المشهد في ميدان التحرير في جمعة رفض وثيقة quot;السلميquot;، وما تلاه من مشاهد quot;الكر والفرquot; بين المحتجين والشرطة حين حاولت فض اعتصام بعض المتظاهرين وسقوط مئات الجرحى في لقطات تذكرنا بأن نظام quot;مباركquot; موجود، كل هذا يثير الخوف على مصر مما هو قادم، الخوف من أن صداما كبيرا قد يحدث لا ينجو فيه احد، حتى الضوء الذي كان يراه البعض في نهاية النفق المظلم الممتد بطول مصر وعرضها بدأ يخفت، واقصد بهذا الضوء الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في الثامن والعشرين من يناير المقبل.
يظن العامة من شعب مصر الطيب أنهم لا يفهمون ما يجري، على الرغم من أن ما يحدث ليس عصيا على الفهم، حتى quot;الحيل السياسيةquot; التي تطرحها القوى السياسية أشبه بحيل quot;الارجوزاتquot; في مولد سيدنا الحسين، ومن بين هذه الحيل وثيقة المبادئ الدستورية التي أشعلت النار بين المجلس العسكري والحكومة من ناحية،وجماعة الإخوان المسلمين والقوى الليبرالية والعلمانيين من ناحية أخرى.

المجلس العسكري الذي وجد نفسه فجأة يحكم مصر، وحكومة شرف هما أول من أطلقوا الشرارة بالمضي قدما في استفتاء quot;التاسع عشر من مارس الماضيquot; على إعلان المبادئ الدستورية، هذا الاستفتاء قال فيه سبعة وسبعون في المائة إنهم يؤيدون الانتخابات قبل وضع الدستور مدفوعين بمناخ الفوضى السائد منذ الإطاحة بالرئيس مبارك، جاءت نتيجة الاستفتاء على هوى المجلس العسكري، والإخوان على العكس تماما من المنطق الذي عرفته الدول التي سبقتنا والذي يقضي بالاتفاق على الدستور ليتم البناء عليه أي حفر الأساس ووضع القواعد اللازمة للبناء.

كرة اللهب التي تتقاذفها القوى السياسية الآن تتمثل الورقة المعروفة باسم quot;وثيقة السلميquot; أو quot;بوثيقة المبادئ الدستوريةquot;، سبقها ورقة أخرى هي ورقة quot;الإعلان الدستوريquot; التي مهدت لورقة السلمي، هذه الورقة طرحت حين شعر المجلس العسكري أن الإسلاميين قد يكون لهم الغلبة في الانتخابات التشريعية بشكل يدفعهم إلى الانفراد باختيار أعضاء اللجنة التأسيسية لكتابة الدستور، بمعنى أخر يريد الجيش أن يوقف الزحف نحو دولة دينية على الرغم من تأكيد الإخوان على مدنية الدولة، وهو الأمر الذي أدى إلى انتهاء quot;شهر العسلquot; بين الإخوان والمجلس العسكري بمليونية الثامن عشر من نوفمبر الجاري وفي كل مليونية تحاول quot;حكومة عصام شرفquot; أن تشكل جدارا فاصلا بين المجلس العسكري من ناحية والشعب المصري من ناحية أخرى، حيث تحاول الحكومة منع أي مواجهة بين الجيش والشعب وهو جدار بدأ يتآكل بشكل سيكشف عورة هذه الحكومة التي يجب أن ترحل.
السؤال المطروح الآن هو: هل وثيقة quot;السلميquot; تستحق كل هذه الضجة؟ هل تتضمن الوثيقة علامات مضيئة قادرة على رسم وتحديد مواطن الألم في مصر، أم أنها مجرد وثيقة استرشادية؟

في ظني أن ما بني على quot;باطل فهو باطلquot; والعملية السياسية منذ بدء الاستفتاء على الإعلان الدستوري وحتى طرح هذه الوثيقة من اكبر الأخطاء التي ارتكبها المجلس العسكري، لأنه ليس من المنطق في إدارة هذه المرحلة في الحرجة في مصر أن تسير بظهرك، إذا كنت مصرا على ذلك، لابد أن تقع في حفرة أو تصطدم بعمود نور أو تلبس في سيارة وهو ما يحدث الآن، ولنأخذ المثل من تونس الأحزاب الثلاثة الكبرى الفائزة في الانتخابات اتفقت على تقسيم المناصب كالتالي منصب رئيس الجمهورية لحزب quot;المؤتمر من اجل الجمهوريةquot; quot;العلمانيquot; ويشغل المنصب quot;منصف المرزوقيquot;، ومنصب رئيس الحكومة سيكون لحزب quot;النهضة الإسلاميquot; ويشغله quot;حمادي الجباليquot;، ومنصب رئيس الجمعية التأسيسية لحزب quot;التوكل من اجل العمل والحرياتquot; والذي يمثل quot;يمين الوسطquot; ويشغله quot;مصطفى بن جعفرquot; ومهام هذه الحكومة إدارة المرحلة الانتقالية حتى وضع الدستور وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية.

اعتقد انه لو أصر المجلس العسكري على السباحة ضد التيار، لن تكون الانتخابات التشريعية حرة ونزيهة، سيتم إغراء المصريين بالتصويت لمصلحة الجماعات الدينية خوفا من عذاب في الدنيا، وخزي في الآخرة، وسنعود إلى الوراء فمنذ ثورة 52 كانت يتم تزوير الانتخابات تحت إرهاب الشرطة والبلطجة، أما الآن سيتم تزويرها باستخدام القوة الناعمة، وقد بدأ فعلا استخدام quot;منابر المساجدquot; في الدعاية الانتخابية، نحن نتفرج على وطن يسرق أمام أعيننا التي باتت مشغولة فقط بحذف كلمة من وثيقة السلمي أو تغيير مادة لا ترضي هذا الطرف أو ذاك، لماذا لا نستفيد من الأخطاء هل يفتقد أولو الأمر للذاكرة حتى تبقى حالة التخبط هذه، إن من يمسكون دفة الأمور في مصر لابد أن يعوا خطورة ما وصلت إليه البلاد، وان يتقوا الله في مصر لقد بات الوطن في مفترق طرق إما الصعود وإما الانتكاسة وما بين المصطلحين أجندات ومصالح داخلية وخارجية تتصارع على ارض هذا البلد كي يحدث الانفجار الكبير.

إعلامي مصري