أتساءل: هل الشعب المصري يُعاقب على تفريطه بحريته وسكوته على الإنقلاب العسكري عام 1952 على النظام الملكي الذي أسس للعصر الذهبي، وجاءت مجموعة من ضباط الجيش من أبناء القرى الفلاحية، ودمرت كل شيء حضاري؟!

وأتساءل مرة أخرى على الطريقة المصرية : ياجماعة معقولة مصر أم الدنيا يحكمها منذ عام 1952 ضباط الجيش. تلاعبوا بمصيرها وأدخلوها في حروب خاسرة، وإضطهدوا شعبها، وفاقموا مشاكله. مصر العهد الملكي أنجبت : نجيب محفوظ وطه حسين والعقاد وأنيس منصور وعبد الرحمن بدوي وأم كلثوم وعبد الوهاب وقائمة طويلة من المبدعين والمفكرين، اما مصر التي حكمها ضباط الجيش فأنجبت : اللصوص والبلطجية والمتملقين!

من الواضح ان الشعب المصري دخل في بداية حتمية الصدام المؤجل بين التيار الإسلامي والليبراليين، فالمعركة الحقيقية ليست مع المجلس العسكري، وانما هي الحرب الدامية التي لامفر منها لحسم الصراع على السلطة. اذ يبدو من معطيات الواقع إستحالة التعايش والإحتكام الى آلية الديمقراطية بين الليبراليين والإسلاميين وقوانين الواقع المصري تقضي بخوض معركة دموية : اما لحسم الأمور، واما لإدخال البلد في حمام دم متواصل سيؤدي الى تفكيكه والقضاء على مصر التاريخية.

في مصر كل الأحداث والتصريحات تشير الى إنعدام الثقة بين الأطراف المشاركة في العملية السياسية، يعزز هذا الأمر ضعف الإلتزام الأخلاقي والوطني لدى غالبية النخب السياسية، وويزداد الحال سوءا في ظل وجود مشكلة الطبيعة الإنفعالية المتطرفة للشخصية المصرية التي تتعارض مع متطلبات العمل السياسي الذي يستلزم الهدوء والعقلانية.


مشكلة مصر شبيهة بمشاكل الدول العربية الأخرى : فساد الأحزاب والساسة، وضعف مشاعر الإنتماء الوطني الذي يفرض التضحية ونكران الذات على المواطن، والعمل من أجل مصالح البلد. وبعد الإنقلاب العسكري للضباط قبل حوالي ستين عاما، وإستشراء الخراب الإجتماعي والسياسي... من المؤسف أصبح الشعب المصري بحاجة الى دكتاتور يضبط فوضويته بقبضة حديدية صارمة، فالديمقراطية خراب مدمر قادم على هذا البلد، ولعل تجربة لبنان وبعده العراق مع الديمقراطية وماصاحبها من مآسي ستتكر بصورة مضخمة في مصر.