quot;لو كنت محل الأسد لتنحّيتquot;..هذا ما قاله ملك الأردن عبدالله الثاني، في مقابلةٍ له أمس الإثنين مع هيئة الإذاعة البريطانية. quot;لوquot; الملك هذه، أثارت ردود أفعالٍ كثيرة، واستشاط له النظام السوري غضباً؛ هذا النظام المعروف بإعدام أو نفي كلّ من لا يوافق على قيادته quot;قائداً أوحداquot;ً، للدولة والمجتمع ولكلّ ما بينهما من وجودات وموجودات، والذي لا مكان لأيّ quot;لوquot; أو أخواتها في قاموسه السياسي، إطلاقاً، منذ تسلمه مقاليد الحكم في سوريا لأكثر من أربعة عقودٍ، لم يعرف فيها الشعب السوري سوى معزوفة واحدة لا شريك لها: quot;الأسد إلى الأبدquot;.

لم يكن في كلام الملك أيّ استفزاز أو أيّ محاولة quot;تدخلٍquot; في شئون سوريا، كما صوّره إعلام النظام، ولسان حاله، بقدر ما أنه كان كلاماً سياسياً، فيه الكثير من الودّ لسوريا شعباً وأرضاً وربما نظاماً أيضاً. الكلام جاء ودّياً، على أكثر من مستوى، ومؤسساً على قراءة سياسية، فيه الكثير من الواقعية والبراغماتية، إلى جانب كونه كلاماً فيه من الإسناد إلى التاريخ ودروسه وعبره، بما يكفي للقول بأنّ صاحبه يعيش كواحد من هذا العالم، يرى ما يراه الآخرون، ويتفاعل بما يتفاعل به هؤلاء.

كان من الممكن أن تحقق quot;لوquot; ودية كهذه، في وقتٍ سوريٍّ ضائع كهذا، بعضاً من مبتغاها، لو كان الأسد بالفعل ذاك الرئيس الذي يفكّر بما وراءها، ويسمع ويقرأ ما يجري حوله، كما يقرأه الآخرون. لكنّ العلة ههنا، هي أنّ الرئيس quot;الخارجquot; على العالم، مدججٌ بترسانة من quot;اللاءاتquot; النافية، نفياً أكيداً لكلّ من لا يقبل به، كquot;واحد أحد وإلى الأبدquot;، يحكم سوريا كما يشاء، إلى أن يشاء.

عقلية النظام السوري، مؤسسة منذ الأول من تأسيسه، على نفيٍّ لا يقبل أّي شكٍ فيه، أو أيّ quot;لوquot; افتراضية أو شرطية، من شأنها أن تجادل في شروط قيامه، لا نظرياً ولا ممارسة.

من هنا يمكن فهم quot;سياسة النفيquot; التي يتبعها النظام، من أوله إلى آخره،، طيلة عقودٍ من الإلغاء والإقصاء والمحو، المستمر والمتواصل، لكلّ ما من شأنه أن يهدد وجوده.

لا وجود، حسب فقه النظام، خارج وجوده. فإما أن يكون هو كلّ الوجود، في حدود وجوده الديكتاتوري، الذي لا يعلوه وجودٌ، أو لا ولن يكون هناك أحد. والحال، فإن النظام، حسب تصوّره، ليس مشروطاً بأي quot;لوquot;، لا إفتراضية ولا شرطية، لا من الملك ولا من سواه، وإنما هو quot;شرطquot; الوجود عينه: شرط وجود الدولة والمجتمع؛ الوطن والمواطن؛ السياسة والثقافة والإجتماع والملك والمال، فضلاً عن كونه شرطاً لوجود quot;الوحدة والحرية والإشتراكيةquot;. هو، إذن، أي شرط الوجود والموجود في آن.

لهذا تراه مرةً يمحي أوربا من على الخريطة، وينسى وجودها في العالم، وثانيةً يلغي غرب المعمورة مكتفياً بشرقها، وثالثةً يشطب على مجلس الأمن بأممه المتحدة، ورابعةً يهدد العالم كلّه بزلزالٍ أو حريقٍ في المنطقة لن ينجو منهما أحد، على حدّ تهديد الأسد، وخامسةً يلقي الجامعة العربية وعربها في أحضان quot;الصهيونية والإمبرياليةquot;، ثم يرمي بها وقراراتها التي quot;لا تساوي الحبر الذي كُتبت بهquot;، في أقرب سلةٍ للمهملات، وسادسةً يحكم على المعارضة بألف خيانةٍ وعمالة، وسابعةً يمسخ الشعب إلى quot;جراثيم بشريةquot;، لا بد من إبادتها، وثامنةً يقسّم الشعب إلى quot;شعب وطنيquot; وquot;شعب إرهابي عميلquot;...إلخ.

هكذا كان الأسد الأب، في إلغائه لكلّ ما ومن يقف في طريقه إلى quot;جمهوريتهquot; الديكتاتورية، فقضى على أقرب المقريبن إليه في الحكم، أمثال صلاح جديد ونورالدين الأتاسي، وصولاً إلى أخيه المنفي منذ أوائل ثمانينيات القرن الماضي، رفعت الأسد، إضافة إلى تصفيته وسجنه لآلاف المعارضين السوريين، لمجرد اختلافهم معه.

لم يكن للأسد الإبن بشار، أن يكون الآن رئيساً لquot;الجمهوريةquot;، بالطبع، لولا انتمائه إلى هذا الإرث الديكتاتوري الكبير، المؤسس أصلاً وفصلاً على quot;لاءاتquot; والده، التي قطع بها الطريق أمام كلّ quot;لوquot; مفترضة أو مشروطة، يمكن أن تحمل معها شروط الإطاحة به وبحكمه.

quot;لوquot; الملك، هي مفردة ليس من زمان ديكتاتورية الأسد، وقاموسها السياسي المسلح بجيشٍ من اللاءات النافية، التي تكفي لنفي كلّ العالم، كي يصحّ quot;صحيحquot; الرئيس، ولإلغاء كلّ العالمين أيضاً، فقط لكي يكون الرئيس.

شخصياً، كنت أتمنى على الرئيس الأسد أن يستجيب لquot;لوquot; الملك، ويستمع إلى نصيحته الودية، التي كان عليه سماعها منذ الأول من الثورة السورية، قبل أن يصبح الدم السوري هكذا كبيراً، يجري من شارعٍ إلى آخر. كنت أتمنى ذلك ولا أزال، ليس ودّاً ولا كرهاً بالأسد، وإنما حبّاً بسوريا والسوريين الذين من حقهم، أن يعيشوا ما تبقّى لهم من وطنٍ، بحريةٍ وكرامة ومساواة وحقوق مواطنة وديمقراطية.

كان من الممكن له أن يبقى quot;رئيساً سابقاًquot;، بدلاً من أن يكون quot;رئيساً قاتلاًquot;، كما هو عليه الآن، أو quot;رئيساً مقتولاًquot; كما يمكن أن يكونه مسقبلاً.
كان من السهل جداً عليه، أن يتجنّب كلّ هذا القتل الكبير، كي يجنّب نفسه والمقرّبين إليه، من قتلٍ أبشع وأكبر، كما حصل للرؤساء quot;القتلةquot; من قبله، مثل القذافي وأولاده، علماً أنّ القتل لا يمكن أن يمحيه القتل، كما أنّ الدم لايمكن غسله بالدم، فالقتل من أيٍّ أو بحق أيّ كان، هو في المحصلة مدانٌ، وخارج ثقافة الإنسان.
كان عليه أن يتنازل لشعبه كأي رئيس يحبّ شعبه ووطنه، لا أن يتكبّر ويتجبّر عليه، ويكرهه، كما ذهب إليه حتى الآن.
كان من الممكن له أن يوّفر على سوريا والسوريين، كلّ هذا الدم الكثير، وهذا القتل البشع، والصناعة المنظمة للكراهية والكراهية المضادة، كي يخرج الكلّ(بمن فيهم هو وعائلته) من كلّ سوريا بأقل قدرٍ ممكن من الخسارات والإنكسارات والإنهيارات.

لكنّ الأسد لم يفعل أيّ شيءٍ حتى الآن لتفادي ما كان يمكن تفاديه، وإنقاذ ما كان يمكن إنقاذه، ولن يفعل ذلك في القادم من سوريا، كما تقول حقائق نظامه وأمنه وشبيحته على الأرض، في عموم الوطن السوريّ.

الأسد لن يقبل، على الأرجح، بquot;لوquot; الملك، كما لم يقبل بquot;لوquot; الآخرين وأخواتها من قبل.
هو لا يزال، واثقاً كما يبدو، من لاءاته الكثيرة quot;النافيةquot;، التي ركبها ولا يزال، في فلسطين ولبنان والعراق، وعلى طول العروبة quot;العدوّةquot; للصهيونية والإمبريالية، من محيطها إلى خليجها.

هو لن يقبل بquot;لوquot; لا شرطيةً ولا فرضيةً، من أحدٍ، طالما هو مؤمنٌ بأنّ لديه من اللاءات النافيات، بما تكفي لquot;حرقquot; العالم، وquot;زلزلتهquot;، وخلق الفوضى في عموم المنطقة، وإدخالها في أكثر من مجهولٍ، كما جاء في آخر تصريحٍ له أدلى به لصحيفة الquot;ديلي تلغرافquot; البريطانية.

ليس لquot;لوquot; الملك أيّ محلٍّ من الإعراب في نحو الأسد، طالما أنه لا يزال مصرّاً على اختزال صورة وطنٍ كامل، في صورته quot;الضروريةquot; المرفوعة في الأعلى من كلّ سوريا.
ليس لquot;لوquot; الملك أيّ وجودٍ، لا شرطي ولا فرضي، في نحو الرئيس، الذي صدّق يوماً، ولا يزال وجوده quot;الضروريquot; في ثالوث النظام quot;الأقدسquot;: quot;الله، بشار، سوريا وبسquot;!


هوشنك بروكا

[email protected]