لا شك أن الأزمة السورية دخلت مرحلة جديدة، وبدأت تجلياتها تظهر في أكثر من بلد عربي، سيما المجاورة لها. فالساحة اللبنانية لطالما نظر إليها على أنها الحديقة الخلفية لسوريا، وما يجري في دمشق يسمع صداه في بيروت.

حبس اللبنانيون أنفسهم كثيرا منذ بدء الحراك الشعبي في سوريا، وظلوا على مدار ثمانية أشهر يتابعون بقلق وحذر وخشية من امتداد العنف إلى لبنان. ويترقبون الوقت الذي تأتي فيه كلمة السر لبدء التصعيد.

يبدو أن ظروف التصعيد في لبنان ضد سوريا وحلفائها باتت مهيأة، إذا ما نظرنا إلى الوضع الإقليمي والدولي. جامعة الدول العربية أقرت حزمة من العقوبات ضد سوريا، وتركيا والدول الغربية دخلت على خط الأزمة بقوة، من خلال التمويل والتنظيم والحشد الدولي.

أمام هذا المشهد، فإن لبنان لم يعد بمعزل عن الصراع الدائر في سوريا، ولم يعد الرئيس نجيب ميقاتي قادرا على مواجهة الضغوطات السنية والعربية والدولية بخصوص المحكمة. فالمحكمة هي كلمة السر والامتناع عن التمويل تعني مغامرة، لا يمكن لميقاتي تحمل تبعاتها. كذلك، فإن مستقبل ميقاتي السياسي بات على المحك، في ظل استشعار الأخير قرب نهاية النظام السوري، وحرصه في الوقت نفسه على حفظ خط الرجعة. لذا على ميقاتي أن يختار: إما البقاء على رأس الحكومة وتحمل تبعاتها السياسية والاقتصادية والأمنية إذا ما رفضت تمويل المحكمة؛ وإما الاستقالة، والنأي بنفسه عن صراعات الأمم وحساباتها.

على الأرجح، سيختار ميقاتي الخيار الثاني، والحكومة ستستقيل في الأيام المقبلة، لأن حزب الله لن يقبل بتمويل المحكمة، وميقاتي هدد بالاستقالة في حال لم يقر البند التاسع والأربعين على جدول أعمال مجلس الوزراء الخاص بالمحكمة. وعون مستنفر لأن وزاراته لم تستطع تحقيق أي من برامجها الإصلاحية كما يقول التيار الوطني الحر.

لبنان مقبل على أزمة سياسية معقدة، وفراغ دستوري، ربما تستمر حتى العام 2013. وبدأت قوى 14 آذار تبحث عن ما بعد استقالة ميقاتي بصفته نصرا حققته هذه القوى. لكن من الواضح أن تيار المستقبل وحلفاءه لا يملكون حتى الآن رؤية سياسية واضحة تمكنهم من استلام السلطة، لذا عليهم في الوقت الراهن أن يكتفوا بالجلوس على مقاعد المتفرجين ويراقبوا ما يحدث في سوريا من تطورات، و الآثار التي ستنجم عن الزلزال السوري. ولا بأس أيضا من تنظيم بعض المظاهرات المناهضة للنظام السوري لتنفيس الاحتقان وتفريغ شحنات الغضب التي اختزنها جمهورهم مذ أقصي سعد الحريري وحلفاؤه عن الحكومة.

لبنان دخل مرحلة حرجة، والجميع استنفر كل قواه ويضع يده على الزناد، وبالتحديد حزب الله الذي يعتبر نفسه مستهدفا أكثر من غيره، لأن التجربة التاريخية في لبنان عودتنا أن التوترات السياسية والشحن السياسي سرعان ما ينقلب إلى توترات ومواجهات على الأرض. وما يزيد الوضع تأزما، أن تحالف قوى الممانعة بات على مفترق طرق، في ظل ازدياد الضغوط الدولية والعربية عليه، وحزب الله يعتبر نفسه مستهدفا إلى جانب سوريا.

الأكيد أن لبنان يسدد اليوم فاتورة الهيمنة السورية على قراره السياسي لعقود مضت، وعليه أيضا أن يسدد فاتورة السياسة الكيدية التي ساهم النظام السوري في تأجيجها بين الأطراف اللبنانية. الآن حان وقت الثأر وتصفية الحسابات، هذا ما تصدح به أوساط 14 آذار. ويأمل الكثيرون منهم أن تكون التصفية هذه المرة شاملة وحاسمة. لذا فإن لبنان في المرحلة المقبلة مقبل على مرحلة خطيرة وحساسة جدا، أبوابها مفتوحة على كافة الاحتمالات.