من المقرر أن تتوجه اليوم الأربعاء اللجنة الوزارية العربية برئاسة قطر إلى دمشق، لدفع عملية الحوار بين النظام والمعارضات السورية، بمختلف أطيافها وتياراتها في الداخل والخارج، تنفيذاً لما جاء في قرار مجلس الجامعة العربية الوزاري، الذي انعقد في 16 أوكتوبر الجاري في القاهرة.
حتى الآن لم تبدِ معارضة الخارج، الممثلة بالمجلس الوطني السوري استعدادها لأيّ حوارٍ مع نظامٍ لا يزال مصرّاً على قتل شعبه، بحسب وصفها. في بيانٍ له نشر اليوم، جدد المجلس عشية زيارة وفد الجامعة العربية لدمشق، إصراره على quot;اللاحوار مع النظامquot;، مطالباً السوريين في كلّ المحافظات، إلى quot;إضراب عام يوم الأربعاء وذلك مقدمةً لإضرابات أشمل وأكبر وصولاً إلى العصيان المدني القادر على إسقاط النظام بالقوى الذاتية للشعب السوري العظيمquot;.
من جهته، لم ولن يعترف النظام، كما يقول لسان حاله، بأية معارضة quot;تطالب بإسقاطهquot; وquot;تدعو إلى تدخل خارجيquot;، كما هو حال quot;معارضة إسطانبولquot;. هذا يعني أن أيّ حوار ممكن قادم، سيُستثنى منه المجلس الوطني السوري، بإعتباره ممثلاً لquot;معارضة سورية عميلةquot; أو quot;ضد وطنيةquot;، بحسب فقه النظام. وهو الأمر الذي يعني بأن الجامعة العربية، لن تلقى من الجانبين(النظام ومعارضة الخارج)، سوى المزيد من الرفض والرفض المضاد، ما يعني تلكؤ quot;الحوار الشاملquot; عملياً قبل أن يبدأ، وسقوطه بالتالي في quot;نصف حوارquot;.
البعض رأى في ترحيب دمشق لإستقبال وفد الجامعة العربية، quot;مؤشراً إيجابياًquot; أو ربما quot;تحوّلاً نوعياًquot; في سياسة النظام، واستراتيجية تعاطيه مع الأزمة الخانقة، التي يمرّ بها منذ الخامس عشر من مارس الماضي، خصوصاً بعد النهاية القاسية التي انتهى إليها القذافي ونجله على أيدي الثوار الليبيين، الذين غسلوا الدّم بالدم، تلك النهاية الموجعة، التي حملت معها أكثر من رسالةٍ، إلى أكثر من ديكتاتور وطاغية شقيق، لا سيما في تلك الجغرافية العربية التي لا تزال تشهد ثورات مشتعلة، مثل سوريا واليمن.
لكن طباع الرئيس السوري بشار الأسد، طيلة أكثر من عقدٍ حافلٍ بالعناد الفاشل، وquot;الإصلاحات المؤجلةquot; إلى أجلٍ غير مسمى، تقول بعكس هذا التفاؤل، أو التنبؤ بأي بصيص أمل، يمكن رؤيته في نهاية نفق الأزمة السورية، التي لا يزال النظام ورأسه، يصرّان على أنها من quot;تصديرquot; الأعداء في الخارج، بمعية عملائهم quot;الإرهابيينquot; في الداخل.
المعروف عن الأسد، هو أنه لا يستمع إلا لنفسه، ولا يستشير إلا بظله. فهو بحسب آخر حوار للquot;سي إن إنquot; مع ملك الأردن عبدالله الثاني، quot;أن الرجل غير مهتمٍ بما لدى الآخرين من تجارب أو نصائحquot;. الأسد يجد نفسه، إذن، فوق تجارب الآخرين ونصائحهم ومشوراتهم. ربما لأنه يجد في حكمه الذي ورثه عن أبيه، quot;تجربةً كبرىquot; أو quot;فريدةquot;، تفوق كلّ ما حولها، وما قبلها، أو ربما ما بعدها أيضاً من تجارب. هكذا يفكّر الأسد على ما يبدو، ويدير شئون البلاد كديكتاتور لا شريك له.
من هنا تجده لم يستمع، منذ أكثر من سبعة أشهر ونصف من اشتعال الثورة السورية، لنصيحةٍ أو مشورةٍ أو وصيّةٍ من أحدٍ، لا من أشقائه العرب، ولا من جيرانه الأتراك، ولا حتى ربما من أصدقائه الروس والصينيين. هو يفكّر إذن لوحده، ويحكم لوحده، ويقيم سوريا ويقعدها لوحده. وربما من هذا الباب تحديداً جاء وصف النائب عبدالحليم خدام، المنشق عن النظام السوري لبشار الأسد بأنه quot;ديكتاتور لا يتعلم من تجارب سابقيه من الرؤساءquot;.
خطبه الطويلة المملة، في المؤتمرات واللقاءات العربية، التي كان يتفلسف فيها على الرؤساء والملوك والأمراء العرب، وكأنه quot;المعلّم الأولquot; الذي يريد تلقين quot;تلاميذهquot;، دروساً في أصول الحكم وما حوله من ممانعات ومقاومات وإيديولوجيات، أكل الدهر عليها وشرب، تلك الخطب الممجوجة تعكس جانباً كبيراً من quot;مركزيتهquot; ونظرته الفوقية إلى الآخر. هذا التعاطي الفوقي مع الآخرين، دفع به يوماً إلى وصف الخارجين على ممانعات نظامه بquot;أنصاف الرجالquot;.
هذه ليست المرّة الأولى بالطبع، التي تحاول فيها الجامعة العربية، إنقاذ سفينة النظام السوري من الغرق. فهي، سبق وأن حاولت quot;إرشادquot; الأسد وquot;نصحهquot; كثيراً، لكن من دون جدوى. الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي، كان قد أعلن بعد زيارتيه إلى سوريا، في سبتمبر الماضي، أكثر من مرّة بأنه اتفق مع الجانب السوري على ما سماها بquot;خطوات للإصلاح في سورياquot;. لكن ما حصل في الحقيقة من quot;إصلاحquot;، هو ارتكاب النظام السوري وأجهزته الأمنية المزيد من القتل والتنكيل والتشنيع والتعذيب والتشريد بحق المتظاهرين السوريين العزّل.
الأرجح أنّ الجامعة العربية ممثلةً باللجنة الوزارية العربية، ستفشل هذه المرّة أيضاً، في إقناع الأسد ونظامه بالجلوس مع كلّ أطياف المعارضة، والدخول معها في quot;حوار شاملquot;، من شأنه أن يخرج سوريا من أزمتها، وما ينتظرها من أكثر من مجهول.
الجامعة ستفشل في فرض شروطها على الأسد، لأن هذا الأخير لن يقبل في الأساس أية شروطٍ من أحدٍ، طالما أنها ستؤدي بسوريا تحكمها عائلته منذ أكثر من أربعة عقودٍ، إلى سوريا يحكمها الشعب بنفسه ولنفسه.
هي، ستفشل في إقناعه بالجلوس مع كلّ المعارضات السورية، على طاولةٍ واحدة، لأن جلوسه مع كلها، يعني اعترافه بها، ومحوه بالتالي لكلّ نظامه أو إلغائه لنفسه، من الخارطة السياسية في كلّ سوريا.
هي، ستفشل دون حصادها لأية نتيجة، ومهلة الإسبوعين تكاد تشرف على نهايتها، ليس لأنها لا تريد لمبادرتها أن يُكتب لها النجاح، وإنما لأن أهل الجامعة الأدرى بشعاب دمشق(هم)، يعلمون علم اليقين وعينه أيضاً، بأنّ النظام السوري سيحكم عليها بالفشل الأكيد، لأنه الأعلم، بأن نار المعارضة إن جلس إليها، بعد كلّ هذا القتل والدم السوري الكبير، لن يكون عليه برداً وسلاماً.
الأرجح، أنّ النظام السوري لن يجري وراء الجامعة العربية، وفقاً لشروطها المعلنة، وهذه الأخيرة لن تركض إليه، دمشق إثر أخرى، إلى ما لا نهاية.
سحب أميركا لسفيرها من دمشق، قبل وصول اللجنة الوزارية العربية إلى دمشق، بأيام، له أكثر من دلالة، وأكثر من ضوء أخضر للجامعة العربية لإتخاذ موقف أكثر حسماً من الأزمة السورية، في قادم قراراتها.
اليوم، سيذهب وفد الجامعة العربية، إلى دمشق للقاء الأسد والدائرة الضيقة من حوله، وأهل الوفد يعلمون سلفاً أن سياستهم الأكثر من صبورة هذه مع النظام السوري، ليست أكثر من مجرد سياسة quot;دق الماءquot; أو quot;دق المي وهي ميquot;، على حد قول المثل.
الجامعة العربية، دقت بصبرٍ غير عادي quot;مياهquot; النظام السوري، كثيراً، طيلة الأشهر السبعة والنصف الطويلة، من عمر الثورة السورية، فهل سيواصل أهلها في قادم خياراتهم، السياسة ذاتها، والدق العربي ذاته، على مياه النظام السوري الآسنة ذاتها؟
هوشنك بروكا
التعليقات