ومع ذلك فإن على هذه الحكومة المركزية الخانعة في بغداد، أن تسكت المدافع الإيرانية بأية طريقة، وتسلمها للأكراد ( فهي كما يقولون أرض أجدادنا، وحدودنا نحن الأكراد، ولا شريك لنا بها!) أي منطق هذا؟ ماذا يتصورن عقول الناس؟ ماذا يتصورون كرامة الناس، وحقوقهم الإنسانية؟

لا توجد علاقات بين شعوب متعايشة في وطن واحد، كالعلاقة التي صنعها القادة القوميون المتعصبون الأكراد، وبالذات البرزاني والطالباني بين الأكراد من جهة، والعرب والتركمان والآشوريين والأيزيدين والشبك، من جهة أخرى!

فهي قائمة على معادلة: أن نأخذ ولا نعطي، فالعراق اليوم في اضعف حالاته، ثور جريح هوى على الأرض ويجب تقطيع لحمه وشحمه وعظامه والتهامها بأسرع وقت قبل أن يستفيق وينهض من رماده، كما في كل مرة على مدى التاريخ!

لم يحصل الأكراد على هكذا تعامل قومي في إيران أو تركيا، على العكس ما تزال تقابل المطالب المشروعة للأكراد في هذين البلدين بالقمع وبالعمليات العسكرية المدمرة، ومع ذلك يعامل القادة الأكراد الشعب العراقي بمنتهى الاستخفاف، وبالحقد وبالمزيد من محاولات الاستحواذ والتوسع، متجاهلين أنهم بذلك يقدمون لحكام إيران وتركيا ولشعبيهما أيضاً نموذجاً مخيفاً يجعلهم يحجمون عن تلبية حقوق الشعب الكردي في هذين البلدين.

قبل هذا كانوا لا يسمعون ولا يرون، وإن سمعوا أو رأوا، لا يفقهون، فإيران حتى هذه اللحظة تتجاوز حدود جنوب العراق، وشطه العربي الكبير، وتستولي على آباره النفطية، وتقطع مياه أنهاره وتجفف أهواره، وتلقي بنفاياتها الكيمياوية وسمومها في مياه فقراء وفلاحي الجنوب!

وتحرك كتائب جيش القدس داخل مؤسسات الحكومة، وفي المدن تغتال وتدمر وتذكي نار الإرهاب والفتنة الطائفية،،لكن هذا لا يعني البرزاني والطالباني وأحزابهما شيئاً، بل يدفعهم إلى مزيد من التحالف مع أحزاب إسلامية طائفية مرتبطة بإيران، ليشكلوا معها حكومة رجعية متخلفة تعادي حتى المسرح والسينما والموسيقى، بينما هم يدعون التقدمية! كل ذلك لنزعة ثأرية، ونكاية بالاتجاهات الوطنية الحضارية التي تريد بناء عراق ديمقراطي متعدد القوميات والأديان والطوائف، وهذا لا يروق لهم طبعا، فهم يريدون عراقاً، هزيلاً ممزقاً، متخلفاً يكونون فيه هم المتفوقون، وواجهته الوحيدة للتعامل مع الغرب وأمريكا وإسرائيل!

ولو استنطقت صخورالجبال في كردستانلفاحت بعبير دماء أبناء العمارة والبصرة والناصرية والرمادي والموصل وسامراء ومدينة الثورة وكل مدن العراق ليحافظوا على أرض يتربع عليها اليوم القادة الأكراد.

ومات كثير من الشيوعيين واليساريين والتقدميين والديمقراطيين وهم يقاتلون في جبال الشمال من أجل القضية الكردية، مخدوعين بشعاراتها التي تكشفت عن زيف وغدر، وجاع وتعذب الفلاحون والفقراء الأكراد وهم يقتطعون رغيف الخبز من أفواه أطفالهم ليقدموه للبيشمركة المقاتلة في الجبال، واليوم صار الفلاحون والفقراء أشد فقراً وحرماناً، وانتهى الحلم الاشتراكي والتقدمي والوطني إلى رماد!

لماذا يغضب الطغاة إذا ذكرهم أحد بسوءاتهم؟ لماذا ينفعلون ولا يرعون إذا حذرهم أحد من مصيرهم على أيدي شعوبهم، إذا لم يحسموا هم مصائرهم بأنفسهم برضى وقناعة على طريق العدل والإنصاف؟

لماذا ينكرون أن أرض العراق رويت بدماء أبنائه كلهم، وهي ملكهم جميعاً، ويرغى بعضهم ويزبد ويهدد ويتوعد، حين نقول أن مصير كركوك ينبغي أن يتحدد باستفتاء جميع العراقيين عليها! فهذه المدينة العراقية المتنوعة الأعراق والثقافات تقف خلفها تضحيات وأرواح ملايين العراقيين على مر العصور، ولا يمكن أن توهب هدية مجانية لأمراء الحرب الأكراد، لمجرد أنهم في هذه الحقبة صاروا أصحاب سلطة طافحين بالعنجهية والغرور، ومدعومين بالأمريكان، فالقوة لا تعني الحق مطلقاَ!

قبل أيام وقف أعضاء البرلمان العراقي دقيقة صمت من أجل شهداء الأكراد من البرزانيين، ترى من يقف دقيقة صمت من أجل الشهداء العراقيين كلهم؟ الشهداء الذين قضوا في مهمات مختلفة في كردستان لا حباً بالحكومة أو السلطة أو مشاريعها، وإنما أداء لواجب الخدمة العسكرية، وكانوا جنوداً مأمورين فقتلوا بيد البيشمركة الأكراد الذين هم أيضاً كانوا في مشاريع سياسية قومية أو حزبية، وليست وطنية من أجل العراق كله، كما تثبت الوقائع هذه الأيام! يبدوا أن على الشهداء أيضاً أن ينهضوا من قبورهم ويصطفوا في الدور أمام البرلمان لتلقي نصيبهم من الصلوات وفق قانون المحاصصة الطائفية والقومية! ولا ندري ما جدوى صلوات هؤلاء النواب والنائبات،الأتقياء الورعين جداً!