يروي أحد الاسرى العراقيين أثناء الحرب العراقية ـ الايرانية حادثة طريفة من فترة أسره، حيث يقول انه و بعد أن تم إقتياده مع أکثر من مائتي أسير آخرين من منطقة البسيتين(التي کانت احدى جبهات المواجهة)، الى احدى المعتقلات المؤقتة في مدينة الاهواز، زارهم رجل دين عراقي کان يلبس عمامة سوداء(أي أن نسبه يرجع للرسول الاکرم)، وبدأ يسألهم بشکل عشوائي عن المدن التي ينحدروا منها، وکانت الاجوبة تتوزع کلها بين(کربلاء، النجف، سامراء)، وذلك لأن الاسرى السنة او غير المسلمين کانوا يخافون من الجهر بحقيقة إنتسابهم الطائفي او الديني، فما کان من رجل الدين هذا إلا وان نزع عمامته و عبائته السوداء ليظهر لابسا بنطالا و قميصا(کما يروي الاسير المذکور)، وصاح باللهجة العراقية الدارجة و بعصبية بالغة: قشامر، تضحکون على أبو عمامة؟ أضحك على أبوکم و على جد جدکم، هو أکو واحد مثل أبو عمامة ينصب و يضحك على الناس!

هذه الحکاية واقعية و من رواها لي لايزال حيا يرزق، وجدت من المفيد جدا إدراجها لأنني رأيت ثمة علاقة قوية لها بالملف النووي الايراني و تطوراته، حيث أن طرح قضية الملف النووي الايراني على بساط البحث ومنذ أکثر من 11 عاما، و کل تلك التهديدات و الضغوط و العقوبات الدولية الموجهة ضد النظام الايراني، يبدو وکأنها لم تحقق أية نتيجة تذکر بل وعلى العکس من ذلك تماما، إذ تؤکد مختلف المصادر الموثوقة و التي عندها شئ من( النبأ اليقين)، بأن النظام الايراني قاب قوسين او أدنى من إمتلاك السلاح النووي وان اللحظة الحاسمة لإعلان هکذا خبر ليست ببعيدة أبدا، وتؤکد اوساطا دبلوماسية في فينا، بأن القلق الاسرائيلي ليس من فراغ و له مايبرره، وان مقدار الريبة و القلق لدى بعض من العواصم العربية يکاد أن يکون أکبر بکثير من القلق الاسرائيلي.

الولايات المتحدة الامريکية التي ملئت الدنيا صخبا و ضجيجا بخصوص الخطر النووي الايراني و ضرورة التصدي له، و شغلت العالم کله بقوائم الشرکات الممنوعة و المعاقبة لتعاونها مع النظام الايراني، لم يجد العالم فيها لحد الان أکثر من مجرد(دون کيشوت) هزيل يثير الشفقة أمام طاحونة الهواء الايرانية التي تدور بقوة و تستغل عامل الزمن بذکاء و هي تسخر في سرها من سيف واشنطن الخشبي الذي قطعا لم يثير ولو للحظة واحدة الخوف لديها، أما بقية العواصم الغربية، فإن رجال الدين قد تمکنوا و عبر طرق و اساليب عديدة أهمها(خرز)و(أحجية)، بترولهم و مشترياتهم منها، جعلها على الحياد الايجابي على أقل تقدير، بل وان بعضا منها ماتزال تصر على أن لاخطر نووي قادم من طهران!

هنالك سؤال مهم جدا أعتقد بأن ليس بوسع أية عاصمة غربية أن تجيب عليه من دون تردد: هل أن البرنامج الايراني يسير بسياق لايشکل معه خطرا على الامن و الاستقرار و السلام في المنطقة و العالم؟ لکن السؤال الاهم و الاخطر من ذلك هو: مالعمل؟
تهور و طيش أمريکي، و صبر و إنتظار ممل أوربي، يتغشاه خوف و رعب عربي، يرسم بوضوح لوحة سريالية يتضح شئ واحد فيها وهو أن الملالي لحد هذه اللحظة هم الذين يضحکون على ذقون الغرب!