في الحديث السابق تطرقت الى الواقع السوري الحالي واستحالة الحل من قبل النظام او المعارضة او من الخارج بسبب الظروف الموضوعية التي اتيت عليها. وعطفا على ذلك الحديث اقول هنا: هل يحق لنا ان نبقى متفرجين على مصرع الشهداء وسيول الدماء؟.

امام هذه المعضلة الشائكة التي تعصف بالوطن السوري تذكرت نحيب الام التركية الثكلى وهي تستقبل جثمان ولدها الذي كان في الخدمة العسكرية الالزامية بعد ان فقد الحياة في معركة مع مقاتلي حزب العمال الكردستاني حيث قالت: لم اشتر له دراجة خوفاً من أن يؤذي نفسه والآن استقبل جنازتهquot;. لا اعتقد ان كل من شاهد تلك الام قد تحكم في دموعه.

حرب كردية ـ تركية ( تصر حكومة أردوغان على مواصلتها) ضحاياها ابرياء في ريعان الشباب وآباء مفجوعين وامهات ثكلى واطفال يتامى.

الصورة هي طبق الاصل في الوطن السوري ايضا.

كم من الامهات السوريات فقدن فلذات اكبادهن وكم من الاسر تهدمت وتبعثرت؟. من هنا كان التساؤل: هل يحق لنا ان نبقى نتفرج ونصبح شركاء في الجريمة؟.

كل الحلول الكلاسيكية المطروحة لحل الازمة السورية تؤدي الى حرب اهلية وتقسيم سوريا حتى لو ادى ذلك الى تشكيل دولة علوية والتي لم تعد سراً بسبب الاحتقان والخوف من روح الانتقام التي باتت تطغى على كل ما عداها.

نحن بحاجة ماسة الى نوع من التأمل الهادئ ومراجعة النفس خارج اجواء الحقد والانتقام.

الحل الاقرب الى النجاح ودون سقوط ضحايا هو اتفاق كل الفرقاء السوريين على الاستفادة من لجنة العقلاء برئاسة السيد مارتي آختيساري.

من هو هذا الـquot;آختيساريquot;؟. هو الشخصية العالمية والحائزةعلى جائزة نوبل للسلام والرئيس الأسبق لفنلندا ويرأس حاليا quot;لجنة العقلاء (الحكماء) العالميةquot; ومهمتها حل المشاكل الصعبة والمعقدة في العالم. اللجنة تتألف من تسعةٍ من رجالات الدولة السابقين والمشهود لهم بنزاهتهم وتجربتهم الكبيرة في السياسة الدولية. هؤلاء ينتمون الى تسعة بلدان اوروبية، ثلاثة منهم ليبراليون وثلاثة اشتراكيون والثلاثة الباقين هم من الاشتراكية الدولية. الجميع أعمارهم تتجاوزالسبعين ولا يتقاضون أية أموال وإنما يقومون بهذا العمل طوعاً خدمةً للبشرية وليسود السلام على الأرض.

هؤلاء ليست لهم اية قوة عسكرية،بل ليس لديهم حتى مجرد مسدس للدفاع عن النفس.

الهيئة ليست لها علاقات مع القوى الدولية سواء في الغرب او الشرق. القوة الوحيدة التي يمكن ان يستفيدوا منها هم اصحاب القبعات الزرقاء التابع للامم المتحدة وتقوم بدور الشرطة لحمايتهم في دمشق او اي مكان آخر على الارض السورية.

من اهم خاصيات اعضاء لجنة الحكماء هو انهم لا يقدمون على عمل الا اذا تأكدوا من نجاح مهمتهم بنسبة تكاد تكون من مئة بالمئة.

المهمة الاساسية للجنة هي الوقف الفوري للعنف وتهيئة الارضية لاشاعة الهدوء في البلد ووضع حجرالاساس لدولة الحقوق وليس دولة المواطنة التي اصبحت موضة هذه الايام.

دولة المواطنة مفهوم مبهم وليس له اطر معينة، بل يكاد يكون مجرد شعار. دولة المواطنة هو المفتاح السحري لهيمنة الانظمة الشمولية والتي تعتمد علىquot;تقديس الدولةquot; ومن ثم تقديس الحاكم وليس حماية حرية الفرد وحقوقه.

اما دولة الحقوق فهي بالعكس تماما اذ ان الفرد وحريته هما اسمى من الدولة. بتعبير آخر الدولة هي لاجل الفرد وليس العكس اي الفرد لاجل الدولة. ساحاول الكتابة في هذا الموضوع، اي دولة المواطنة ودولة الحقوق مستقبلا.

على النظام ان يستغل الفرصة ويبادرهو الى اتخاذ الخطوة الاولى وبالتفاهم مع الذين هم خارج النظام.

د. بنكي حاجو
طبيب كردي سوري