بفضل ماأتاحه لنا الانترنت من مساحة حرية التعبير أصبح بمقدرونا الكلام في المحظور والممنوع، والحديث عن تحولاتنا الفكرية والدينية التي نجازف بطرحها الى العلن والإجهار بها بغية خدمة الحقيقة، ومن أجل الدعوة الى حرية العقل في التفكير والتحليل وممارسة النقد للأديان.
عشت طوال حياتي أدرس العلوم الدينية وأقرأ وأفكر... بهدف الدفاع عن معتقداتي الدينية وتعزيزها في نفسي.. وليس من أجل البحث عن الحقيقة، وكانت تلك المنهجية الدفاعية خاطئة لم تؤدِ الى المعرفة النقدية التنويرية، وانما كرست مشاعر التعصب الطائفي والديني لديّ، وهذه مشكلة أكثر المتدينين، لغاية إنفجارالملاحظات النقدية المكبوته التي لم أكن أعلم عنها شيئا لأنها بعيدة عن الوعي منزوية في اللاشعور، والمقموعة التي كنت على علم بها وأهرب منها وانسبها الى وساوس الشيطان، إنفجر ذلك الركام النقدي في داخلي لحظة تنفيذ جريمة 11 سبتمبر في نيويورك، وجرائم الإرهاب في العراق، وما نتج عنها من مراجعات فكرية ودينية توجت بفصل الإيمان بالله عن الأديان ومظاهرها مثل : المؤسسة الدينية ورجال الدين والمسجد والكنيسة والمعبد، والأحكام والتعاليم.
ذهبت الى المسجد وانا في سن أقل من خمسة عشر عاما. كان قرارا فرديا إتخذته وحدي تحت تأثير الخوف والذعر من عذاب نار جهنم الذي سيكون عقوبة تارك الصلاة. وكنت مثل غالبية المسلمين أعتنق الدين التقليدي الشعبي الذي يختزل العلاقة بالله في الصلاة والصوم والحج وغيرها من الطقوس والشعائر.
منذ لحظة المداومة على اداء الصلاة ولغاية بلوغي سن الخمسين عاما هاجمني القلق نتيجة الحرص على ادائها حسب أوقاتها والبقاء على الطهارة والوضوء، واصبحت تحركاتي خارج البيت سجينة أوقات الصلاة حيث يفترسني القلق والشعور بالإثم والذنب عندما أكون في مكان ما ويقترب وقتها، كانت نار جهنم تطاردني، وكنت مرعوبا من إحتمال في حالة تأخرت عن الصلاة وداهمني الموت من مفارقة الحياة وانا لم أؤدِ صلاتي.
كانت علاقتي بالله التي رسمها لي الدين.. هي علاقة بيني أنا المذنب، والله الذي يطاردني في كل لحظة ويتربص بي للقبض عليّ وحشري في النار.
لم أسأل نفسي حينها عن المبرر المنطقي الذي جعل الله يجبر البشر على الإستيقاظ فجرا من نومهم لأداء صلاة الصبح، وكيف يقبل بهذا العذاب اليومي وهو الرب الرحيم المحب لهم، وماذا سيستفيد من هذا النوع من الطاعة وهو الغني عن عبادة الناس، والعالم بنواياهم وقلوبهم، واذا كانت الحجة هي ان الله يريد إختبار وإمتحان البشر، فكيف يكون عادلا وكريما ورحيما ورؤوفا، ويُقدم على تعذيب مخلوقاته بهذا الإمتحان ؟!
وبعد مخاضات روحية وفكرية نجم عنها تحولات كبرى في حياتي وقناعاتي الدينية فجرتها وحشية الإرهاب، إكتشفت ان الديانات جميعا هي من صنع البشر وليست منزلة من الله، وان المجتمعات طوال التاريخ إخترعت الدين لتنظيم حياتها الإجتماعية والروحية، وإستمداد الطمأنينة والأمان من خلال الإرتباط بالله عن طريق هذه الوسائل التي أطلق عليها تسمية : الديانات وما أنتجته من نصوص وطقوس وشعائر هدفها الشعور بالأمان من خطر الطبيعة والمجهول وعقاب مابعد الموت.
لاشك ان حقيقة الله مختلفة عن التصورات التي قدمتها الأديان، فألله الذي نعرفه هو من صنع وتأليف مخيلة وتصورات الإنسان، و نار جهنم والصلاة والصوم واغواء الشيطان هي من ضمن ماأنتجه البشر من معتقدات صورها لهم الخيال والتأمل اثناء محاولة البحث عن وسيلة للتواصل مع الله وكسب رضاه ومحبته.
وإستدلالي على ان الأديان من صنع البشر أختصره بسؤال واحد هو : بما ان الله عادل ورحيم بالبشر ويحب لهم الهداية والإيمان، ويكره الصراعات والتعصب والحروب الدينية وسفك الدماء... لماذا لم ينزل كتابا موحدا لجميع الأديان والبشر على عدد لغات المجتمعات، ويمنع الكراهية والأحقاد بين الطوائف والأديان المختلفة، ويوفر الطمأنينة والإستقرار لمخلوقاته ؟.. اما القول بأن الله أراد إختبار وإمتحان البشر بهذا الإختلاف.. فهو حجة غير معقولة وتسيء الى صورة وعدالته، اذ كيف يترك الله العادل الناس في حيرة وتيه وإختلاف وصراعات دامية منذ بدء الخليقة ولغاية الآن دون ان ينزل سكينته عليهم، اضافة الى دليل تناقض الأديان مع العقل ومصالح الإنسان والعدالة الإلهية.
بعد قرار ترك الصلاة.. شعرت بتحرر من أثقال مرهقة، ومشاعر متعبة، وإزدياد قوة إيماني بالله، وإنتقلت من مرحلة الطاعة في اداء العبادات الى مرحلة التأمل والتفكير في حقيقة صفات وأهداف الله، وقادني هذا الأمر الى الإيمان بالقيم الأخلاقية الإنسانية ديانة البشر الحقيقية بلا تمييز طائفي وعرقي وطبقي.
التعليقات