كما سبق وذكرنا في مقال سابق لنا أن مخيم أشرف الصغير، الذي يقطنه 3400 نفس لا ينظر إليه من قبل الجوقة الحاكمة علي حجم عدده أو عتاده بقدر ما ينظر له كنبراس أمل للمطحونين والمقهورين تحت نير الملاليين في إيران، وولاية السيد الفقيه ومشعل نور يجب أن يطفأ قبل أن يهتدي له الملايين من معارضي النظام الإيراني.
وكما عودناكم أن نطوف بكم حول معالم وأوجه هذه القضية الإنسانية التي وللأسف يغفلها الكثيرون ولا يلتفت إليها القادرون.. وكم من قضايا إنسانية تصرخ في هذا العالم المأنون لكن النخبة العالمة والفئة الحاكمة والثلة المنتفعة لا يكترثون ولا يهتمون لأنهم بالدنيا وزينتها مشغولون.
فنصحبكم سيداتي وسادتي إلى نظرة لم يرها الغالبية من أقراني وإخواني في العالمين الإسلامي والعربي في معضلة الأشرفيين، وهي فكرة التوازن الذي خلقه الأشرفيون أو بمعنا آخر أعضاء منظمة مجاهدي خلق. نعم لقد كانوا في وقت من الأوقات نقطة الإتزان الحربي والسلمي معا بين العراق وإيران، ثم بين امركا وإيران عقب الغزو الأنجلوأمريكي للعراق في 2003، وبشئ من التفكر وقليل من التحليل ستستبين هذه الحقيقة ساطعة، وهذا ما نود أن نطلعكم عليه في سطورنا المعدودة القادمة.
لماذا احتضن النظام العراقي السابق أعضاء منظمة مجاهدي خلق؟ ولماذا لم يتم المطالبة برحيلها من العراق قبل الغزو الأنجلو أمريكي له؟ وهل ما قدمته خلق للعراق أكثر أم ما قدمه العراق لها كان أكثر؟ هذه أسئلة يجب الإجابة عليها حتي تستريح هذه الأنفس العراقية المنساقة خلف الصدي الإيراني علي الأرض العراقية. ويجب ألا تلوك ألسنة آل العراق المتحضرين ما باعه الأعداء لهم من مقالات واتهامات لا أساس لها.
إن منظمة مجاهدي خلق منظمة سياسية ndash; عسكرية قادت ولم تزل تقود جبهة فصائل المعارضة الإيرانية، وكان تعداد عناصرها المسلحة حتي الغزو الأنجلوأمريكي للعراق يقارب الخمسة آلاف. احتضنها النظام العراقي السابق بعد اندلاع الحرب الإيرانية العراقية وأقام لها معسكرات خاصة في قرى وقصبات محافظة ديالى العراقية المحاذية للحدود الايرانية ؛وجهزها بالاسلحة.
إذا فتوقيت احتضان هذه القوي المعارضة الإيرانية لم يكن إلا لخدمة النظام السابق في العراق، والحفاظ علي الورقة الهامة التي تعينه علي النظام الملالي المنبعج، والمصمم على تصدير ثورته الدينية الطائفية إلي جميع البلاد الإسلامية. وفي هذا التوقيت كان العراق بشيعته وسنته يحارب إيران، ومن أبي فهم قليل ومعروفون، لكن غالبية الشعب العراقي حارب ودعم وأيد الحرب بصورة أو بأخري، ولذا فلا يمكن القول البتة أن احتضان هذه المنظمة كان فقط في صالح النظام العراقي، وإنما كان لصالح شعب كان يحارب وعاني ويلات هذه الحرب بغض النظر علي اتفاقنا أو اختلافنا عليها، وعلي مشروعيتها والطائل منها، فهذا ليس موضع حديثنا، فنحن نتحدث عن المنظمة التي احتضنها نظاما كان ممثلا للشعب العراقي آنذاك.
وقد مارس الجناح العسكري لهذه المنظمة (وهو من الجنسين) العمل العسكري والإستخباري طوال سنوات الحرب الثمانية،ضد أهداف ومواقع داخل العمق الإيراني، مما ساعد كثيرا العراق في حربه ضد الملاليين، أي أنه قدم خدمات للعراق حينذاك، كما أكتسب عناصره خبرة قتالية واستخبارية لايمكن إغفال خطرها،فالكبت الذي يحياه الشعب الإيراني تحت وطأة الجلادين هيأته ليرجو الفكاك والتطلع إلي نظام حكم يحقق العدل والمساواة خارج أسوار معتقل الحرس الثوري وأجهزته القمعية المتسربلة بغطاء الدين.
إذا فقد قدمت خلق للعراق ما جعلها تستحق البقاء علي الأرض العراقية وتنال حماية الشعب العراقي بأسره، وبات من حق أعضائها في أشرف أن يعاملوا كلاجئين يستظلون بالقيم الإنسانية والدساتير الدولية.
بعد الغزو الأنجلو أمريكي للعراق في عام 2003 اكتشفت الولايات المتحدة متأخرا ما بلغه الثوري الإيراني في عمق العراق.. إلي الحد الذي كاد أن يشعل نار الفتنة الطائفية لا قدر الله بين العراقيين، ومن ثم يتم إغراق القوات الأنجلوأمريكية أو قل الأمريكية حيث أنها القوة الأكثر حضورا علي الأرض، والأكثر استهدافا بطبيعة الحال من قبل أجهزة المخابرات الإيرانية، وأذنابها في العراق، ومن الحرس الثوري الإيراني، من أجل إغراقها في مستنقع الحرب المذهبية. ومن أجل ذلك سعت الولايات المتحدة الأمريكية للحوار مع هذا العدو المتخفي حتي يتم الوقوف علي مدي تورطه في الأزمة العراقية بل قل الأزمات العراقية، وإلي أي حد تلوثت يده بدماء الجنود الأمريكان من خلال إمداداته التي لا تنقطع لبعض المليشيات الطائفية والحزبية بالأسلحة والعتاد والمال؟
ولكن ما الذي يجعل إيران تبحث عن انتقام من الولايات المتحدة في العراق وقد أهدت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها لإيران هدية عظيمة وقدموا لها خدمة جليلة، وهي تمزيق العراق ومسخه واستنزاف طاقاته وحل جيشه وشرطته و تهيئة الأرض العراقية لاستقبال شتي أنواع الفتن الإيرانية الممكنة؟! هل لأن الولايات المتحدة هي الشيطان الأكبر؟ أم لأنها تريد قصم ظهر الحليف الإستراتيجي لإسرائيل الكيان الصهيوني الذي ترغب إيران أن تفنيه؟!
لا أري بهذه الأسباب سببا فيما فعلته ولا تزال تفعله إيران ضد الولايات المتحدة في العراق، ولكن سببا واحدا هو المحرك لكل هذا البغض وكل هذا التربص، والنية في الفتك بالجنود الأمريكان فوق الأرض العراقية وهو الإنتقام لبقاء مجاهدي خلق فوق الأراضي العراقية علي الحدود المواجهة للجمهورية الملالية.
ربما ثمة أسباب أخري تدفع إيران لفعل ذلك، ولكن جميعها أسباب هامشية بالمقارنة بهذا السبب.
فابقاء الولايات المتحدة علي مخيم أشرف وأعضاء منظمة مجاهدي خلق (أكبر فصائل المعارضة الإيرانية لنظام الحكم الحالي في طهران،نظام دولة الفقيه) يجعل النظام الإيراني في قلق دائم مبعثه استخدام هذه المنظمة القوية في النشاط الإستخباراتي أو حتي في مواجهة النظام الإيراني وجها لوجه، فتكون الأيادي الإيرانية هي التي تضرب النظام الإيراني بعيدا عن الولايات المتحدة الأمريكية..!
ولذا كان لزاما من إشعار الولايات المتحدة أن الذي جري لها في العراق لا يساوي واحدا علي الألف مما يمكن أن يجري لها إن هي فكرت في زعزعة أمن واستقرار إيران. ومن ثم طرد أمركا لفكرة جعل إيران هدفا محتملا في المستقبل موضوع تحت خطة كاملة لمشروع الشرق الأوسط الجديد.
ومن هنا يتضح لنا كيف أن أشرف ملف مرعب للنظام الملالي، وورقة مربحة تشكل وسيلة ضغط قوية علي الملاليين ومن ثم إمكانية المساومة بها، وهذا يعني أن القضية الأشرفية هي حافظة للتوازن بين الكيانين الأمريكي والإيراني يضرب أحدهما بسببها الآخر ويضغط بها الآخر في سبيل تحقيق مكاسب أخري من العدو المتخفي.!
وبين هذين القوتين يبقي الإنسان في أشرف يعاني، ويشكو مرّ الشكوي ممن تقاذفوه وفتكوا به واستعملوه ثم ينفكوا عنه.. متجاهلين أنهم أصحاب قضية، ولا يريدون لإخوانهم الإيرانيين غير العدل والحرية.. ينادون بذات القيم الإنسانية السامية التي فلقت رؤسنا بها وسائل إعلام الدول الغربية..!
لكنهم واقفون شامخون صامدون ينادون وواثقون أن يقظة الضمير الدولي آتية والله غالب على أمره.
صحافي وباحث مصري
التعليقات