التصريحات الاخيرة التي أطلقها وزير الاستخبارات الايرانية محمد مصلحي بخصوص مخاوف وزارته من أن (تشهد إيران ثورة شعبية عارمة على غرار الربيع العربي خلال الانتخابات التشريعية المقررة في الثاني من مارس/آذار المقبل)، وقال مصلحي ان(الاعداء يسعون لمد إضطرابات المنطقة الى الجمهورية الاسلامية الايرانية و دول محور المقاومة في المنطقة سوريا و لبنان.)، هذا التصريح الذي يلفت الانتباه جيدا الى مستوى القلق و التوجس اللذين يعتريان النظام الايراني، يمکن إعادة قراءته من عدة زوايا و جوانب لکن أهمها، و أکثرها حساسية هو ان مصلحي يقوم بعملية خلط و إدافة غير موفقة بين الثورات الشعبيةquot;الحقيقيةquot;وquot;الواقعيةquot;التي تجتاح المنطقة و بين ما أسماهquot;إضطرابات المنطقةzwnj;quot;، في إشارة واضحة لتصوير الثورة و الانتفاضة ان حدثت في منطقة نفوذ النظام الايراني فإنها تدرج ضمن نظرية المؤامرة الاستعمارية الغربية الصليبية الکافرة ضد الاسلام و المسلمين و ما وصفه بدول محور المقاومة في المنطقة سوريا و لبنان، هذه الرؤية بقدر ما تکتنفها من ضبابية و ديماغوجية واضحة، فإنها تهدف الى الى إظهار النظم العربية التي تواجه ثورات شعبية بأنها نظم دکتاتورية ظالمة، في حين أن النظام الديني الاستبدادي القائم في إيران و النظام الدکاتوري السوري القمعي و الحکومة اللبنانية الخاضعة للنظام الايراني، هي أنظمة وطنية و ديمقراطية و هناك مؤامرات ستحاك ضدها!!

هذا التفسير الاعرج و الاعور و البائس لما يجري في المنطقة، ومن خلال عملية إستقراء اولية له، هو تفسير فوقي و سلطوي لايمت لواقع المنطقة و المسار الاعتيادي لاحداثها بصلة، وانما هو خلط عشوائي و إنتقائي للأحداث و السعي للخروج بحالة او ثمة حل لما سيواجه دول محور(التآمر)و(خلق الاضطرابات)، ونقصد تحديدا النظام الايراني و النظام السوري و حزب الله في لبنان وليس الدولة اللبنانية، وبديهي أن مصلحي يريد تبعيضا واضحا في الثورات الشعبية التي تجتاح المنطقة ضد أنظمة الحکم الدکتاتورية القائمة، فهو لايريد أن يقبل بأن يعتبر کل مايجري في سوريا من عمليات قمع و إبادة لأبناء الشعب السوري، ثورة ضد النظام، وانما مؤامرة ضد دول محور(المقاومة)، لکن رويدا، مقاومة من؟ فإسرائيل قد أعربت لأکثر من مرة و على لسان أکثر مسؤول کبير(قلقها)على نظام بشار الاسد و رغبتها في بقائه، تماما مثل النظام الايراني، فعن أية مقاومة و مقاومة من يتحدث محمد مصلحي؟ يقينا ان النظام السوري لايقصد مقاومة اسرائيل وإلا ماکانت تتباکى و تلطم الخدود و تشق الجيوب عليه، کما انه لايقصد أيضا مقاومة الولايات المتحدة الامريکية التي مازالت العلاقات السياسية معها قائمة على قدم و ساق، وانما يقصد مقاومة الشعوب و خياراتها الوطنية المستقلة الحرة، وکما کان الحال مع تلك المواجهة الدامية و العنيفة لإنتفاضة الشعب الايراني عام 2009، فإن المشهد نفسه يتکرر حاليا في دمشق و کافة المدن السورية المنتفضة الثائرة بوجه النظام السوري، وان النظام الايراني يعلم جيدا بأن سقوط النظام السوري يعني بالضروة بدء العد التنازلي لسقوطه وبنائا على ذلك، فإن النظام الايراني يبذل کل جهوده و محاولاته المختلفة من أجل الحيلولة دون حدوث الکارثة بسقوطه، ولذلك، فمن الطبيعي و البديهي جدا أن يطرح محمد مصلحي وزير استخبارات النظام الايراني هکذا تفسير و تحليل للمشهد السياسي في المنطقة، رغم ان الخوف الاکبر لمصلحي و نظامه الديني المتطرف من خلفه هو اساسا من إندلاع إتنفاضة الشعب الايراني و تعريض أمن و استقرار النظام لخطر أکيد، ولاسيما وان بديل النظام الايراني المتمثل في المقاومة الايرانية مازال قائما و يمثل رقما صعبا على الارض و تمکنت من إستقطاب و لفت الانظار و الاهتمام الدولي إليها، وهو ما يقض من مضجع النظام الايراني و يقلقه أيما قلق، وان النظام الايراني بقدر تباکيه و مساعيه الحميمة من أجل الحفاظ على النظام الدکتاتوري في دمشق، فإنه وفي نفس الوقت يبذل أقصى جهوده من أجل إغلاق معسکر أشرف معقل المقاومة الايرانية و رمزها و مثلها الاعلى لإسقاط النظام الديني المتخلف و إقامة نظام ديمقراطي يحقق العدالة الاجتماعية و ينتصر لحقوق الانسان و المرأة على حد سواء، ويقينا ان النظام الايراني يقود حاليا حملة شعواء لاهوادة فيها من أجل أمرين هناك ترابط جدلي قوي بينهما، وهما:
ـ إنقاذ النظام السوري و السعي لعدم سقوطه بکل السبل و الطرق المتاحة.
ـ إغلاق معسکر أشرف و تشتيت سکانه و بعثرتهم أملا في القضاء المبرم عليهم فيما بعد.
لکن، وبحسبما تؤکد مختلف وجهات النظر و التحليلات و آراء المراقبين و الاوساط السياسية المعتبرة، فإنه لم يعد للنظام السوري و بعد حملات القمع و حمامات الدم التي أقامها ضد الشعب السوري الثائر بوجهه، أي أمل بالبقاء و انه لم يعد هناك من خيار أمامه سوى الاذعان لإرادة الشعب و قواه الخيرة و القبول بالخيار الوطني، لکن النظام السوري و ظنا منه بأنه قد يتمکن من إعادة سيناريو النظام الايراني بقمعه الوحشي لإنتفاضة الشعب الايراني عام 2009، فإنه يسعى للسباحة ضد التيار لعله ينفذ بجلده من المسلخ، لکن هيهات و هيهات من ذلك.

اما فيما يتعلق بمعسکر أشرف، فإن الاوضاع الاقليمية و الدولية القائمة لم تعد کما کانت عليه قبل بضع سنين، وان الاوضاع و الظروف العراقية و الاقليمية و الدولية التي هيأت لتنفيذ مجزرة 8/نيسان أبريل/2011، تکاد تکون مختلفة الان تمام الاختلاف، وان المنطقة و العالم برمته باتوا يدرکون بجلاء حقيقة مساعي النظام الايراني بأيادي عراقية من أجل القضاء على رمز و أمل مقاومة و صمود الشعب الايراني المتمثل بمعسکر أشرف، ولأجل ذلك فإن وصول النظام الايراني هنا أيضا الى هدفه ليس سهلا وانما صعب و معقد لکنه في نفس الوقت بحاجة الى موقف دولي أکثر صرامة و وضوحا لکي يرعوي النظام الايراني و يقف عند حده، إذ ان بقاء معسکر أشرف هو ضمان للأمن و الاستقرار و السلام في المنطقة.