هكذا صحّت التوقعات وبانت الحقيقة المؤلمة جلية علي ضوء أشعة شمس حرية العشرين من نوفمبرالماضي التي لازالت ا تتوهج في قلب ميدان التحريرفي مصر الحرة، بعد أن ظلت تلك الحقيقة طيلة الشهور الماضية التي اعقبت ثورة يناير متوارية في ضبابية حكم الفلول التي تسترت تارة بلباس عسكري وتارة أخري بلباس مدني يتمثل في حكومة شرف العاجزة المشلولة، بل وكذلك في مناورات وإنقسامات الأحزاب الكرتونية المتحزبة ضيقة الأفق،التي لاهم لها إلا البحث عن مناصب شخصية ومقاعد فردية في انتخابات برلمانية دون إكتراث بمصلحة مصر العليا.

الحقيقة التي لا لبس فيها هي أن المصريين لن يسمحوا بإنتزاع الوطن منهم مرة أخري ولن يسمحوا لمن كان جزءً من نظام فاسد سابق في أن يسرق ثورتهم بلا أي ثمن ولا أي تضحية قدمها إنما كان تصّدره للمشهد واقع فرضته تتابعات الأحداث،لن يسمحوا بأي حال كذلك لمن يلبسون رداء الوعظ والإرشاد واللعب علي عواطف المصريين الدينية في الإنقضاض علي الحكم لنعود أدراجنا مرة أخري لديكتاتورية حالكة تحاكي ديكتاتورية مبارك ولكن بشكل آخر وإسلوب مختلف.

ثورة المصريين الثانية التي بدأت طلائعها في ميدان التحرير هي سبب مباشر لعدم تحصيل أي نتائج كانت مرجوة من ثورة يناير التي دشنها الثوار بأرواحم ودمائهم في وقت لم يكن فيه للأحزاب الورقية المصرية أي تأثير لا بعد الثورة ولا قبلها، ولا وجود فعلي لها في الشارع ولا تأثير بين الجماهير، هي فقط مشغولة بارتداء أثوابها القديمة ما بين دينية، علمانية، ليبرالية، يسارية، وفدية وغيرها من رداءات لا تشغل بال أحد ـإنما إنشغلت فقط بمستقبلها السياسي في مصر باحثة عن مقعد هنا أو مقعد هناك دون أن يكون لها إختلاط حقيقي بالشعب، ودون تبني مشاريع تقنع المصريين بالإلتفاف حولها أليس من العار مثلاً ان يعيش مصريون في المقابر وسط إهمال ونسيان تام لحقوق هؤلاء الناس ودون أن يتبني أيٍ من تلك الأحزاب مشكلتهم والبحث في نقلهم الي مساكن تليق بآدميتهم!.

في ظل غياب تلك الأحزاب التي لايؤمن بها أحد، سقط 33 شهيداً حتي الآن في ميدان التحرير بشكل وصورة منسوخة تماماً من صور عهد مبارك، والمؤسف أنها ستظل هكذا حتي يتم القضاء تماماً علي جزور الفساد التي أوصلت القتلة وأعداء الشعب المصري الي ذلك الوضع الذي مكًنهم من إهانة وتعذيب المصريين،فالتوريث كان إحدي أهم سمات عصر مبارك حيث كان يسير علي قدم وساق في الشرطة والجيش والقضاء وفي الفن والإعلام والجامعات وفي كل أوجه الحياة المصرية لذلك وفي تلك اللحظة الفارقة من التاريخ المصري الحديث هناك جيل ثاني من الفاسدين الذين وصلو الي مناصبهم العليا بالتوريث، هم بالطبع يدينون بالولاء للجيل الأول الفاسد الذي أوصلهم لحماية مصالحة وقد يستغرق الأمر وقتاً طويلاً للأسف حتي يتم التخلص منهم وتعود مصر طاهرة نقية ارضاً للصالحين وموطناً للمبدعين.

إذن لماذا لايتم الإطاحة بأفراد الشرطة الفاسدين؟ولماذا لا تتم محاكمتهم؟ ولماذا لايتم الدفع ببدلاء لهم من خريجي كلية الحقوق مثلاً وهم بالألوف !، لماذا الإصرار علي أنصاف الموهوبين الذين دفع بهم النظام السابق ليصبحوا في كل المواقع وهم مسلحون بعقيدة واحدة هي حماية النظام وليس حماية مصر؟

ليس العار فقط في القتل الذي حدث في ميدان التحرير ولكن العار الكبير أيضا يتمثل في إفتقاد القدرة علي إدارة البلاد من قبل المجلس العسكري وحكومة شرف في تلك المرحلة الهامة من تاريخ البلاد أو عدم محاولة خلقهم مناخ لإدارة البلاد أو حتي عدم اختيار حكومة وحدة وطنية من أناس بعينهم من ذوي العقول المصرية المميزة وهم كثر، حتي يمكنهم الإنتقال بالبلاد الي مرحلة الأمن والإستقرار، في وقت يعرف فيه الجميع أن مصرالحرة تتطلع الي حكم مدني محترم وديمقراطية قوية تسمح بالحرية ورفع الرأس المصرية التي هوت تحت هروات الشرطة سنوات وسنوات.
[email protected]