لا قيمة لدستور العراق ونصوصه عندما نُلاحظ صور التناقض التي هي الصفة المُلاصقة لطبيعة الكيان السياسي العراقي الحالي. وسيفشل كل من يحاول أقناعنا أنه أمرُ ُمتفق عليه لأنه يمثل شعب العراق أو يحاول أدخالنا دائرة الفشل. فلم أجد أي نص دستوري أو قانوني يبيح نهب ثروات العراق وسرقة موارده وتسليم طاقته البترولية الى دول وشركات، ثم الصراع على تقسيمه الى مقاطعات ومزارع بين أمراء العشائر والمليشيات السياسية المُسلحة.

وبداية، أوجز ماهو غير معروف تاريخياً للثورة العربية وهي مايطلق عليها عهود الأستقلال التي منحتها للعرب ألأتفاقيات السرية بين السير سايكس البريطاني والمسيو بيكو المفاوض الفرنسي بعد الحرب العالمية الأولى والتي بموجبها تم الحصول الوهمي على أستقلال العرب السياسي. والحقيقة التي أكتشفتها شعوب المنطقة هي عدم حصول أي دولة عربية حقاً على الأستقلال السياسي الوطني ولم تعرف أي منها طعمه منذ أنتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918. ولم يكن في كل ما حصلوا عليه أِ التخلص من السيطرة العثمانية التركية وأنضمام العرب للحرب الى جانب بريطانيا وفرنسا والخضوع أليهما تلاه التوسع الأمريكي سياسياً وأدارياً ومالياً الى يومنا هذا.

والنقطة الأساسية هي حال دول عربية تخوض اليوم صراعاً مريراً ضد حكامها للحصول على أستقلالها الحقيقي وتحقيق العدالة والحرية لشعوبها بالعنف والقوة وتأليب الرأي العام والألتفاف حول تصورات عقائدية قد تنجح أو تفشل. وحال العراق، الذي يهمني التركيزعليه، بعد أن تجاوز مرحلة الصراع ضد الدكتاتورية ووقع حالياً في أحضان الفتنة الطائفية والنزعة القومية وأرتشاف سموم التقسيم والتفتيت الاداري، هذا الحال يستحق كل صور الأعتبار والتأمل.

فمن الناحية الدستورية، لم يكن هناك أي قيمة حقيقية لدستور الكويت أو العراق عندما نجحتْ أمريكا في تحرير الكويت وفشلت في تحرير العراق. ولم يكن هناك قيمة لدستور مصر وتونس الذي ينص على حكم الشعب وتركه حكامه في فقر مدقع. والصورة الأعم والأشمل هي لو أستطعنا فهم الأطر المالية الدولية التي تتحكم بالصراع الذي تخوضه شعوبنا المتأخرة حضارياً وربط فهمهم لطرق التحالف والمصالح المشتركة بين الدول التي تسعى الى تحقق ألأستقرار السياسي وألأقتصادي لأولت هذه الشعوب أهمية تتجاوز النصوص الدستورية والتشريعات والشريعة التي تتصارع مع حكامها بشأنها ولاتجد من يلتزم بها. والنقطة الأخرى هي لو أستطعنا كشعوب وحكومات ( العراق على الأخص ) فهم ألية النظام المالي النقدي العالمي، لأدركنا أن العراق لايملك ثروته المالية (كلياً). فالأنظمة المالية الدولية وعقود الأستثمار التي تشمل التبادل التجاري وسوق العملات وعمليات القروض وطرق تسديد الديون وقوانين الأموال العربية المجمدة في دول الغرب ( العراق، ليبيا ) لها قوانين مُلزمة تؤطرها وتسيطر عليها بنوك عالمية، منها : صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) IMF و WB ) ومؤسسات أقتصادية أخرى تمتد من نيويورك الى تل أبيب وهونج كونج مروراً بالسوق الأوروبية. وقد تكتمل الصورة للقارئ بمشاهدة يوتوب والأستماع الى Big Oil، Big Banks.

هذه السيطرة تشمل المواد الخام (الطاقة، الذهب، الحديد، الخشب ومواد خام أخرى ) التي تسوقها دول العالم الثالث ويستغلها العالم الغربي مع وكلائهم وتجارهم في عالمنا العربي في عمليات نهب منظم بصيغ قانونية تعارفَ عليها الغرب. هذه البنوك مع شركات التأمين ومؤسسات أخرى تتحكم بألية تسويق الطاقة وصافي ماتحصل عليه الدول المصدرة للطاقة يُوضع وفق تخمينات مالية في Escrow وتقوم البنوك الدولية بجرد حسابات الشحن والتأمين والربح والخسارة والفوائد وتنظيم ألية الدفع، ولاتحصل الدول المالكة للمواد الخام من نصيب البيع أِلا مايُعلن في بيانات رقمية للمبالغ المُسددة لخزائن الدول المصدرة مُصدق عليها من خبرائهم الماليين ومن يضع يده عليها من أمراء وشيوخ الطوائف والحكام، كما رأينا حال مصر في عهد مبارك وزين العابدين والقذافي وصدام وخزين أبنائهم في المصارف الأجنبية. أنها حالة الأسترخاء المالي للوجود النفسي والفعلي والمصرفي والمالي لدول تتحكم بحكومات لاتمتلك الأرادة وتتاجر بمفاهيم الدستور والديمقراطية والفدرالية بعلانية وتلعن في نفس الوقت دول الغرب المتحكمة بثرواتهم وتتعامل معهم في العلانية quot;عندما يتطلب الأمرquot; والخفاء quot; عندما يتطلب الأمرquot; وهي في الحالتين تُجاهر وتتبجح بخدماتها للشعب برفع شعار quot;الشفافية والمصداقيةquot;.

وقد يكون من المؤسف أن نأخذ الرئيس الراحل القذافي كمثال فقد كان يلعن العملاء العرب الذين يتعاملون مع أمريكا في وقت وصل مالديه في البنوك الأمريكية الى أكثر من 17 بليون دولار بأدراكه الحسي ووعي مستشاريه بأمكانية تجميدها في أي لحظة، وهذا مافعلته الأدارة الأمريكية بتجميد الأموال الليبية في جميع البنوك الفدرالية والتجارية.

في النهاية، سواء أكان رؤوساء المجالس وشيوخ العشائر ورجال الدين العراقيين مع الديمقراطية والفدرالية أو ضدها فأن العراق الحالي ( بمجمله) أرضه، تاريخه، تراثه) مُعرَض (بضم الميم) الى صفقات شيوخ السياسة المحليين وقناعاتهم للعمولة والنسب المستحصلة من التبادل النقدي الدولي. ومع كل ذلك فأن أوهام النصوص الدستورية التي تثار بين الحين والحين والتحريض على أشعال حروب قومية ومذهبية ماهي أِلا حروب بين أشخاص وليس بين تمييز أي من العقائد السياسية والنصوص الدستورية هي الأفضل لمسيرة للديمقراطية والفدرالية وتحقيق العدالة الأجتماعية للقوميات. أن فقر شعب العراق يعود الى نصوص دستورية مفقودة أو قام بتشويه جماليتها وتجاهل قيمتها رجال مشاريع التجزئة الثقافية والقومية والجغرافية والاجتماعية.


[email protected]