قبل خمسة أشهر كتبت هنا في إيلاف: مقالة بعنوان: لاتفرحوا: نتائج مؤلمة بإنتظار الثورات العربية، قلت فيها: ان هذه الثورات سوف لن تحقق الحريات المنشودة من قبل الشعوب الثائرة، بل على العكس ستؤدي الى تقليص حجم مساحة الحريات في بعض البلدان، وستقضي على علمانية الدولة في البعض الآخر، وهذه المفارقة الخطيرة هي نتيجة حتمية لتاريخ دول المنطقة وبنية مجتمعاتها وماترزح تحته من تركيبة إجتماعية ونفسية وسياسية وثقافية ليست على وئام مع حلم الحرية وتحويله الى واقع ملموس!


وكلامي هذا لم يكن إكتشافاً جديدا، بل هو توصيف لواقع المجتمعات العربية التي لاتحترم قيمة الحرية كخيار ورهان حياة وهدف للعيش بكرامة، فالحرية بمعناها الشامل.. حرية العقل والتفكير والروح والسلوك ومقاومة الإكراهات والقهر الداخلي والخارجي... وإحترام حرية الآخرين وحقهم في الإختلاف وتحقيق فرديتهم.. هذه المفردات مازالت بعيدة عن وعي وتداول الأغلبية من أفراد المجتمعات العربية حتى لو كانت تتردد على ألسنتهم كألفاظ مجردة من الإيمان بها.


هل الثورات العربية من أجل الحرية؟


ماتشهده المنطقة من ثورات.. لم تحصل بدافع الحاجة للحرية، وانما كانت دوافعها بعيدة عن قضية الحرية والديمقراطية وسأثبت بالدليل صحة هذا التحليل فتعالوا معي لنرى:


مصر:

ثورة الشعب المصري كانت بسبب الفقر والفساد، ولم تكن من أولوياتها الحرية، وسرعان ماتدهورت الأمور وصعد التيار الديني بزخم أقوى من قبل بحجم لم يسبق له مثيل بحيث أصبح يهدد ما تحقق من علمانية الدولة التي تحققت في ظل النظام الملكي وحكم ضباط الجيش، والخطير ان التيار الإسلامي يكتسب شرعيته من أكثرية مؤيدة له، والمفارقة هي ان صناديق التصويت الديمقراطي ستكون السكين التي تذبح الحرية والديمقراطية في مصر وبقية البلدان!


تونس:


قامت الثورة ضد فساد أسرة الرئيس وحاشيته بشكل مفاجيء عفوي وليس من اجل الحرية، يعني لو لم يحرق البائع المتجول نفسه، لم تكن تحدث الثورة ويسقط النظام، والآن مع صعود الإسلاميين.. هل يمكن تسميتها ثورة حقيقية..أم نكسة وتراجع للمكتسبات العلمانية التي كانت تونس متقدمة بها على شعوب المنطقة؟!


ليبيا:


حصلت الثورة بفعل العدوى ضد الفساد وسرقة ثروات الشعب والفقر... ولم تكن الحرية هي المحرك لها، ومع بروز الإسلاميين والقبائل ستعم الفوضى وتتمزق البلاد، وستتراجع علمانية الدولة وتتقلص مساحة الحرية أكثر.


اليمن:


الثورة كانت صراع على السلطة والمال بين القبائل والأحزاب، وهي بعيدة عن قضية غياب الحرية، ونتائج هذه الثورة معروفة.. ستكون المزيد من الصراعات على السلطة والمغانم، وستؤدي الى تقسيم البلد.


سوريا:


الثورة إنطلقت إحتجاجا من الأكثرية السنية ضد حكم الأقلية العلوية، والأصوات المطالبة بالحرية كانت نخبوية قليلة جدا، والنتائج المتوقعة ستؤدي الى إبتلاع الإسلاميين للسلطة والبرلمان والسيطرة على الشارع.


الخلاصة: ان الشعوب العربية تتحرك بدوافع غريزية بدائية كالجوع والفقر... وليست من أولوياتها الدفاع عن القيم العليا كالحرية والديمقراطية والعدالة، ولنا في تجربة لبنان أسوة سيئة كيف ان المجتمع تخلى عن حريته وإنحدر الى درك الطائفية، أما في العراق فالمصيبة أكبر وهي تشبه شخص مريض أراد معالجة أصبعه فأقدم على بتر ساقه بأكمله، فالشعب العراقي تحرر من نظام القمع وفتح المجال لأمراض الطائفية والقومية والفساد تقتحم حياته وتدمرها.


[email protected]