بدأ الربيع العربي الذي انطلق من تونس ومصر برمي شظاياه على دول عديدة في المنطقة، ومنها المملكة الاردنية الهاشمية من خلال تظاهرات واحتجات شعبية تنطلق من فترة لاخرى، وترفع فيها شعارات ومطالب تطالب بالاصلاح والتغيير ووضع العلاقة بين الشعب والملك على أسس جديدة، وهذه المظاهرات مازالت على شكل مجموعات وغير مليونية مثلما حصلت وتحصل في القاهرة بساحة الحرية، والملاحظ ان التظاهرات الاردنية تنطلق بمشاركات عشائرية، وهذه هي السمة الجديدة فيها والتي تجعلها خارج سياق الثورات التي انطلقت بحضور شبابي واسع وبمشاركة شعبية كبيرة.

ولكن المميز الأكثر في النموذج الاردني هو الوعي وسمة اللاعنف والتنظيم الذي تتسم به الاحتجاجات والتظاهرات في عمان، وهذه النقطة الايجابية تسجل بتقدير للأردنيين، والايجابية الاكبر تميزا في هذه التجرية الجديدة على الواقع السياسي في العالم العربي هي ان الملك الشاب عبدالله الثاني يتفاعل معها بحسن نية وايجابية كبيرة تختلف عن اساليب التعامل للرؤساء المخلوعين علي بن زين العابدين وحسني مبارك والمقتول معمر القذافي مع الشعوب التي ثارت في تونس ومصر وليبيا، وتختلف عن الطريقة القمعية المتبعة في سوريا لبشار الاسد ونظامه القمعي الهاوي للسقوط وبعيد عن الاسلوب المتسم بالخداع والمماطلة لعلي عبدالله صالح مع الشعب اليمني الثائر سلميا ضد الاستبداد وفساد النظام.

ومن خلال قراءة الاحداث الجارية في المنطقة، واحتمال امتداد ثورات الربيع العربي الى دول مازالت ساكنة بحضورها، فان الحالة الاردنية تتجمع فيها صفات قد تجعلها مميزا لاحداث اصلاح سياسي وتغيير حقيقي في النظام والمجتمع بهدوء وحكمة بعيدا عن العنف الدموي الجاري في سوريا واليمن، والسمات يمكن سردها كالاتي:

1.التأييد والتفاعل الايجابي لرئيس النظام السياسي في الاردن الملك عبدالله مع مطالب الشعوب الثائرة في شمال افريقيا والشرق الاوسط.

2.تقبل مطالب التظاهرات والاحتجاجات للمجموعات الشعبية من قبل الملك والتعامل معها بمرونة وحكمة.

3.تفاعل الملك الايجابي مع مطلب المتظاهرين بازالة الحكومة والدولة المخابراتية من نظام المملكة والعمل على تحقيق هذا المطلب وفق رؤية اصلاحية شاملة لاحداث تغيير وتجديد في الاردن.

4.التفاعل المرن من قبل الملك للمطلب الرئيسي للمتظاهرين بنقل السلطة من النظام الملكي الى الشعب.

5.التعامل المرن للحكومة الاردنية مع التظاهرات من خلال فتح باب الحرية للتظاهرات والاحتجاجات دون ردود افعال واللجوء الى العنف، ولو ان التظاهرات في بدايتها تعاملت معها الحكومة بعنف.

6.الوعي السياسي للمواطن الاردني والاصرار على تحقيق الاصلاحات والتغيير باساليب مدنية وسلمية بعيدا عن العنف واللجوء الى رفض الحوار والتفاوض مع السلطة.

7.الضرورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمجتمع الاردني وضرورة احداث التغيير لتحقيق طموحات الشعب في الحرية والكرامة والعدالة ومحاربة الفساد وبناء بنيان نظام الدولة على اساس الدستور والشفافية والكفاءة والعدالة والمساواة.

8.التهيوء لتقبل التغييرات الحاصلة في المنطقة والتي ستحصل في المستقبل بهدوء واستيعاب اثارها الايجابية والسلبية بأقل ما يمكن كلفة.

9.ارساء نظام ملكي جديد في الاردن بصلاحيات محددة ونقل السلطة الفعلية الى رئيس منتخب من الشعب للسلطة التنفيذية الممثلة بالحكومة حسب الية دستورية قائمة على فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية مع تحديد للصلاحيات والمهام للملك ورؤساء السلطات.

10.استقراء استعداد ومطلب جماهيري للشعب الاردني لسن دستور جديد يستوعب التطورات والتغييرات الحاصة في عالمنا المعاصر ويلبي طموحاته وآماله في الحاضر والمستقبل.

باختصار هذه هي السمات التي نستقرئها من الواقع الاردني لاحداث تغيير جدي وموفق لصالح الشعب توازيا مع ثورات الربيع العربي في المنطقة، وهي في كل الاحوال في حالة تحقيقها تضمن انقلابا ربيعيا لارساء علاقة جديدة بين الاردنيين وملكهم قائمة على تلبي كل طموحات الشعب، ولا شك ان ارساء هذه العلاقة الحكيمة تتطلب التضحية بمسؤوليات وصلاحيات وسلطات من قبل الملك الشاب ونقلها الى الشعب استنادا الى آلية دستورية تضمن خياره بحرية لاختيار من يدير شؤونها كسلطة تنفيذية من خلال انتخابات نزيهة مضمونة بعملية ديمقراطية حقيقية مع ضمان الرمز الوطني والموقع الاعتباري للزعامة الملكية.

ولا بد من القول لو تمكن الملك عبدالله من ارساء هذا الواقع وفق هذه الرؤية للاردنيين وعلى أساس دستوري فان النموذج الاردني سيكون مميزا بالفعل بكل المعايير والمعطيات السياسية الراهنة، لانه يحقق فعلا انقلابا ربيعيا نموذحيا في منطقة تعاني الكثير من المشاكل والأزمات في تحديد العلاقة والسلطة بين الشعب والحاكم منذ خلافة الراشدين والى أول تنحي حكيم للرئيس المخلوع حسني مبارك كحاكم عربي تلبية لطلب الشعب، ونأمل من الملك الشاب عبدالله بن الحسين فعلا ان يكون القائد الحكيم الرشيد الذي تنتظره الشعوب الثائرة في ثورات الربيع العربي ومنها الشعب الاردني والذي مازال غائبا عن الحضور والظهور لحد الان.

كاتب صحفي ndash; كردستان العراق
[email protected]