قد يكون من المستحيل تصور ما يحمله الغد السوري ليس فقط بالنسبة لي بل بالنسبة لكل متابع و مهتم بالشأن السوري لِما تحمله الواقعة السورية و بكل دلالاتها السياسية و الاجتماعية و الجغرافية من تناقضات افتعلها و صنعها النظام البعثي في المجتمع السوري منذ أكثر من 40 عاماً.

لقد أثبتت وقائع الثورة وطرق تعامل النظام السوري معها و في معظم المناطق السورية بأنه بات يفقد صوابه الانساني، وبأنه غير قادر على استيعاب ما يحصل فالنظام الذي ملك الوطن و الشعب معاً ليقمع و يتحكم و ينهب خيرات الشعب باسم القومية و المقاومة و النضال و تحرير الاراضي المحتلة دون أن يستطيع أحداً محاسبته وسؤاله ثم ليؤطر كل جرائمه في قانونياً و دستورياً عبر المادة الثامنة من الدستور السوري التي تقر لهم بقيادة الدولة و المجتمع، إن هذه النظام بدا متحللاً و لم يعد بذات القوة و السلطة وهذا ما خلق له و لكل من يحيط به من مجموعات أمنية و اقتصادية متنفذة خللاً في التركيبة النفسية و الفكرية وصلت أعلى درجات المرض، فحالة النظام السوري و ما يصدر عنه من سلوكيات تدل على أنه في حالة تخبط عام لا يظهره، يعمل بكل الاحوال و مهما كان الثمن على استمرارية هذه الحالة القتل و ضرب كل معارض له لا بل هو على استعداد كامل للعمل على توسيع رقعة الحرب إلى خارج حدود الجغرافية السورية و تصريحاته الاخير عن الزلازل و الحرائق ما هي إلا دليل على الحالة المرضية للنظام السوري عندما اعتبراً نفسه القادر على فعل ما يريد.

عقود مرت و كل شيء جميل فقد معناه، الانسان لم يعد طبيعياً، الثقة بالنفس و بالآخر فقدت، و مقياس الانسانية و الوطنية انحصرت في الولاء للنظام أو عدم الولاء، امتد الفقر على امتداد الجغرافية السورية و امتد الغنى الفاحش عاموديا و ضمن بقعة أو مساحة جد ضيقة حدودها النظام و القلة القليلة التي تحيط به لكن غباء النظام كان أشد وطأة من جبروته عليه، فالجاه و المال أعمت بصيرته عن التاريخ و المستقبل و أنسته أن الشعوب هي أقوى من أية سلطة و أنه لا بد أن يولد من يرسم للشعب الطريق نحو الخلاص فكان quot; صلاح جديد، هيثم المالح، فاتح جاموس، محمد العبدالله، رياض سيف، جمال الاتاسي، سهير الاتاسي، وليد البني، كمال شيخو، مروان عثمان، حسن صالح، مشعل تمو، كما اللبواني، نجاتي طيارة و غيرهم... و غيرهم مع الاحترام لكل الشهداء الاحياء و الاموات quot;.

إلا أن مهمة هؤلاء و معهم الجمعيات و المنتديات و حتى بعض الأحزاب التي أوجدوها كانت صعبة للغاية بسبب سياسة القيضة الفولاذية التي مارسها النظام مع كل صوت جديد مغاير و مختلف و زج الكل في السجون و تعذيبهم... إلا أن و كقانون حتمي للتطور و الطبيعة ظهرت عوامل و اسباب كثيرة وقفت إلى جانب هذه النخبة السياسية ابتداء من التغييرات الجديدة في الفكر العالمي الجديد و مرورا بالثورة التونسية و المصرية و اليمنية حيث بدأ الخط الساسي و الثوري لهذه النخبة بالامتداد أفقياً و تأثر بها من عامة الشعب لتنفجر القنبلة الشعبية الموقوتة في وجه نظام تحايل و خدع نفسه قبل أن يخدع شعبه و العالم فانطلقت الشرارة الاولى في منطقة في قلب العاصمة دمشق بخروج نحو 200 شاب وشابة ليهتفوا : الله سوريا حرية وبس، الشعب السوري ما بينذل ظُهر اليوم الثلاثاء 8 / 3 / 2011 و هي مازالت مستمرة لتمتد على مساحة الوطن السوري و يكون وقودها إلى اليوم أكثر من 4500 شهيد و تدمير المدن و القرى الساخنة و التي تعتبر من أهم شرايين الثورة و بالتالي ليتقدم الاقتصاد السوري و ببطء إلى حافة الهاوية في ظل تعنت النظام السوري و ممارسته للحل الامني و التدمير الوطني و قتل الناس و زجهم في السجون لا بل و قتل الكثير منهم تحت التعذيب، إذا لماذا يصر هذا النظام غير العادي و الشّاذ على المستويين الجغرافي و التاريخي على قتل الشعب و الوطن معاً...؟؟ مقابل هذا العقلية الاجرامية لهذا النظام و تبرير بقائه بمبررات وحجج لا علاقة لها بالواقع لا من خلال الرؤية السياسية و لا من خلال الرؤية الدينية أو الاخلاقية، ماذا و كيف ستتعامل المعارضة السورية و الشعب السوري مع هذه المجموعة غير البشرية...؟؟ كيف ستتعامل مراكز القوى العالمية و الاقليمية مع الحدث السوري المفاجئ و المذهل...؟؟

إن إصرار النظام على متابعة الحرب ضد شعبه و بهذا الاسلوب الهمجي مبني على قناعة النظام الخاطئة على أنه مازال يملك الكثير من الاوراق الداخلية و الاقليمية التي تعطيه القوة في الاستمرار و البقاء، و أنه مقتنع أن وقف آلة القتل يعني تحرر الكثير من أطياف الشعب السوري الصامت من حالة الخوف المزروع فيه و بالتالي امتداد الحراك الجماهيري المعارض للنظام عمودياً و أفقياً و هذا ما يسرع في سقوطه و بالتالي محاكمته بالجرائم التي ارتكبها بحق الشعب السوري لذلك و كما تشير وقائع المشهد السوري و المعطيات الأخلاقية و النفسية للنظام بأنه لن يتوقف عن الحل الامني رغم قناعته بعدم جدواها ورغم قناعته بأن الشعب الذي صبر أكثر من 4 عقود على القمع و الاضطهاد و التعذيب و الاستبداد و الجوع و الحرمان لن يقبل بأن يكافئ بقتل أبنائه و أطفاله في الشوارع لمجرد مطالبتهم بالحرية و الكرامة و الخلاص من أجهزة المخابرات التي امتلكت أبشع و أقسى أساليب القمع و الارهاب. و بناء على مسبق يتبين لنا أن مراهنته على:

bull;موقع سوريا الجيوبوليتكي و التي استطاع النظام الاستفادة منه و التحكم به عن طريق تأثيره الواضح في العلاقات السببية بينها كسلطة سياسية حاكمة و الحيز الجغرافي الداخلي و الخارجي عبر مجموعة من المعايير و المفاهيم الاستراتيجية.
bull; إن التركيبة الأمنية للنظام و المبنية على الاستبداد و القمع وعلى شبكة المصالح المشتركة لأشخاص أو مجموعات معينة يفرض عليه الابتعاد quot; النظام quot; عن المعايير و المقاييس السياسية و الوطنية و الاخلاقية التي من شأنها أن تحدد الضوابط الوطنية و السياسية و حتى الاخلاقية في العقد الاجتماعي المفترض بين السلطة و الشعب.
bull; شبكة المصالح والعلاقات الامنية و الأيديولوجية القوية في الخارج السوري مع منظمات و أحزاب قومية و دينية عربية أسسها النظام السوري و دعمها من أجل حمايته فضلاً عن القوى الاقليمية المرتبطة مع النظام كإيران مثلاً و ما قد تقدم عليها هذه المنظمات و القوى الاقليمية من افتعال للأزمات و المشاكل بقصد إلهاء العالم عن ما يجري في سوريا أو بحجة مقاومة التدخلات الخارجية في المنطقة.

من أكثر الامور استغراباً و دهشة لا بل و استهجاناً في الثورة السورية هي حال المعارضة السياسية الداخلية و الخارجية quot; استثني من ذلك أهلنا و اخوتنا في شوارع المدن أي المتظاهرين quot; و ما تعاني من حالات غير طبيعية من انقسامات و تشرذمات و تخبط هي ليست ناتجة عن اختلافات أو خلافات فكرية أو سياسية بالمعنى العلمي لها، بل خلافات كما تبدو للمهتم و العيان أنها تكمن في النقاط التالية:

1.هذه المعارضة تعتبر بشكل أو بآخر نتاج ثقافة غير صحية لأسباب تاريخية كثيرة منها التأثير الكبير لحزب البعث العربي الاشتراكي في المفاهيم و العناصر المكونة لشخصية المواطن السوري و تفشي أمراض اجتماعية خطيرة و كثيرة مثل الاستعلاء على الآخر و استقصائه و الانانية وإلغاء الآخر و الادعاء بانه يملك الحقيقة و أن الآخر على خطأ و عدم الثقة بالنفس و بالآخر والعقلية المؤتمراتية و الفكر التخويني وكل هذه الخصائص و هذه الصفات هي نفسها من البنى الاساسية لحزب البعث أو النظام السوري.

2.و الحالة الاولى ولدت محاولة كل واحد من المعارضة الاستحواذ على مكاسب الثورة و الادعاء بأنهم هم الذي حققوها. و ظهور البعض على شاشات التلفزة على شكل أبطال و فاتحين لسورية دون أن يملك من القاعدة الجماهيرية سوى قريته أو عائلته أو عشيرته ( مع كل تقدير و احترام ) و التي تكون مشاركة حقيقة بالفعل الثوري الحاصل إلا أن هؤلاء الشخصيات المعارضة تستغلهم و تدعي قيادتهم و التواصل معهم و توجيههم.

3.التدخل الاقليمي الواضح و القوي في الشأن الداخلي للمعارضة بسبب وجود منظمات اقليمية بين صفوف المعارضة السورية و ارتباطها ايديولوجياً مع القوى الاقليمية كـ quot; الاخوان المسلمين quot; مع حزب العدالة و التنمية الحاكم في تركية ما يشكل هذا الارتباط ارتباكاً و تخبطاً للمعارضة في رسم سياسة مواجهتها للنظام السوري بسبب تدخل تركيا المباشر في آلية عمل المعارضة، ترفض أية آلية أو خطوة تتعارض مع مصالحها في الوقت الذي قد تكون هذه الخطوة مفيدة للمعارضة، وقد توافق على خطوة تضر بالمعارضة أو الثورة السورية و تحقق لها مصالحها، طبعاً ليس فقط بالنسبة لتركية بل بالنسبة لكل القوى الاقليمية.

4. و من السخرية أيضاً أن الخلاف بين أطياف المعارضة السورية و للأسف هو في مفردتي quot; اسقاط النظام أو تغيير النظام quot; و آلية تنفيذ الاسقاط أو التغيير في ظل عدم الفهم المعنى الحقيقي للمصطلحين و التي في النتيجة و على ضوء معرفتي باللغة العربية تربط المفردتين علاقة وثيقة و لا اختلاف كبير بينهما من حيث المعنى.

و هذا ما يزيد النظام قوة و تعنتاً أقصد قتلاً للشعب و بالتالي و على ما يبدو و حسب ما تشير معطيات المعارضة السورية العربية و الكردية منها أنها مازالت غير قادرة حتى الآن على ممارسة اللعبة بحرفية و اتقان بدليل أنهم مختلفون تقريباً في كل شيء ما عدا اسقاط النظام أو تغييره أو نسفه في ظل الغياب الواضح لآلية السقوط أو التغيير وهذا يضعف من موقف المعارضة أمام مراكز القرار الدولي و الاقليمي لمساندتها و من أجل دعم شعاراتها و نضال الشعب السوري في تحقيق الحرية و الديمقراطية وبالتالي العمل لتهيئتها للمرحلة الانتقالية المفترضة... القاسم المشترك بين أطياف المعارضة هو المراهنة على كم عدد الشهداء الذين يسقطون ليكتسبوا أكثر عطفاً أو تضامناً من المجتمع الدولي و العربي و توظيف هذا العطف و المساندة في دعم مشروعهم السياسي المعارض سواء كان سقوط النظام أو تغييره و لعل ظهور المئات من الشخصيات المعارضة على الفضائيات و بنفس الصفة التمثيلية / ممثل أو الناطق الرسمي باسم الثورة السورية / أظهر بوضوح هذا التخبط في عمل المعارضة، فضلاً عن الممارسات و الاطروحات التي تطرحها بعض الاطراف في المعارضة السورية و غير المبررة.

يأتي هنا القضية الكردية بكل دلالاتها السياسية و الوطنية و التاريخية كأخطر قضية وطنية سوريا فيما لو يقيت المعارضة العربية السورية و خاصة القوميين و الاسلاميين منهم كما كان النظام السوري بعيدة عن تفهمها واستيعابها في إطارها السياسي و التاريخي و الوطني و سيترتب على ذلك نتائج خطيرة، و أن ما يطرحون من مبررات في عدم توضيح موقفها من القضية الكردية بجلاء و دراستها بالشكل المطلوب يأتي في إطار هروبها من المنطق و الواقع كما كان النظام يبرر ذلك بالمواجهة مع اسرائيل و المعركة الكبرى.

إذا في ظل تعنت النظام و فقدانه لعقله و إصراره على الحرب ضد شعبه و إصرار الشعب على النصر و استمرار الثورة لتحقيق أهدافها في الحرية و الكرامة تلوح في الافق بوادر حرب سورية سورية شبه مؤكدة لكن... في حدها الاقصى لن تكون أهلية أو طائفية بل ستكون بين طرفين غير متكافئين على الأقل في الوقت الحالي و قد تتكافئ الطرفان في المستقبل الطرف الاول هو النظام و هو المسبب الاساسي في كل ما يجري و الآخر الجيش السوري الحر الذي يدّعي تمثيله المعارضة العربية و تدعي هي أنه يمثلها في حين أشك و بالمطلق أنه سوف لن يمثل كل المعارضة السوري على الاقل منها الكردية في حال تطورت الاوضاع العسكرية في سوريا كما أنه لن يمثل الكثير من الانتماءات الاجتماعية و الدينية الاخرى نظراً لطبيعة التوجه الديني لهذا الجيش و لعل هذه الطبيعة هي من أكثر الاسباب التي ستفقده الخاصية الوطنية. و سيدخل في هذه اللعبة الخطيرة و بحجة الحفاظ على مصالحها القومية و الوطنية العليا لاعبين اقليمين و دوليين طبعاً لن ننسى النظام الذي سيجر الكثير من المغامرين العرب من أمثاله إلى الحرب هذه و الذي سيدفع الثمن تلك الامهات السوريات و الاباء السوريين و الشباب وكل المستقبل السوري أمر لن نرضاه و لن نقبل به و على المعارضة أن تكون حذرة جداً في التعامل مع هذا الحدث و لعل تجربة الجامعة العربية هي من أكثر الاساليب الواقعية للتعامل مع نظام فاقد لكل شرعية و أن التعامل مع هذا يجب أن يكون بعقلية واقعية و ليست انتقامية كي نتفادى و نمنع ما بفكر النظام فعله بسوريا.