مجددا للثورة رب يحميها. هذا ما قلت آنفا وهذا ما يجب أن تدركه القوي الظانّة بأن مصر أثمرت وحان قطافها. من قلب ميدان التحرير حيث ساقتني قدماي كما هي عادتها كلما احتدمت الأمور، وشعرت بلهب الثورة يخفت أو يردم عليه بتراب الحمقي وقاذورات المتحولين المنافقين. ذهبت لأري المشاهد من حولي سبحان ربي الأعلي.. هي هي كما هي عند الخامس والعشرين من يناير..!

ربما تغيرت الرائحة أو ربما أزكم أنوفنا تلك القنابل الغازية الجديدة الأكثر ضررا وأذي فغابت عنا رائحة الميدان الأولي، أو لعلها رائحة الخوف القادم من خارج الميدان، ليس من الشرطة هذه المرة، ولكن ممن شاركونا بالأمس نفس المواقف، ونفس المطالب ؛ إلا أنهم خرجوا من الميدان ورفعوا الآن لواء القتال علي بلح المدينة..!

جرفتني قدماي ودخلت الشارع المحرم ( محمد محمود )، وبين صفوف الشجعان لا تسمع غير كلمة واحدة.. حرية.. حرية.. حرية. آهات وصرخات ومصابين وقتلي كل بضعة دقائق. وقبل أن يغمي علي وبعد أن أصاب عيني ما أصابها خرجت آسفا لأكتب مقالتي حتي أتطيب وأعود إلي موضعي في ميدان الحرية.

حقيقة أكره التنظير، ولذا فكل ما يمكنني وصفه للميدان ورجاله هذه المرة، ووفق ما أبصرت عيني وشعر به قلبي.. أنني كنت أمام بعث جديد للثورة.. ويمكنني الجزم بأن الثوار الحقيقيين قد عادوا ؛ ولكن عودتهم هذه المرة ستكون أقوي وأشد، كما أراها فضحت من جديد وبنفس الإرادة الإلاهية هؤلاء الراكبين على الأحداث، الذين أعلنوا قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير أنهم لن يشاركوا، وبعدما نجحت قالوا : كنا هناك من أول ساعة..! عاد هؤلاء ليقولوا أننا لن نشارك في مليونية الإنقاذ الوطني ومن الآن أؤكد أنهم سيقولون بعد أن يحقق الثوار كل مطالبهم، سيعلنوا مثلما أعلنوا.. أنهم كانوا هناك، ولولاهم ما نجحت الثورة..!

وفي الميدان وليتكم جميعا يا من خفتم علي أموالكم واستثماراتكم وظننتم أن مصر تحترق أو ستحترق أو في طريقها للاحتراق.. ليتكم كنتم في الميدان لتعرفوا أن المصريين من نوعية أبناء ميدان التحرير يستحيل أن يحرقوا مصر الوطن، وما جرأتهم أو زأرتهم إلا لأجلها وخشية علي مستقبلها ورغبة في أن يروها حرّة فتية. يريدونها دولة لا يستغبي شعبها ولا يقودها أعمي أو ثلة عميان.. يريدونها كما حلموا بها بعد نجاحهم في إزاحة رأس النظام الفاسد السابق، وقد أقيم فيها ميزان القسط ليحكم فيها بالعدل، وتبني حصون الأمن لشعب ذاق ويلات الخوف والإستعباد لفكرة حزب بغيض. ثم التنمية الإقتصادية التي تضمن للمصريين في وطنهم حياة كريمة تكفل فيها أولويات سبل العيش من ملبس ومأكل ومسكن ومشرب نظيف صحي، ومكان يتعلمون فيه.

ليتكم كنتم في الميدان أو علي الأقل تقرءون تاريخ مصر لتعرفوا أن مصر هي الدولة قبل أن تكون دولة. فالله يشهد والتاريخ العالمي أنه لا دولة في العالم عرفت وبقيت كما هي منذ نشأتها قبل سبعة آلاف عام غير مصر أو ( طيبة ). هي كنانة الله في أرضه، ولا أقول هذا شيفونية أو مغالاة ولكن حقيقة تاريخية واسألوا الهكسوس والصليبيين والمغول والفرنسيين والإنجليز والصهاينة من كسرهم واستأصل شأفتهم.. إنها مصر، وإنهم المصريين.

مصر التي ذكرها الله في قرآنه في غير ما موضع بالتلميح والتصريح ؛ وأكثر من هذا فلم يتجل اللهولن يتجل سبحانه إلا في أطهر بقاع الدنيا، فأين تجلي جلاله.. أليس في مصر؟!
واقرأوا إن شئتم قوله تعالي : ((وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ )) صدق الله العظيم.

أين كان هذا المشهد؟ أليس في مصر؟ فبالله عليكم هل يقبل الله أن يتجلي إلا في أطهر بقاع الأرض قاطبة؟!
مصر محروسة يا سادة.. اقرأوا التلمود والإنجيل وكل الكتب السماوية وكل الكتب التاريخية تدركوا أنها محروسة مصونة مصون ترابها وماؤها وشعبها. بل إني أدعوكم لتستعيدوا مشهد أحداث ماسبيروا ومقتل أكثر من 24 مسيحيا، وفي اليوم التالي لا تجد شيئا، وكأن شيئا لم يقع..!

تعالوا بلادنا واقرأوا عنا واقتربوا منا تدركوا أننا في مصر نقول مثلا شهيرا جدا ( تبات نار تصبح رماد )، هذه هي مصر، وهذا فكر أهلها وهذا ما قدره الله لها. إن من سيراهن علي مصر ورخائها واستقرارها سيربح من غير شك، ومن يظن أنه آذيها أو نائل منها أو ناخر في عضدها فقد خاب وخسر. فإن من أراد هذا الوطن بسوء قصمه الله.
وستذكرون ما أقول لكم.

صحافي وباحث مصري