quot;مش برمانة القلوب مليانةquot;... مثل شعبي لبناني يطرح نفسه واقعاً عندما تحصل مشاكل بين طرفين أو أكثر، وكثيراً ما لامسنا ونلامس هذا الواقع في لبنان، فمثلاً صوت دراجة نارية قد يؤدي الى اشتباك بالرصاص بين جيران في الحي أو المنطقة أو المدينة... وكلمة قد تشعل حرباً كلامية بين طرفين متناقضين عملياً..

وهكذا تصبح الأمور الصغيرة فتيلة لمشاكل قد لا تحمد عقباها وتكون النتيجة أبشع مما قد يكون يتصور الطرفين واذا عادا الى جذور المسألة لتوصلا انها لا تستحق ما أودت اليه، ولكن الثورة تكون نتيجة تراكمات عند الطرفين اجتمعت وتراكمت حتى أصبحت بركاناً مشتعلاً يطلق حممه المحرقة في وجه الآخر وعندها تشتعل quot;الحربquot; مهما اقترب الواقع أو ابتعد عن مفهوم الحرب بمعناها الواسع... وعندما يهدأ البركان ربما يسأل كل منهما عن الأسباب الجوهرية لهذه الثورة... ربما يجد وربما لا يجد ولكن تكون الواقعة قد وقعت.

والرمانة والقلوب الملآنة ليست فقط بين أشخاص تجمعهم اللامودة، فقد تكون ايضاً بين صديقين أو حتى حبيبين تراكمت أموراً صغيرة بينهما وبدأت تكبر مع الوقت وتتراكم الى أن يأت سبب قد يكون تافهاً للغاية ليفجّر البركان... والبحر يتسع للكثير ولكن قطرة واحدة قد تجعله يفيض... تعصف العاصفة يقول كل منهما كل ما يقوى عليه قلبه المعشش بالغضب من الطرف الآخر الذي يعتبر أنه غض الطرف عنه كثيراً وسكت على أمور كثيرة حتى باتت الأمور لا تحتمل... فيفرّغ ما عنده، قد يكون مؤدباً ولكن الغضب لا يعرف ان يكون لطيفاً مهما انخفض صوته وانخفضت حدة نبرته، والغضب الهادىء يكون أحياناً أشد وقعاً من الغضب المتفجّر لأنه يختار الكلمات التي قد تكون أكثر تهذيباً ولكنها تجرح أكثر... وفي هذه المعركة يكون الصمت سيف ذو حدّين فمن جهة يجنّب الشخص ندامات على اشياء لا يفترض أن يقولها ولكن يسوقه الى ندامات على اشياء كان يجب أن يقولها... وبين الاثنين، وبين الغاضب والأقل غضباً لا بد أن تنتهي العاصفة مهما أخذت وقتاً ولكن في النهاية يبقى أثرها وهو ذلك الشيء الذي انكسر بين الطرفين... وكل ما كبرت القسوة كل ما اتسع الكسر وكل ما بدأت نهاية العلاقات بين الناس فالزجاج الذي يكسّر، مهما كان الكسر صغيراً، لا يمكن أن يرمّم أبداً.

كم زجاج يكسّر مع تقدمنا في الحياة والخبرات... وكم زجاج يتحوّل الى فتات يستحيل جمعه.. ومع كل كسر جديد تخّف الثقة ويقوى الحذر بين الناس فتغيب العفوية ويصبح كل شيء مقنّن ومضبوط والا... ويسألون لماذا يخسر الطفل براءته عندما يكبر رغم أنها أجمل ما فيه! يخسرها لأنها كثيابه الصغيرة التي لا تعود تتسع له عندما يكبّر.. يخسرها لأنها ببساطة حصراً به قبل أن يخوض غمار الحياة.