لامكان للنوايا في السياسة بل الاساس يكمن في التخطيط والفعل وفي تلك التفاصيل التي يستوطنها الشيطان وبالدوافع والاهم بالدفع ! فبدون يوم بل بليلة واحدة فقط اصبحت محافظة صلاح الدين دولة مستقلة داخل الدولة العراقية من خلال أوهام وسلوكيات مريضة مدفوعة الثمن وايضا من خلال فجوة كبيرة بين الواقع والاحلام وايضا بسبب تقصير رسمي وبرلماني في هذا المجال او ذاك. فمعضلة العراق الجديدة في مطالبة صلاح الدين في اقليم خاص بها لها أوجه كثيرة ومتشعبة فاذا كان اعلان الاقليم حق يكفله الدستور العراقي فان توقيت اعلان هذا الطلب يترافق اولا مع الانسحاب الامريكي من العراق! وايضا ان هذا الطلب غير متوافق عليه داخل المحافظة نفسها ويضاف ان هذا الاعلان جاء بعد فترة قصيرة من تصريحات النجيفي في لندن وواشنطن والتي ذهبت الى أتجاه اخطر من خلال التلميح بانفصال السنة عن العراق.

جوهر المشكلة ليس كما يدعي اصحاب مشروع الاقليم بنقص الخدمات في المحافظة فهذا هم عراقي مشترك لكل المحافظات العراقية تتحمل جزء كبير منه مجالس تلك المحافظات التي لم تصرف في احسن احوالها 10% من الاموال المخصصة للمحافظة وفي مقدمتها صلاح الدين، والمشكلة ايضا لاتنحصر بموضوع الاعتقالات الاخيرة التي قامت بها الاجهزة الامنية بسبب اكتشاف وتاكيد محاولة تخريبية في البلد، لان حصة صلاح الدين من المعتقلين ومعها الرمادي والموصل اقل بكثير من حصة المعتقلين من المحافظات الجنوبية في البصرة والعمارة والكوت والناصرية.كما ان شعار التهميش بالمناصب اكذوبة كبرى ونظرة بسيطة لمجلس النواب وطاولة مجلس الوزراء ودوائر الوزارات سيكتشف المراقب المحايد خطورة هذه الكذبة السياسية، ان جوهر المشكلة الحقيقي قد ينحصر بجانبين لاثالث لهما، الاول ان البعض مازال غير مستوعب ان الاغتصاب القسري والتاريخي للحكم والمناصب والثروة في البلد قد خرجت من يديه وبشكل دستوري وقانوني وديمقراطي دون رجعة وحتى قيام الساعة. الجانب الثاني في الموضوع ان الحراك الشعبي الجزئي في سوريا ولد نوع من الحافز الطائفي عند البعض فشطحت احلامه بعيدا فتصور نفسه انه quot; سايكس quot; وان الغرب واسرائيل quot; بيكو quot; وسيجلسون معا في اقرب فرصة لاقتسام الغنائم في المنطقة وأعادة توزيع الجغرافية والتاريخ وايضا الاحجام والادوار!

ان اقليم صلاح الدين المقترح امامه مصاعب قانونية واخرى شعبية لامجال لحصرها، لكن في جانبها الشعبي وعلى سبيل المثال ان مدينة مثل بيجي والصينية خرجت مظاهرة كبيرة منددة بهذا المطلب، وان مدن مثل بلد والضلوعية وغيرهم طالبوا بالانفصال عن صلاح الدين والانضمام والرجوع الى بغداد في حال تحقق هذا الاقليم، بل ان طلب رسمي قدم من قبل رئيس الجمهورية للبرلمان لتحديد حدود المحافظات وستكون صلاح الدين اكبر الخاسرين في هذا الجانب ومن كل الاتجاهات.بل ان هذا الاقليم لو كتب له الحياة فان ابناء سامراء سياخذهم الحنين الشرعي الى ايام خوالد كانت فيها تكريت قضاء صغير تابع لمدينة سامراء التاريخية وليس العكس.

والمتابع للمؤتمر الذي عقده اليوم الاربعاء رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي لممثلي مدن صلاح الدين والانبار والموصل حصرا دون غيرها من المدن سيجد ودون عناء ان جوهر المشكلة المناصب والنفوذ الشخصي وايضا التلهف للثروة طبعا مع تغليف كل هذه الامور بشعارات حقوق ابناء تلك المحافظات، ومع هذا التغليف فقد فلتت وبشكل علني وفي نفس الجلسة بعض المفردات التي تبشر بالمناصب الوزراية والبرلمانية القادمة في الاقليم اذا تحقق! بل ان متحدث موتور ذهب أبعد من ذلك حينما أكد نصا وبحضور رئيس مجلس النواب واعضاء من المجلس ووزراء في الحكومة quot; باننا سنؤسس اقليم صلاح الدين ومن لايعجبه يضرب راسه بالحايط quot;!!ومثل هذا الاسلوب وهذه المفردات صاحبها الصنم الساقط بامتياز دون منافس، وكنت أمني النفس ان ينبري رئيس مجلس النواب العراقي او احد اعضاء مجلس النواب او الوزراء الحاضرين لمقاطعة مثل هكذا حديث أجوف وهكذا مفردة جلفاء لكن الذي حدث شكل مفارقة كبيرة تماما حينما عجت القاعة بالتصفيق لهذا الاسلوب البائس في الحديث !! والمفارقة تاخذ حجمها الاكبر حينما يعرف المرء ان القاعة التي انطلقت بها هذه التصريحات الفارغة البائسة هي احدى القاعات الرسمية للبرلمان العراقي!

ان مطلب صلاح الدين باقليم هو حق دستوري لكن المشكلة واضحة بالتضامن الطائفي من الموصل والانبار وايضا بالدوافع وبالتوقيت وهذه الامور بحد ذاتها تشكل استفزار كبير لمدن الخير والنفط والثروات والحياة العراقية في الجنوب، لذلك البعض من الجانب الاخر بدأ يفكر ويحشد بجدية كبيرة ان الوقت قد حان للرد و لايقاظ فكرة الاقليم العملاق للوسط والجنوب من الفاو حتى الامامين الهادي و العسكري في سامراء. وهكذا سياتي يوم قريب يقال فيه quot; كان هنا العراق quot; مع الاسف الشديد والحسرة الكبيرة.وليبقى اصحاب اقليم اضرب راسك بالحايط التكريتي يستمتع ويتلذذ ويعيش وياكل خبزه اليومي من التصفيق الفارغ و الجاهل التي ضجت به احدى قاعات البرلمان العراقي المنتخب.

محمد الوادي
[email protected]