النظام مستمر في القتل، وسيستمر في القتل، ولن يقوم بأي اصلاح سياسي من شأنه فكفكة السلطة العائلية المشخصنة، مهما حاول بعضنا تسويق إمكانية الحوار، أو تسويق مقولة أعطوه فرصة، لو كان يريد فرصة للاصلاح لكان منذ البداية استجاب بطريقة تبعد الحل الأمني والذي هو تعبير عن طبيعة النظام وليس وسيلة برانية ابتدعها لقمع الثورة السورية، الحل الأمني موجود دوما، وهو السيد، ولكن منسوبه يختلف حسب حركة المعارضة والشارع، فهل الاعتقالات التي كانت تتم في صفوف المعارضة السورية لاتندرج ضمن سياق الحل الأمني؟!
الحل الأمني مصطلح ابتدعه المعارضون السوريون، وكأن النظام كان تاريخيا لديه حلول غير أمنية، ربما لديه مناورات غير أمنية، لكنها مستندة على متطلبات الحل الأمني هذا. النظام السوري الحالي منذ لحظة انبثاقه وتأسيسه، الحل الأمني مرتبط برؤية مؤسسه لثلاثة عناصر: رؤيته لنفسه بأنه سيكون سيد سورية بدون منازع، ورؤيته لسورية بما هي دولته مزرعته، والأهم من كل هذا أن إدارة هذه الملكية تتطلب وجود جهاز قوة له الأولوية في استمرار هذه الرؤية. لو عدنا لتاريخ سورية منذ أربعين عاما، لوجدنا أن السجون السورية لم تخلو من المعارضة بكل أطيافها وألوانها، المناورة الوحيدة التي قام بها هي محاولته أخذ الوقت من خلال فتح قنوات مع الاخوان المسلمين في مرحلة من المراحل.
لهذا أي حديث عن أن هذا النظام يمكن أن يتخلى عن الحل الأمني هو محض هراء، لأنه يعرف بأن تخليه عن الحل الأمني وموجباته على كافة الصعد ستعني أنه لم يعد النظام الذي يريده شخوصه. فكفانا حديثا عن إمكانيات الاصلاح والحوار. لهذا سيستمر في القتل، حتى تعود سورية من وجهة نظره لماقبل 15آذار 2011 انطلاق الثورة من درعا. ولايزال رهانه قائما حتى اللحظة، ألم يمت القذافي وهو يراهن أن يستعيد ليبيا مجددا من الحرية؟ واعتقد ان النظام السوري لايختلف مطلقا في هذه القضية وفي رهاناته عن القذافي، الرهان الوحيد هو أن القذافي لم تحميه إسرائيل، بينما النظام السوري تحميه إسرائيل حتى اللحظة من صدور قرار إدانة من مجلس الأمن. فما بالنا بالحديث عن طلب حماية المدنيين!!
إن طلب حماية المدنيين والتدخل العسكري، لاتزال مثار نقاشات وخلافات داخل صفوف المعارضة السورية، وساعتبر أن الشارع السوري المنتفض بكل ما دفعه من دم، لم يطالب بحماية المدنيين.واناقش الموضوع ربما للمرة المئة، دعونا نتحدث عن حالة سورية يمكننا تسميتها توازن الرعب السياسي، لماذا الرعب لأنها تتزود يوميا من دماء الشباب السوري من جهة، وتتحول سورية إلى بلد منهار لايوجد فيه سوى العسكر يتمتعون بحرية القتل والنهب وخلافه. الجميع يعلم أن الجيش لن ينشق بطريقة تحول النظام على غرار ما جرى في ليبيا، أو لن يقوم بتحييد نفسه على غرار ما جرى في مصر وتونس.
ثورة تستمر ثمانية أشهر وبزخم كبير وشهداء في كل لحظة، وامام أعتى آلة قمع في المنطقة، وتحت يافطة متعددة الوجه والأقنعة، أعتقد انها تحقق معجزة بالمعنى التاريخي والأخلاقي والسياسي للكلمة، ومع ذلك العالم يتفرج على دماء شبابنا في شوارع مدننا، ومفهوم أيضا لدى الجميع أن شبابنا يستشهدون من أجل الحرية ودولة جديدة، وجمهورية جديدة، أما العسكر الذي يقتلون فهم يقتلون دفاعا عن مزرعة آل الأسد أولا وأخيرا، وإن مر هذا العنوان تحت عناوين فرعية مصالح شخصانية طائفية وأقلاوية وتجارية وممانعة ومحدثي نعمة الفساد، كلها عناوين فرعية لعنوان أساس وهو استمرار آل الأسد في الحكم. طلب حماية المدنيين يحتاج إلى تمثيل سوري واضح، وطالما ان المجتمع الدولي قد شاهد بأم عينه التظاهرات السلمية تتطالبه بالتدخل لحمايتها من هذا القتل ولم يفعل، فهل المجلس الوطني السوري قادر على أن يحقق مطلب الحماية الدولية وهو ما عجز عنه الشارع المدمى عن تحقيقه؟
لهذا أقول للذين يطالبون المجلس بأن يرفع شعار الحماية الدولية للمدنيين ويجعله مطلبه الأساس هم في غالبيتهم يطرحون هذا الموضوع من أجل غايات أخرى تتعلق بخلافات المعارضة نفسها، وعدم رضاها عن المجلس، لهذا يجب فصل طلب حماية المدنيين عن تهمة تخوين المجلس. لكن بالمقابل على المجلس أن يفعل هذا المطلب دوما، وأن يضعه أمام المجتمع الدولي لأنه يشكل ضغطا مزدوجا على النظام وعلى المجتمع الدولي، ضغطا محميا من الشارع السوري. وطلب حماية المدنيين بشكل رسمي ربما يعجل في صدور قرار إدانة للنظام من مجلس الأمن. وأقول للذين راهنوا على السياسة التركية، أن إسرائيل في المقدمة في الدفاع عن عدم صدور قرار إدانة، وتركيا في المؤخرة بعد روسيا والصين. ولا تنسوا الموقف التركي من ليبيا بدايات الثورة. تركيا حتى اللحظة ضد طلب حماية المدنيين، وتركيا لاتراهن أبدا على أن هذا الشعب قادر على إسقاط النظام في ظل هذه الآلة القمعية. الموضوع في النهاية سياسة وكونه كذلك فلابد أن نبحث بالتاليquot; هل هنالك فائدة سياسية من طرح هذا الموضوع حتى ولو لم يجد استجابة من المجتمع الدولي؟ أعتقد نعم هنالك استفادة، تضيق من هامش المناورة أمام من يقف مع النظام. ولهذا على المجلس أن يعلن عن هذا الأمر بأسرع ما يمكن،،ان يقوم بتوضيح فعال ومسهب لشعبنا، عن الفارق بيت طلب تدخل عسكري وبين طلب حماية المدنيين، وخلالها يقوم المجلس بتوفير الدعم المادي والمعنوي لثورتنا في الداخل..فهل هو قادر على توفير مستلزمات استمرار ثورتنا السورية سؤال برسم الأصدقاء في المجلس الذي يمثلني حتى اللحظة. اللوحة الدولية من الواضح جيدا أنها لاتزال في مصلحة النظام فعليا، بعيدا عن مانشيتات الاعلام. كيف يمكن تغيير هذا الجو الدولي؟ سؤال آخر برسم المجلس الوطني. وسؤالي الآن لمن يرفض مطلب الحماية الدولية للمدنيين، لماذا تصرون على ربطه بالتدخل العسكري؟ ولماذا تعتبرون أنه مبدأ ويشكل خطا أحمر ولا تعتبرون موقفكم ضده هو اجتهاد سياسي في النهاية؟ عندما تتعاملون معه كاجتهاد سياسي أعتقد سترون اللوحة بشكل أكثر وضوحا وسترون قواها الفعلية على الارض، كي لاتندموا لاحقا...أنا احترم الاجتهاد السياسي القائل برفض أي تدخل عسكري أو رفض طلب حماية المدنيين واقدر إخلاص أكثرية من يطرحونه، وخاصة من يطرحونه وهم قد تخلوا عن فكرة الرهان على أن هذا النظام يمكن ان ينتج عنه شيئا لخير سوريا شعبا ودولة، وهؤلاء هم المعنيون أكثر من غيرهم بالاجابة عن سؤال كيفية الخروج من استمرار ميزان الرعب السياسي هذا؟ وكيفية تأمين وسائل استمرار الانتفاضة وتوسيعها لتشمل القطاعات التي لم تشارك بها حتى اللحظة؟ وإلا ليس من حقهم اتهام اتباع الاجتهاد الآخر بأية تهمة من أي نوع كان، وتعميم هذه التهمة على الجميع.
ملحوظة في السياقquot; نشرت جريدة النهار في عددها الأحد 23 تشرين الأول 2011 quot;وثيقة تاريخية عن مشروع quot;الدولة العلويةquot; في سورياquot; سؤالي: لماذا تنشرها النهار في هذا الوقت بالذات؟ ولكن الأهم من كل هذا، أن الفعاليات التي وقعت هذه الوثيقة تطالب فرنسا وبريطانيا، بالتدخل من اجل ضمان قيام هذه الدولة تجنبا لمذابح سيقوم بها المسلمون بحق الأقليات!! سورية لم تحاكم أحد لاحقا من هذه الفعاليات بهذه التهمة!! والشعب السوري لم يقم بعد هذا التاريخ بذبح الأقليات!! لكن ماذا يجري للشعب السوري الآن؟ دعونا في مناقشة طلب حماية المدنيين او ضده، وطلب التدخل الخارجي العسكري أوضده، كاجتهادات سياسية....لأن سلسلة التخوين لا تنتهي، والمجلس عليه أن ينفتح على الجميع من أجل اجتراح الحلول السياسية الأكثر نجاعة لاستمرار الثورة وحماية دماء شعبنا من هذه الآلة ذات الحل الأمني!
غسان المفلح
التعليقات