عندما أستبشر كثير من ابناء الأمة العربية ببزوغ فجر ربيع عربي يحمل لهم بين ثناياه قدراً من الأمل في التغيير والأصلاح ساورت عدد غير قليل من المتابعين والمراقبين جملة من المخاوف التي ترتبط بهاجس مدى قدرة النخب العربية او المعارضة السياسية على انجاز رؤى وتصورات لملامح الغد المنشود.

ومن هذه الملامح هل نحن امام انتفاضات اصلاحية لجماهير سأمت من الاحباط وتوالي الفشل في التنمية والبناء ام نحن امام حالة ثورية اصطلح البعض بتسميتها بالثورات وهنا لنا وقفة فعن اي مقاييس نتحدث للحدث هل هو ثورة ام انتفاضة ومن المنطقي ان لا ننشغل بتحديد المصطلحات في نقاش بيزنطي فالمهم في الأمر ان الشعوب تواقة الى الأصلاح والتغيير بعد عقود من الركود وتكريس السلطة العائلية وتفشي مظاهر الفساد المالي والهدر في ثروات الأمة وتراجع مفهوم المواطنة وغير ذلك الكثير من عناصر الخلل والفوضى..

نجحت الانتفاضة في تونس سلميا في اجراء انتخابات مرضية وانتخاب مجلس تأسيسي بينما تحولت الاحداث في ليبيا الى حرب أهلية ربما سكنت مؤقتا الا انها تحمل معها بذور التفجر في كل حين بسبب الانتقام والتهميش واختفاء مضاهر الدولة بينما الأمر في مصر قد حسم سلميا عندما انحاز الجيش الى جانب الشعب وتولى السلطة على أمل إنجاز التغيير المنشود لكن الامور لم تسير مثلما يتمنى الكثير فقد كانت الليالي الدامية الماضية مؤشرا على القلق من المستقبل وعدم التيقن من تعهدات العسكر كما ان كثيرا من القوى الليبرالية والعلمانية والمجتمع المدني متخوفة من سيطرة الإسلاميين على مركز السلطة والقرار وتطويع الدستور لصالح هذه الغاية اما اليمن فهي بلد مشلول وربما الغد لا يحمل لها اخبارا سارة بسبب الصراع المحتدم بين السلطة والمعارضة وبين المعارضة التقليدية والحراك الشبابي في الشارع اما سورية الدولة المدنية التي قدمت نموذجا من التعايش السلمي ونجحت في تحقيق استقرار سياسي واقتصادي مقبول تتعرض اليوم لحملة من التحريض الخارجي من اجل هيمنة تيار ديني تحت لافتات مختلفة ومدعوم اقليميا الا ان هذا الحراك مع وجود مطالب اصلاحية غاية في الألحاح والمقبولية صار هذا الحراك مطية وطريقة لجذب التدخل الدولي وفقدان السيادة بل وصل الأمر بالمراقب العام للأخوان المسلمين في سورية السيد الشقفة ان يطالب تركيا البلد غير العربي بأحتلال بلده سورية واسقاط نظامها الوطني ووضع حزبه بديلا في السلطة تحت حراب المحتل الخارجي ايا كانت شعاراته وهويته ففي النهاية تركيا قوة اقليمية ناشطة لها اطماعها وسياساتها وهي ليست منظمة مجتمع مدني؟؟

نحن امام مرحلة من اختلال المنظومة الوطنية وغياب الرؤية واختلال في الفهم لما يجري بيننا وحولنا والا كيف يتم التحرير كما يدعون تحت حراب ورايات الأطلسي والاجنبي.. الدكتاتورية والحكم والسلطة مفاهيم قابلة للتغيير والأصلاح لكن كرامة الوطن وعزته فوق الشعارات والفوضى ولعل أمتنا وقواها ونخبها السياسية بحاجة الى وقفة للمراجعة وضبط ايقاع الشارع وتنقيته من البلطجية والغوغائيين والمحافظة على السلم الاجتماعي واعلاء المطالب بالاصلاح عبر الهدوء واعلاء الحكمة الم نكن نحن خير امة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر والنهي متدرج كما ورد في الفهم الصحيح للإسلام.. مقدراتنا وما انجزناه في عقود لا يمكن تحطيمه في فورات الغضب والجنون..

سلاما على العقلاء الذين ان لم يتداركوها فالعواقب كارثية.

[email protected]