الصراع في الجامعة العربية وما خلفها، تجاوز محيط مدارك شرور الصراع الديني والقومي، فلم يعد حرباً مخفياً بارداً بين مفاهيم متابعي أبن تيمية وأئمة ولاية الفقية، ما بين المجسدين في الإله والمؤلهين للآل البيت، أنه صراع على البقاء في السلطة على بنية إستغلال الدين في نهب وتدمير الإنسان والوطن وتقزيم مفاهيم الحضارة الإنسانية تحت الشعارات القومية العربية، والصمود والتصدي للتدخلات الأمريكية والإسرائيلية، وفكرة الإسلام في خطر من جراء أجتياحات الغرب للشرق الإسلامي.
ورغم الخلفيات الواضحة لهذا الصراع للشعب السوري، لا تزال السلطة مصرة على عدم أظهار إقتناعهم بأن الشعب بأغلبيته الآن يقف وراء الثورة الشبابية ذات الأبعاد التكنلوجية، والصراعات الدينية والقومية والصمود والتصدي ليست هي التي خلقت الثورة الشبابية، ولا تزال ترفض مفاهيم الجدلية التي تفرض ذاتها بمسيرة أبدية، والتي جمعت منهما شباب الثورة مفاهيمها وأستلهمت عزمها وماهية قوتها وأساليب الحركة في الشارع بسلميتها، ولا ترغب بتبيان وعيها على أن المرئي الناطق، التلفزة المسيسة لم يعد لها تلك القوة في التأثير، كحلقة من حلقات الحفاظ على السطة من الإنهيار، أمام سلمية الثورة، والثورة السلمية التي استلهمت ركائزها وطرق نضالها من هدوء أنتشار الأفكار عن طريق الإنترنيت والتعامل السلمي الحضاري ما بين منابع ومراكز الثقافة والمتلقي، وكان الحاصل شباب في ذروة طاقاتهم الفكرية والجسدية، وهم في فترة زمنية محددة من العمر، فترة الثورة على المحيط المغاير لمفاهيمهم الخاصة والتي يُكَونونُها بذاتهم أو مع أردانهم، والتي لم تعد تؤثر فيهم مفاهيم الشبيبة والبعث وطلائع الصمود والتصدي...والتي كانت تلقن عن طريق البيانات الكلاسيكية الروتينية المملة والخطابات المتلفزة المحشوة بالوطنيات والصراع مع القوى التي لم تعد تعني لمفاهيمهم الإنترنيتية العالمية أي مغزى.
وما نراه يوميا على شاشة التلفزيون السوري المسيس والمبرمج بالجمود الفكري الإدعائي الدوغماتي، تأكيد على أحتضار مؤكد لنظام لم يعد يملك قوى التأثير على المجتمع السوري، وكأن السلطة وعيت على ذلك منذ بداية الثورات فأضطروا على استعمال القوة المفرطة والترهيب اللإنساني لإصباغ اللاعدالة الذاتية على مجتمع حتى البارحة كان ملك أفكارهم ومفاهيمهم.
الصمود والتصدي والذي لم يكن يوماً موجهاً بشكل عملي نحو الغرب أو الصهيونية العالمية، بقدر ما كان موجهاً للشعب السوري لإذلاله وتقزيمه أمام مواجهة طغيانه. فكما وظفت هذه السلطة المليارات للحفاظ على العرش توظف الآن إقتصاد الأمة بكاملها لدمار الإنسان والوطن.
وظفت في السابق سياسة عريقة في الترهيب، بين الدول العربية، ومنذ بداية الثورات الشبابية وفي مواقف إعلامية عديدة بينت عن هذه النوايا وبقوة، وعليه تمكنت بشكل ما أن تؤثر على العديد من الدول العربية، وكانت حصيلتها حتى اليوم ثمانية اشهر من القتل والتهجير والتدمير والإغتيالات والتعذيب في أرقة السجون المرعبة، وحصلت على صمت طويل حول إجرامها بحق الشعب السوري من العديد من الدول العربية والعالمية إلى جانب الصمت المخزي حتى البارحة للجامعة العربية، والتي سبقتها زيارات ومواقف غير مشرفة من أمين عامها quot; نبيل العربي quot; إلى آل الأسد في دمشق.
دول عربية كانت تؤثر السكوت على أن يلتهب شوارعها أو ترى الإغتيالات في صفوف سياسييها، وعلى رأس القائمة دول الخليج العربي، والرهبة لم تكن فقط من عصابات السلطة السورية بقدر ما كان من مجرمي حراس الأئمة الأيرانية، والذين لهم أشواق لرؤية الإمتداد الشيعي ضمن الصحراء العربية، ولا نستبعد العراق التي عانت الويلات من التصدير المنظم للإجرام إلى أراضيها من قبل الثنائي السوري والأيراني، وما موقفها المتذبذب سوى صراع مابين الرهبة من الإجرام المنظم والصمود في وجه طغاة سوريا أشباه صدام حسين.
هناك وأخيراً وفي الجامعة العربية تبينت مدى ضياع الورقة السورية، وظهرت مدى آثار الدمار الذي ألحقته هذه السلطة بالثقافة والسياسة والفكر الديمقراطي الذي كان يتمتع به الإنسان اللبناني، فمن بين جميع الدول العربية وقف وزير خارجية لبنان مع حكومة علي عبدالله صالح طاغية اليمن، ضد قرار تعليق عضوية السلطة السورية من جامعة المنظمات العربية وليست جامعة الشعوب العربية، والموقف بحد ذاته لا يحتاج إلى أي تأويل أو تحليل فقد كان الموقف معروفاً مسبقاً، وهي نتيجة ثلاثون عاماً من الإستعمار الأسدي، حيث هدموا في هذه الفترة أحد أهم أركان بنيان الدولة وهي حرية الرأي والتعبير وعدم قبول الإملاءات، ومزقت الثقافة اللبنانية المبنية على الديمقراطية الحضارية!.
ضمانات وتأكيدات من أعماق الشوارع السورية، ومن إرادة شباب الثورة رغم الخسائر الهائلة للشعب، أعداد الشهداء الذين يسقطون يومياً والمهجرين والجرحى والمعتقلين في السجون المرعبة، ورغم الدمار الهائل للبنى التحتية للعديد من المدن الصامدة أمام الإجرام المنظم، إضافة إلى ضمانات دولية تناوبت على الدول العربية، على أن السلطة السورية آيلة إلى الزوال، لم تتجرأ أغلب الدول العربية في حسم موقفها من السلطة السورية، فقامت بتعليق عضويتها وليس طردها، وعليه كان يجب سحب سفرائهم من دمشق مباشرة بعد الطرد.
رغم كل الحراك الدبلوماسي والنقاشات والحوارات بين الدول العالمية والعربية، وبين أطراف المعارضة الخارجية، وتأكيدات الثورة في الشارع السوري لا تزال السلطة السورية محافظة على عنجهيتها في القتل والتدمير، ولا تعير البشرية أي اعتبار، إلا أنها بهذه النوعية من الشرور تؤكد على حقيقة مسيرتها نحو الزوال، والنهاية تتوضح بعد كل حراك دولي أو داخلي من السلطة نفسها، وتصريحات بشار الأسد الأخيرة وتكرار تهديداته وتخويفه للمحيط الدولي بسوريا، تبين عن منطق واضح معروف لعلماء النفس وهي أن الصراخ الزائد أنعكاس على منطق الخوف والرهبة من القادم، وقد بين الرئيس اللاشرعي على أنه مقتنع في داخله على نهايته، ونهاية سلطته أصبحت واضحة لديه وما هي سوى مسالة تحديد الزمن، وإلى أي درجة تود هذه السلطة من تدمير الإنسان السوري والوطن قبل الزوال، ومن المؤكد ايضاً بانه سيعيد مسيرة آل القذافي في ليبيا وسيطبقها في سوريا قبل الأندثار.
مقابل هذه التصريحات اللاواعية من بشار الأسد والمزرية حول الدفاع عن المواطن بقتل المواطن، وأتهام شباب الثورة السلمية في شوارع المدن السورية بالإرهاب، والتبريرات المخزية لجرائمه وجرائم حاشيته على إنه دفاع عن الشعب السوري، مقابل كل ذلك نجد التباطئ في تفعيل القرارات الدولية ضد السلطة السورية، والأفظع الوضع المزري الذي توجد فيه المعارضة السورية في الخارج، والتي تبين عن مدى قدرة السلطة في أختراق هذه المعارضة، وخلق معارضة مواجهة للمعارضة، كقدرتها على أبطاء تفعيل الحراك الدولي، من حقيقة مواقف الدول العربية إلى مجلس الأمن إلى الناتو والولايات المتحدة الأمريكية إلى مواقف تركيا المتذبذة الغوغائية... ويتكرر السؤال: متى سينتقل القرار النهائي العربي والدولي من مرحلة الحفاظ على السلطة الأسدية إلى مرحلة إسقاطها ليكون مجاوراً لقرار شباب الثورة في أسقاط النظام؟ وهل فعلاً بدأ التفعيل الواقعي العملي لمرحلة اسقاط النظام من لحظة قرار تعليق الجامعة العربية لعضوية السلطة السورية؟!.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات