إلى الطفل الشهيد إبراهيم الشيبان... عندما يصبح الجيش قاتل مأجور للأطفال والمدنيين، كيف يمكن الحديث عن معايير أخرى.
بداية الشعب السوري كله برمته، يعرف أن من ينشق عن الجيش أو يرفض الأوامر العسكرية باطلاق النار على المتظاهرين مصيره الموت، وسواء انشق بسلاح أم بدون سلاح.
الثورة السورية منذ بدايتها، وحتى اللحظة، كانت تصر على اللاعنف واللاطائفية، وهذه ليست منة من أحد، لا من معارضة ولا من مثقفين، ولا خوفا من النظام، بل قناعة عميقة لدى هذا الشعب، حيث كان شعارين لم يتزحزح شعبنا عنهماquot; سلمية سلميةquot; والشعار الثانيquot; الشعب السوري واحدquot;.
النظام السياسي السوري الأسدي، نظام مطيِف ومطيَف، وهذه قضية ايضا لم تعد مثار خلاف، لكن هذا حقل والحقل التمثيلي للنظام هو جملة مصالح تغطي كل اطياف الشعب السوري، لهذا يمكننا القول بشكل مبسط، ان حقل التطييف الذي تعب عليه مؤسس النظام منذ ما قبل عام 1970 تركز بشكل خاص على هيكيلة قوى الجيش والأمن، ولم يكن معنيا كثيرا بتطييف أجهزة الدولة المدنية والحزبية، المسألة في الجيش لم تعد عددية، بل اصبحت التركيبة الفعالة لحركية هذه المؤسسة، هي تركيبة ولائية تعتمد معيارين ولاءيينquot; الأول أمني مخابراتي، والثاني طائفيquot; وثم مع تطور سلوك النظام التطييفي تم دمج المعيارين في معيار واحد، أمني طائفي. فالضابط مهما كانت درجة ولاءه لقائد النظام، فيجب عندما يكون في موقع حساس وآمر، يجب أن يكون منحدرا من أسرة علوية، ويأتي في السياق التقييم الأمني لهذا الضابط، وخاصة في مرحلة السعينيات وحتى منتصف الثمانينيات كان لايزال في الجيش ضباط منحدرين من الطائفة العلوية، يخافهم النظام، أو على الأقل غير موثوق بهم أمنيا، فاصبحت السيطرة داخل هذه المؤسسة، لها مفعول رمزي، بحيث أن أي مواطن سوري، يعرف كمسلمة أن الجيش ذو بنية طائفية، حتى لو كان هنالك بعض الوحدات العسكرية، فعليا لاتعبر عن ذلك، لكن هذه لم تعد تدخل في تقييم المواطن السوري لطائفية الجيش، والطائفية هنا ليس سلوكا يتحدد تبعا للعدد، بل يتحدد تبعا لامتلاك قوة القرار.هرمية بدأ في بناءها منذ عام 1968 بشكل حثيث، على يد وزير الدفاع آنذاك، والذي اطاح بما تبقى من عسكرية مؤسسية غير مطيفة. وهذا الأمر كان مثار خلاف دائم داخل صفوف المعارضة، لأن بعض الأصدقاء عندما تتحدث عن بنية طائفية للجيش، وكأنك بذلك تشتم الطائفة العلوية الكريمة، مما خلق تشويشا مفاهيميا، حيث بقيت هنالك قوى تراهن على انشقاق ما داخل الجيش ذو وزن. وهذا لم يحصل ولن يحصل، وإن حصل فسوف يكون تبعا لميزان قوى مستجد داخليا وخارجيا. وهذا احتماله اضعف من الضعيف.
الجيش كان ملاذا لأبناء الأرياف، نتيجة للفقر ونتيجة لغياب فرص العمل للمتعلمين في الريف السوري، وهذه قضية عامة، بدأ نظام الأسد تضييق فرصها أمام ابناء المكونات الأخرى وخاصة بعد عام 1982 تاريخ نهاية الصراع بين النظام والطليعة المقاتلة وبعث العراق. فاصبحت كليات الضباط تستوعب أكثرية واضحة جدا من أبناء الطائفة العلوية على حساب بقية الطوائف. الآن في سورية في كوكبة القادة العسكريين والأمنيين، كم هم عدد المنتمين لخارج الطائفة العلوية؟ إنهم أقلية وأقلية جدا، حتى أن رئيس الأركان داوود راجحة رغم أن ولاءه للنظام بشكل مطلق، لكنه ابدا ليس صاحب قرار ولأنه مسيحي. تماما كما كان يتم التعامل مع الجنرال الرستناوي المتقاعد مصطفى طلاس والذي كان مثار سخرية أكثرية ضباط الجيش والمخابرات. وهذا يجعلنا نلتفت إلى عامل آخر، أن مؤسسة الجيش لاحقا في العقدين الأخيرين اصبحت أيضا تضم أبناء الضباط،محدثي النعمة، حيث نادرا لايوجد ضابط تصحيحي متقاعد إلا وله ولد ضابط في الجيش. لأنه ليس مصدر رزق وحسب وسلطة وحسب بل مصدر سرقة اموال الناس.
حتى وصلنا إلى نتيجة بسيطة أن أغلب من كانوا يحكمون مع الأب من ضباط الآن، يحكم أبناءهم مع الورثة. وكي نختصر الجيش الآن هو جيش آل الأسد، تماما كما يقال في شعارهم الأساسquot; سورية الأسدquot; بعد الثورة اتضحت أكثر معالم هذه الصورة واصبحت حقيقة ملموسة وقاتلة لأبناء شعبنا، لهذا رغم مرور سبعة أشهر على القتل، لم نشهد حتى اللحظة انشقاق وحدة عسكرية واحدة ولو مجرد فصيلة أو سرية!! بل الانشقاقات كلها فردية. والسبب ليس عداء للنظام في بعض الاحيان بل رفضا لاطلاق النار على الناس العزل. وفي كلا الحالتين من ينشق مصيره الاعدام. ويكون مصيره أكثر من الاعدام فيما لو كان ينحدر من الطائفة العلوية.
عندما يصوب قناص منظاره إلى وجه طفل ويطلق النار، او إلى صدر شاب عار الصدر لايحمل معه سوى أنه حر، يجب البحث جديا عن التحول العميق الذي طرأ على ثقافة هذه المؤسسة العسكرية، وعدم دفن رأسنا بالرمال، المعارضون عموما لهم أسبابهم في الاستمرار بالحديث عن جيش وطني، ومفهومة ومفسرة أيضا، لكن أن يتحدثوا عن جيش وطني، ويرفضون حماية الضباط والعسكر المنشقين، فهذا أمر مستغرب، هنالك قضية أخلاقية يجب التعامل معها بحكمة عالية، ماذا نفعل مع ضابط أو قناص رفض اطلاق النار على المتظاهرين وهرب أو انشق وهو يعرف ما ينتظره من مصير فيما لو وقع بيد هذا الجيش مرة أخرى، هذا من جهة ومن جهة أخرى في رفضنا للعنف والاصرار على سلمية الثورة، وتفوقها الأخلاقي وهذا هو سبب من اسباب كتابتي لهذا المقال، يجب أن يكون هنالك هيكل معارض يستوعب هؤلاء المنشقين، ويؤمن الحماية لهم، ويعفيهم من استخدام السلاح للدفاع عن حياتهم. إذا كنا نريد فعلا الحفاظ على مسار الثورة السلمي. إن التخلي عن هؤلاء أو حتى رفض استخدامهم للسلاح يجب أن يعاد التفكير فيه، عبر تأمين مخرج سلمي لحياة هؤلاء الابطال الذين بانشقاقهم يتحدون الموت. يجب سحبهم نحو آماكن آمنة. في الداخل أو في الخارج. أما الحديث فقط عن رفض العنف، وترك هؤلاء لمصيرهم فهو سيخلق هوة عنفية، لا نستطيع ادانة أي منشق يستخدم سلاحه في الدفاع عن حياته، كما يفعل بعض المعارضين صراحة وكما يفعل آخرين ضمنا.
هنالك قضية أخرى لم يشر لها أحد على حد علمي، وهي أن الخلفية التي تحدث الانشقاقات بناء عليها، هي التمييز الطائفي- الامني الفاقع والمهين داخل بنى هذا الجيش، إن التمييز فاقع إلى حد الاحتقار والاحساس بالمهانة الانسانية والوطنية.
إن اثارة هذه القضية لكي تكون على أجندة عمل المجلس الوطني السوري.
- آخر تحديث :
التعليقات