هل ستكون كردستان العراق الدولة 195 في الأمم المتحدة؟ سؤال يتبادر إلى الذهن بقوة في ظل التطورات التي تشهدها القضية الكردية وثورات الربيع العربي، فالحديث عن إقامة مثل هذه الدولة لم يعد مجرد حلم أو من المستحيلات كما تحدث مرارا رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران الدكتور عبد الرحمن قاسلمو والذي اغتالته المخابرات الإيرانية في العاصمة النمساوية فيينا قبل نحو عقدين.

في الواقع، إذا كانت الدولة القومية الكردية تشكل تطلعا قديما- جديدا لمعظم الأكراد في تركيا وإيران والعراق وسورية فان الذي منع تحقيق هذا الهدف هو جملة من العوامل والأسباب،تتعلق من جهة برفض هذه الدول الاعتراف بالحقوق القومية للشعب الكردي باستثناء العراق الذي توصل خلال العقود الماضية إلى سلسلة اتفاقيات مع أكرادها كانت أبرزها اتفاقية آذارعام 1958 والتي نصت وللمرة الأولى على إقامة حكم ذاتي للأكراد. ومن جهة ثانية لاتفاق هذه الدول مع بعضها على محاربة النشاط القومي الكردي في المنطقة.ومن جهة ثالثة بسبب طبيعة العلاقات والتحالفات الدولية التي تبنى على المصالح وقد كانت هذه العلاقات والتحالفات على حساب القضية الكردية، بل ان الأكراد في الكثير من اللحظات التاريخية كانوا ضحية لها قبل ان تتغير الظروف خلال الفترة الماضية وتحديدا بعد حرب العراق الأولى عام 1991 حيث استفاد الأكراد من إقامة منطقة حظر جوي في الشمال والتي منها أنطلقت أولى خطواتهم لبناء الكيان الكردي،فكان اجراء انتخابات تشريعيةعام 1992 وتأسيس أول برلمان محلي ومن ثم حكومة محلية، فباقي المؤسسات من جيش وأمن واقتصاد وتعليم.. حتى ان منطقة كردستان العراق تقدمت في أيامنا هذه على باقي المناطق العراقية لجهة التنظيم والتطور والأمن والاستقرار والتنمية.

اليوم وبحكم تراكم هذه الخبرات من جهة والتطورات الجارية في المنطقة من جهة أخرى تبدو الظروف مختلفة، على شكل عوامل ممهدة أو مقومات لقيام دولة كردية في المنطقة وتحديدا في كردستان العراق، لعل من أهم هذه المقومات:

1- تفاقم الخلافات بين حكومة إقليم كردستان وبغداد على قضايا عديدة، لعل أهمها النفط وكركوك والمناطق الحدودية،واللافت في الجدل الجاري بين الجانبين اللهجة الندية والقوية للقيادة الكردية.

2- تجربة الحكم الناجحة نسبيا في كردستان وهي تجربة باتت تغري الأكراد للأستفراد بها بعيدا عن العراق ومشكلاته العديدة.

3- توفر الموارد الأولية من نفط وغاز ومياه ومنافذ وعلاقات تجارية قوية مع إيران وتركيا بما يعطي كل ذلك احساس بالقدرة على الاستقلال وامتلاك مقاوماته.

4 - مناخ الثورات العربية والتي فجرت مطالبة الشعوب بالحرية وطي صفحة الاستبداد مهما كان طبيعته وشكله.

5- تجربة استقلال جنوب السودان والتي تبدو بالنسبة لأكراد العراق مشجعة ومغرية خاصة وأنها تحققت بموافقة المركز ( الخرطوم ) والدول الإقليمية والمجتمع الدولي ودون إراقة الدماء.

هذه العوامل المشجعة،انضجت المطالبة السياسية لدى الجماهير الكردية بطلب الاستقلال وما نشوء حركة الاستفتاء ودعمها القوي لهذا الخيار الا تأكيد على هذا التوجه، ومن يدقق في حديث رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني قبل فترة حول حق تقرير المصير للأكراد وتأكيده مرارا على الحق القومي للأكراد بدولة الا انعكاس لتنامي هذا الخيار، بل أبعد من الأكراد تضافرت في الفترة الأخيرة العديد من الأصوات العراقية المطالبة بهذا الحق للأكراد، كالسياسي العراقي حسن العلوي بل وحتى السياسي الروسي الإشكالي فلاديمير جيرونوفسكي الذي طالب بوتين بالعمل على إقامة دولة كردية في كردستان تركيا.

دون شك، الحديث عن هذه المقومات والعوامل لا يعني ان كل الظروف باتت مهيأة لقيام مثل هذه الدولة، فالثابت انه رغم انشغال الدول الإقليمية ولاسيما إيران وتركيا وسورية بقضاياها الخاصة الا ان قيام مثل هذه الدولة يعني تغيير خريطة الشرق الأوسط وهو ما لا تقبل به هذه الدول، كما ان الظروف الدولية ولاسيما العلاقات المتينة بين واشنطن وأنقرة تقف عقبة في وجه الآمال الكردية، فضلا عن الرفض العراقي الرسمي لمثل هذا الخيار خشية من التداعيات.لكن كل هذا لايعني الحد من هذه الآمال والتي تتجه نحو المزيد من اكتساب المهارة وعناصر القوة،ولعل ثمة خيارات أو سبل يرى الأكراد انها ممكنة لتلمس طريق دولتهم، لعل أهمها:

1- احتمال تكرار تجربة جنوب السودان بما لهذه التجربة من مميزات إيجابية ومعطيات متوفرة لجهة تراكم الخبرة وتشابه العلاقة مع المركز.

2- تجربة التوجه إلى الأمم المتحدة لنيل اعتراف دولي على غرار التجربة الفلسطينية حيث التعاطف الأوروبي مع القضية الكردية كما ان لا إسرائيل هنا. 3- الإعلان من طرف واحد خاصة إذا تفاقمت الخلافات مع المركز على القضايا الخلافية ولاسيما كركوك والنفط.

هذه المقدمات والعوامل، تشكلان معا ما يشبه عجينة دسمة للتطلعات الكردية في إقامة دولة مستقلة، والثابت هنا ان هو ان مسألة إقامة هذه الدولة انتقلت من الأحلام والمستحيلات إلى تلمس طريق الواقع بحكم الظروف والمتغيرات.