تتوالى أنباء المؤامرة البعثية و ما رافقها من أعتقالات المئات من الأشخاص، ومن ثم تعليقات السياسيين والصحفيين و المفكرين وغيرهم وكلها تدور في فلك واحد هي القبول بما أعلنت عنه السلطة. و توقعت أن الأمر زوبعة في فنجان ولكن الأمر أستمر ومع الأسف كانت معظم التعليقات والكتابات ذات طابع شعارات وصراخ وقسم منها دعوات للأنتقام مرافقة لتصريحات العديد من المسؤولين.

البعث كحزب أيديولجي و صاحب عقيدة تتمثل بالأساس بالوحدة والحرية والأشتراكية، أمن بها عدد واسع من الشابات والشباب وفي خضم العمل الوطني السري الذي أنتهى مع ثورة (أنقلاب) تموز، وأول تصدع حصل داخل البعث من الناحية الفكرية السياسية عند لقاء عفلق مؤسس الحزب بعد أسابيع من قيام ثورة تموزفي فندق بغداد مع قيادي الحزب و كادره المتقدم، والتي كانت بالأساس موجهة للهجوم على الشيوعين حلفاء البعث قبل تموز، هذا التصدع تحول الى صراع زمر و كتل مختلفة تحمل أسم حزب البعث بعد أنقلاب شباط 1963، ولم يكن صراع هذه الكتل من أجل نقاوة العقيدة البعثية بل من أجل السلطة والمحورين الأساسين كان زمرة عفلق ndash; البكر ومن الجهة الثانية كان هناك محور علي صالح السعدي و مجموعة شباب البعث مثل أبو طالب الهاشمي وغيرهم و بقيت مجموعة ثالثة تناور من أجل مراكزها في السلطة تنتظر من يفوز لتنحاز اليه.

أنتصرت زمرة البكر وبدأ الصراع هي الأخرى داخلها، خاصة وأن مهمة البعث أنتهت بأسقاط نظام قاسم ومذبحة الشيوعيين وجاء أنقلاب عبد السلام عارف الذي أطاح بكل الزمر البعثية التي تشرذمت تحت عناوين و قيادات عدة الى عام 1968عندما جاءت زمرة البكر- صدام الى السلطة عن طريق أنقلاب القصر لتبدا من جديد مرحلة جديدة للتصفيات داخل هذه الزمر وأنتصرت زمرة صدام حسين الذي قام بتصفياته الواسعة داخل مجموعة حكمه و قيادته القطرية.

في خظم هذا الصراع الزمري كان هناك العشرات من البعثيين المؤمنين بالوحدة العربية بشكل خاص حاول هؤلاء تحريك العمل الوحدوي وأدت الى تصفيتهم مثل فؤاد الركابي و خالد علي الصالح وغيرهم وجاء ت تصفيات القادة القطرية هي الأخرى ومن أسبابها التطلعات الوحدوية للبعض منهم.
.
أحزاب شمولية في العالم سارت بهذا الطريق عندما تفقد الأيديولجية والعقيدة موقعها لتحل محلها هدف واحد ألاوهو الأمساك بالسلطة حسب فلسفة ميكافيلي في كيفية البقاء في الحكم والتي تبرر أي شيئ في سبيل البقاء على رأس السلطة.

وليس حزب البعث الوحيد أو الأخير في مضمار التشقق وقيام الزمر والتخلي عن العقيدة لدى قيادته في سبيل الحكم أذ أن هناك أحزاب عقائدية في العالم سارت على نفس المنوال وأنتهت الى الفشل في تطبيق مبادئها أو الأحتفاظ بالسلطة.

أستلم البعث السلطة في العراق في عام 1963 ليس نتيجة شعبيته ولا تدبيره أو تخطيطه ( حاول أن يخطط وينفذ في محاولة أغتيال عبد الكريم قاسم و فشل ) بل جاء الى السلطة نتيجة الدور الواسع للمخابرات الأميريكية و دور السيد ليكلاند في السفارة الأميركية في بغداد والذي سماه عبد الناصر صانع المؤامرات، أذ استطاعت المخابرات الأميركية تشكيل جبهة واسعة ضد قاسم تداخلت بها المخابرات المصرية والآردنية والكويتية والأيرانية كما ساهم بها الحزب الديمقراطي الكردستاني عبر عن قصر نظر قيادي هذا الحزب أذ ما أن أستقر قيادي الأنقلاب في الحكم حتى شنوا هجوما على كوردستان وبقوات ووحشية أضعاف، أضعاف ما قام به قاسم.

أما أستلام السلطة من قبل زمرة البكر ndash; صدام في عام 1968، هو ألأخر جاء بتدبير اميركي ndash;بريطاني، وتشير التقارير أن قيادات في الأدارة ألأميركية شعرت أن حكم عبد الرحمن عارف ضعيف و تصاعد نفوذ الشيوعين في الشارع و حصول مرشحي الحزب الشيوعي في الأنتخابات الطلابية التي جرت عام1967 على أغلبية المقاعد، و دعوات الحزب الشيوعي الى العمل الحاسم، قررت الأدارة الأميركية العمل على الأطاحة بنظام عارف و تسليم السلطة لزمرة البكر-صدام بالتعاون مع بعض العسكريين ممن لهم أرتباطات خارجية.

لذا القول أن هناك مؤامرة بعثية ما هو ورقة تين متهرئة يحاول القائمين على العملية السياسية في العراق أستعمالها لتغطية فشلهم في الحكم وادارة شؤون العراق من عام 2003 الى يومنا هذا، لقد سبقهم الى ذلك حكومات عراقية كانت وكلما أزدادت نقمة العراقيين تلجأ بالصراخ حول القضية الفلسطينية و تحرير فلسطين و تعلن الأحكام العرفية ولم تفلح معها تلك الأساليب.

لم يبقى هناك بعث بل زمرة متناحرة ضعيفة متشرذمة، ولم يأتي من سبقهم من زمر بعثية للسلطة بتدبيرهم وقواهم فعلام هذه الضجة المفتعلة.
بقيت قضية القوائم التي جاء بها محمود جبريل الى العراق كما سربت الصحافة العراقية وأوساط حكومية فجوابها عند السادة صلاح عمر العلي و محمد الدوري و عبد الحسين شعبان وزملائهم في الوفد الذي سافر الى ليبيا و قابل القذافي في 1910 والقى أمامه الخطب العصماءو طلب العون والمساعدة، ومن المعروف عن القذافي أنه كان يدفع و مقدار الدفع يعتمد على عدد الأسماء و صفتهم من عسكريين أوشيوخ عشائر ويقال أن هذا الوفد قدم اسماء مجهزة مسبقا وبالمئات لأشخاص قد لا يعلمون أن أسمائهم بيعت و قبض ثمنها، ليأتي محمود جبريل بالقائمة التي عثر عليها بين أوراق القذافي و معا ونيه و يفضح حقيقة المتاجرين يأسماء الناس والقضية العراقية.

القائمين على العملية السياسية في العراق يبحثون أي شيئ يبعد فكر الناس وأنظارهم عن واقعهم المؤلم، أستعملوا هذه ألأسماء ورقة تين ونحن بأنتظار ورقة تين متهرئة جديدة أفضل من قضية البعث فهم على علم أن أسم البعث منبوذ في العراق والعديد من زمرة صدام وأعضاء حزبه انتمى الى الأحزاب السياسية القائمة في العملية السياسية ومن هم في السلطة.