لا غرابة في قرار الجامعة العربية القاضي بتعليق عضوية سوريا والتحريض المستمر ضدها تمهيدآ لتدويل ملفها وفتح الباب على مصراعيه لِتَدَخُل غربي في شؤونها بحجة حماية مَدنييها، فالنظام العربي الذي تمثله جامعة الدول العربية كمؤسسة لإدارة العلاقات العربية والتعاون الإقليمي وتوحيد روئ العرب في خضم تكتلات دولية قوية تحيط بهم قد أصابه التآكل والشلل مُنذُ أن أقدمَت مصر على توقيع إتفاقيات كامب ديفيد قبل أكثر من ثلاثين عامآ،علاوة على إنشاء مجلس التعاونالخليجي الذي نأى بنفسه عن كثير من القضايا العربية المصيرية وأصبح يعمل كمنظمة إقليمية منفصلة ليس لها علاقة مباشرة بقضايا العرب وهمومهم، كل هذه الأمور أدتالى نعي المؤسسة العربية منذ ذلك الحين ولم يبقى إلا دفنها ولو تأخر، وبقاءها الشكلي لهذا الوقت لا يخدم إلا مصالح الدول الكبرى التي تمرر مخططاتها وأجنداتها عبر هذه الجامعة التي أصبح عملها الأول إضفاء الشرعية وتوفير الأرضية للقوى الطامعة لإستهداف بعض أقطار هذه المنظومة المتهالكة، ولو قلبنا قليلآ في تاريخ هذه الجامعة ومواقفها فلا نجد لها أي موقف مشرف من قضايا العرب وحقوقهم بل بالعكس تمامآ وجدنا ترددآ وتخاذلآ وحتى تآمرآقل نظيره في كثير من الملفات، فهي عجزت عن تقديم أي حلول للقضية الفلسطينية، ولم تفعل أي شيئ في أزمة الصومال، وبقيت مُتَفرِجة وحتى مُتواطئة على تفتيت السودان،وشاركت بفاعلية في تدمير شعب العراق في تسعينات القرن المنصرم، ومهدت الأرضية للكارثة التي حلت بليبيا، والآن جاء دور سوريا آخر قلاع العروبة وحصنها الأمين لتنال جزاءها نتيجة لمواقفها.
وبعد أن أكَلَ الربيع العربيمصر وليبيا لم يبقى إلا مجلس التعاون الخليجي بِدُولهِ الست هي التي تُدير دفة الجامعة العربية وتتحكم في مصير دولها وتفرض ما يناسبها من مقررات على عملها بعد أن تراجع دور دولها المحورية العريقة نتيجة لظروف المنطقة والمخططات التي تحاك ضدها، فلا يُعتَقَد إن دولآ أخرى أعضاء في الجامعة كالصومال، وجيبوتي، وجزرالقمر وحتى موريتانيا والمغرب سوف يمتنعون أو يصوتون ضد قرار تتقدم به قطر على سبيل المثال تلك الدولة الصغيرة التي أصبحت تضطلع بأدوار أكبر من حجمها واضعة نصبأعيُنَها (النظرية الإسرائيلية في الهيمنة وفرض النفوذ والتأثير القوي) مستخدمة أذرعها الإقتصادية والإعلامية، حيث كان لها التأثير الملموس على تأجيج الإوضاع في مصر وبصمات واضحة على الأحداث المؤسفة في ليبيا والآن تحاول إستنساخ النموذج الليبي على الأوضاع السورية.
في خضم كل هذه الأحداث التي أشرنا اليها أعلاه لم يبقى لسوريا إلا التفكير جديآ بموضوع الإنسحاب من هذا الكيانالعربي الذي إنتهت مدة صلاحيته ولم يبق إلا أخذ العزاء فيه وأن تعمل جاهدة على تشجيع دولآ أخرى متضررة ومستهدفة للإنسحابوتشكيل تحالف جديد لا مانع من أن يَضُم اليه دولآ إقليمية لِلملَمة أوضاع المنطقة والحفاظ على ما تبقى من مصالحها والوقوف بوجه المؤمرات التي تحيط بها،والأهم هو تحقيق نوع من التوازن مع المحاور الأخرى الموجودة في المنطقة وهي لإنتهاج سياسة المحاور التي كانت مرفوضة سابقآ وأصبحت الآن ضرورة مُلِحة وخاصة على المستوى الشعبي وبقوة.
التعليقات