بعد اثني عشر عاما على القطيعة والجفاء السياسي بين الأردن وحركة حماس، على خلفية القرار الذي صدر في العام 1999 القاضي بإبعاد قادة حركة حماس عن الأراضي الأردنية؛ يبدو أن العلاقة بين الطرفين بدأت تأخذا منحى آخر ومسارا مختلفا، يشبه إلى حد كبير ما كانت عليه العلاقة قبل ذاك القرار.

ولعل التصريحات اللافتة لرئيس الوزراء الأردني عون الخصاونة ووصفه قرار إبعاد قادة الحركة بأنه كان quot;خطأ سياسيا ودستورياquot;، إضافة إلى الحديث المتزايد عن ترتيبات لزيارة رسمية سيقوم بها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل للأردن بعد عيد الأضحى؛ تظهر بوضوح ملامح خارطة جديدة للعلاقة بين الأردن وحركة حماس.

وفي خلفيات التوجه الأردني الجديد تجاه حماس ثمة من يرى أن هناك مجموعة من العوامل لعل أهمها:
1-الفتور الحاصل في علاقة الأردن بحركة فتح على خلفية إتمام المصالحة مع حماس في مصر دون أي تنسيق مع الأردن، في حين ثمة من يتحدث عن انزعاج السلطة الفلسطينية من الظهور العلني للقيادي البارز المفصول من حركة فتح محمد دحلان مع بعض الشخصيات السياسية المهمة في الأردن، بما يعني تبادل في الإشارات السلبية، ولعل هذا التوتر ساهم بشكل أو بآخر في تسريع عودة دفق العلاقات بين الأردن وحماس إلى ينابيعها الأصلية.

2- تصاعد المد الإسلامي وتحديدا جماعة الإخوان المسلمين في الأردن على وقع يوميات ثورات الربيع العربي، وقد دفع هذا التصاعد بالقيادة الأردنية إلى التفكير بالأوراق التي قد تساعدها لمواجهة هذا الصعود، وذلك من خلال حركة حماس التي تتمتع بعلاقة وثيقة مع الأحزاب الإسلامية في الأردن التي ترفع لواء القضية الفلسطينية.

3-إن الأردن بدأ يشعر بحقيقة خطر quot;الوطن البديلquot; الذي تسوّقه إسرائيل وتعمل من أجله، ويدرك الأردن أن السلطة الفلسطينية في رام الله باتت ضعيفة وغير قادرة على مواجهة خطط إسرائيل، في حين باتت حماس قوة منظمة وعسكرية تحظى بدعم سوريا وإيران ويمكن لها أن تتحرك في وجه إسرائيل إذا أصرت على مقولة الوطن البديل.

في المقابل، فإن حركة حماس التي تبدو المستفيدة الأكبر من ثورات الربيع العربي تسعى إلى تحويل هذه الاستفادة إلى مكاسب سياسية ودبلوماسية مع الدول العربية والإسلامية. إذ إن مثل هذه العلاقة تحقق لها جملة من الأهداف لعل أهمها:
1-إقامة شبكة علاقات واسعة مع الدول العربية والإسلامية وحتى الدولية في إطار كسر الحظر الغربي المفروض عليها وتوظيف هذه العلاقات في خدمة استراتيجيتها.
2-الحصول على أكبر دعم مالي وسياسي في إطار التطلع إلى التخلص من أثر العلاقة مع إيران، خاصة بعد إيقاف الأخيرة الدعم المالي لها، وقد عزز هذا الأمر من قناعة الحركة بأهمية إقامة علاقات مع العمق العربي، وضرورة أن تكون العلاقات مع بعض الدول الحليفة متوازنة.

3-إن حماس ترى في العلاقة مع الأردن حيوية خاصة لجهة قرب الأردن من الأراضي الفلسطينية وتحديدا من الضفة الغربية التي تشهد نفوذا متصاعدا لحركة حماس، ومن شأن علاقة قوية مع عمان تأمين الحماية لتصاعد هذا النفوذ وربما التفكير بالإحلال محل سلطة حركة فتح على غرار ما حصل في غزة.

من الواضح أن ثمة رغبة مشتركة بين الأردن وحماس في طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة، رغبة تحركها التطلعات المشتركة في الاستفادة المتبادلة وإن كان كل طرف ينطلق من حساباته الخاصة.

*كاتب فلسطيني مقيم في لبنان