من المفارقات الغريبة في سياسة الرئيس مسعود البرزاني وحكومة اقليم كردستان غموض الوضع المتعلق بكركوك وضبابية الموقف تجاه هذه المسألة الحيوية للكرد وللعراقيين بالرغم من الهالة الاعلامية للسلطة في الاقليم حول هذه القضية والمحسوبة انها قضية مصيرية، وفي حين يعلن البرزاني وبرهم صالح رئيس الحكومة الحالية وباستمرار كردستانية كركوك وبلسان جهور وفي مناسات عديدة، نجد ان الوفد الكردي برئاسة صالح الذي أجرى مباحثات مع رئيس الحكومة الاتحادية ورئيس مجلس النواب وبعض القادة السياسيين في بغداد قبل ايام قد خلا من لجنة خاصة للتفاوض والتباحث حول كركوك والمادة (140) من الدستور الدائم والمتعلقة بالمناطق المتنازع عليها مع اقليم كردستان، والوزير الكردي المسؤول عن هذا الملف تهرب من الانضمام للوفد.

وكما أشارت المعلومات من مصدر موثوق من داخل الوفد الكردي للتفاوض مع بغداد، فان الوفد ضم لجنة للتباحث حول النفط والغاز ولجنة للتفاوض حول البيشمركة والقضايا المالية المرتبطة بها، ولكن الوفد لم يضم اي لجنة للتباحث حول كركوك والمناطق المتنازع عليها، وهنا نجد انفسنا امام واقع محير وتساؤول كبير لابد ان نطرحه امام البرزاني وصالح، والسؤال هو لماذ ابدى الوفد الكردي في بغداد جدية في البحث حول مسائل النفط والمالية مع الحكومة الاتحادية ولم يبدي جدية معها في البحث عن المسائل المعلقة بخصوص كركوك والمناطق المتنازع عليها ؟

هذا الموقف يأتي في ظل فترة ركود سياسي مرت بها كركوك سنوات طوال دون ايجاد مخرج لحل قضيتها المستعصية، ولكن هذا الركود قد كسر بزيارة مفاجئة للبرزاني الى المدينة للاجتماع بالطرفين الكردي والتركماني على حدة ومقاطعة العرب للاجتماع برئيس الاقليم، وبالرغم ان الوضع مازال على حاله دون ظهور اية بادرة للخروج بحل يرضي جميع الاطراف في هذه المحافظة المنهوكة، ولكن مع هذا فان المراقب السياسي يلاحظ تقاربا جديا بين الكرد والتركمان يمكن ان يثمر عن اتفاق ستراتيجي بين المكونين يساعد على حلحلة الوضع في كركوك، وتوازيا مع هذا التقارب يلاحظ ايضا تحرك لممثل الامم المتحدة للمساهمة في ايجاد حل يساهم فيه جميع المكونات في المدينة.

وقبل هذا الحراك السياسي حصل تغيير قبل فترة قاده الرئيس جلال الطالباني ونائبه في الحزب كوسرت رسول في تركيبة الحكومة المحلية لكركوك بالمشاورة مع المالكي والبرزاني، فقد حصل تقدم ايجابي من خلال اختيار ممثل عن الجبهة التركمانية رئيسا لمجلس المحافظة وتغيير المحافظ واختيار القيادي نجم الدين كريم من الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يمتلك رصيدا من العلاقات الجيدة مع القادة العراقيين ومع الامريكيين المعنيين بالوضع العراقي.

ولكن بالرغم من هذه التطورات الايجابية مازال المسرح السياسي بحاجة الى مشهد جديد ثابت يرسي آمال الثقة والاستقرار والسلام الدائم على بر الأمان لسكان كركوك المكون من الكرد والعرب والتركمان والمسيحيين، ومن باب التفاؤل من المتوقع ان تشهد قضية كركوك تطورات ايجابية كبيرة باتجاه الحل في مستقبل قريب.

ومن خلال قراءة الواقع والمشهد المنظور برؤية واضحة نجد ان المؤشرات الجديدة التي تقف وراء توقع حصول انفراج كبير في قضية كركوك وحلها لصالح كل مكوناتها القومية في مستقبل ليس ببعيد، تكمن في ما يلي:
bull;وضوح الرؤية المطروحة من قبل القيادة الكردستانية تجاه كركوك كما أعلنها البرزاني من خلال منح حرية الخيار بتقرير مصير المحافظة لمواطنيها من خلال الاستفتاء وحرية الاختيار بين اقرارها كاقليم او انضمامها الى كردستان او الحاقها بالحكومة الاتحادية.
bull;الاهمال المتقصد من قبل نوري المالكي والحكومة الاتحادية لكركوك ومرور ست سنوات من فترة ولايته لرئاسة الوزراء دون تقديم اي حل للقضية، ودون تقديم اي دعم مالي لتحسين الخدمات وتأمين الحاجات الحياتية الأساسية لسكان المدينة، وبقاء حال المحافظة على واقعها المعيشي المتدهور.
bull;التخلص من التمسك بسياسة الانفراد في الرؤية السياسية للاطراف التركمانية وتحويرها وتعديلها لمراعاة الرؤى المقابلة للمكونات الرئيسية في المحافظة وخاصة المكون الكردي.

bull;تقديم نموذج سياسي للانفتاح من قبل الطرف الكردي لبقية المكونات في كركوك للاستدلال به عن طريق رسم النهج العام لكل مكون، ونبذ حالة الانكار للاخر وانكار الحقوق، وتلبية الاستحقاقات الوطنية لصالح جميع المكونات، واتخاذ العقلانية في السير باتجاه يخدم جميع الاطراف السياسية.
bull;التأكيد على التعامل مع القضايا المهمة بسند دستوري والاعتماد عليه كوثيقة أساسية، لانه الضامن الحقيقي لضمان الحقوق الفردية والجماعية والقومية والدينية، والمفصل لتنظيم ارادة الجميع بعربه وكرده وتركمانه ومسيحييه، والصمام الآمن لنقل السلطة وفق الالية الديمقراطية، مع ضمان الحقوق والحريات الاساسية للجميع.
bull;نبذ الثقافة البعثية التي تتحكم بسلوكيات وممارسات وتصريحات وبيانات بعض الشخصيات المتجمعة في بعض الاطراف السياسية في كركوك، وترك الاسلوب الاستعلائي الذي يسيطر على البعض، والايمان بالعهد الجديد في العراق وثبات الموقف بجدية ووطنية لحمايته من الأزمات السياسية المفتعلة والتدخلات والاجندات الاقليمية.

بعد هذا السرد للمؤشرات الجديدة التي بدأت تظهر على الساحة السياسية في كركوك، لابد من القول ان الوقائع أثبتت طوال عقود أن المشتركات التي تجمع بين المكونين الكردي والتركماني هي الاكثر التصاقا وتطابقا بين الطرفين بسبب مرورهما باحداث قاسية مشتركة وتعرضهما الى قمع واستبداد وطغيان من قبل نظام صدام حسين ومن لدن الانظمة السابقة مع سبق الاصرار على انكار الحقوق القومية والسياسية لهما، ولا شك ان المشتركات التي تجمع بين هذين المكونين ستساعد المكون العربي لتحديد موقفه من خلال الخيار بين الخروج او الدخول مع معهما للاتفاق على اطار وطني عام يخدم جميع المكونات في كركوك، وسيعمل هذا الخيار على ارساء ثقة حقيقية متبادلة بين الكرد والتركمان والعرب للبدء بمرحلة جديدة في تاريخ المحافظة.

لهذا نجد للتقارب الكردي التركماني اهمية ستراتيجية لحلحلة الوضع في كركوك ولكونه ضرورة حتمية لصالح الطرفين لتحقيق انفراج حقيقي لايجاد حل حكيم للواقع الراهن ولتقرير مصير المحافظة في حالة التزام جميع الكتل والاطراف السياسية، ولابد ان يثمر هذا التقارب عن تحالف وطني بين الكرد والتركمان في المدينة المتعددة الاقوام لارساء أرضية صلبة لضمان حقوق الجميع والنهوض بهذه المحافظة التي عانت من اهمال متعمد من قبل النظام البائد ومن قبل الحكومات الاتحادية التي تعاقبت في العهد الجديد، ولهذا نأمل من إخواننا التركمان أن يدركوا ان الوقت قد حان لحسم امرهم مع الكرد لتحقيق تقارب حقيقي وفعال لصالح الطرفين لاخراج أزمة كركوك من عنق الزجاجة التي ترقد فيه من سنوات، ولضمان الحقوق القومية والسياسية للتركمان.

كاتب صحفي - أربيل
[email protected]