بداية يجب الاعتراف بأن العلاقة بين العراق وسوريا لم تكن في الأغلب على وفاق دائم، بل هي تأخذ منحدرات ومسارات الظروف التي تعصف بالبلدين وينعكس ذلك على مجمل قرارهم السياسي، وهذا لا ينعكس مطلقا في العلاقة الودية بين الشعبين (إلا ما شاب) فمهما زادت حدة التوترات السياسية وتصعيد حدة الحوار وتبادل الاتهامات والاغتيالات، فإن مسار العلاقة والود لم ينقطع، بدليل توافد السوريين إلى العراق منذ مطلع الستينات وبداية السبعينات والثمانيات، فيما شهدت المدن السورية هجرة عراقية جماعية بعد تصاعد حدة العنف والتفجيرات والقتل على الهوية في الصراع الطائفي الذي شهده العراق عقب سقوط النظام ودخول القوات الأمريكية.
ولان سوريا بلد مجاور للعراق، وما يحدث الآن في سوريا اليوم بالتأكيد ستكون له انعكاسات سلبية على العراق فالخوف قائم على أساس قناعة راسخة حكوميا وشعبيا بعد أن كان العراق بعد التغيير وسقوط النظام السابق مكانا للعنف والتفجيرات والقتل عبر تسلل الإرهاب إليه عبر المنافذ الحدودية مع سوريا بحجة مقاتلة الأمريكان، لكن في واقع الحال فان القتل كان يوجه للعراقيين دون تمييز، لذلك لا بد من عرض بعض الاعتبارات كون سوريا منطقة فاصل جغرافية مهمة لدول الجوار لاستقراء ما هو متوقع لهذه الأزمة التي باتت تنذر بالخطر، فموقع سوريا الجغرافي يمس مصالح جميع دول الجوار من الناحية الأمنية والاقتصادية، إذ فان علاقة العراق الحالية مع سوريا وبغض النظر عن الخلافات التاريخية فانه يرفض أي تدخل أجنبي في سوريا وموقفه الأخير في الجامعة سواء في قراراتها السياسية أو الاقتصادية فقد كان المتحفظ الوحيد من بين الدول العربية، وله مبررات بقناعة كاملة كما ورد في حديث السيد جلال طالباني الأخير للإعلام من تزايد المخاوف من تغير محتمل وهيمنة السلفيين والمتشددين على السلطة الذين سيكون لهم أصابع في إعادة الوضع إلى ما كان عليه في العراق في 2006 و 2007 حيث إن الحراك الجاري في العراق اليوم وعلى ضوء التغيير الحاصل نتيجة الانسحاب الأمريكي الكامل من المدن العراقية وتراجع الدور الأمني لهذه القوات، واستلام زمام المبادرة بالقوات العراقية على صعيد الشارع العراقي يفرز كل يوم واقعا ومعطيات جديدة في التعامل بين الكتل السياسية التي تختلف وتتصالح ربما بعد الخروج الكامل للقوات الأمريكية، وبذلك ربما تبطل حجج الذين يحملون السلاح وينصبون المفخخات، إلا إذا كانت هناك أغراض أخرى القصد منها إفشال التجربة الديمقراطية والعودة بالبلد إلى القهقرى، وهذا يتطلب حسما وشدة في التعامل مع هؤلاء سواء من الحكومة أو الأحزاب المؤتلفة معها والقوى السياسية الأخرى.
قد أستشهد بموقف حدث لصديق لي كان قادما إلى العراق من استراليا عبر سوريا التي وصلها ظهرا وحان وقت الصلاة، يقول : ذهبت إلى مسجد الأمويين في دمشق لأداء صلاة الظهر برفقة صديق لي كان ينتظرني في دمشق، وحينما أكملنا أداء الصلاة كنت أهم بمغادرة المسجد لكن لفت نظري جلوس المصلين في حلقات حول رجل دين ملتح، انتبهت جيدا لما يقولون خاصة بعد إن سمعت اسم بلدي العراق يتردد، اقتربت من حلقة ما وجلست لأستمع وإذا بالمتحدث يطلب من الجالسين الذهاب للجهاد في العراق، وحينما رفعت يدي طالبا الحديث قلت له، لماذا تطلب منهم الذهاب للعراق للجهاد بينما الجولان القريبة منك محتلة وفي العراق رجال قادرون على الدفاع عنه، انتبهت ( والحديث لصديقي ) وإذا بالجميع ينظرون لي شزرا، وخفت من عاقبة النتيجة وأسرعت بالخروج والشتائم تنهال خلفي.
نعم إن بعض المحللين السياسيين يبررون بأن دعم الحكومة العراقية للنظام السوري نابع من مخاوفها في حالة صعود جماعات إسلامية متطرفة تستغل انعدام الاستقرار لاستئناف عملياتها عبر الحدود مشكلين تهديد حقيقي خاصة بعد التحسن الذي طرأ على الوضع الأمني في العراق، إن ما يجري الآن في سوريا لا بد انه يؤثر بشكل أو بآخر في ما يجري الآن بالعراق . حتى إن هناك أطرافا في العملية السياسية العراقية رحبت بما يحدث في سوريا من خروج للتظاهرات ضد نظامها الحاكم، بينما راحت أطراف أخرى تعبر عن امتعاضها،لكنها بالمقابل كانت تشجع وتدعم الربيع العربي في بعض الدول العربية مثل تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين، وهذه التأثيرات في المشهد السياسي العراقي لا بد أن تكون طبيعية.
بالمقابل أعتقد أنه يجب على الساسة العراقيين ألا يضعوا البيض في سلة واحدة، كما كان سلفهم صدام حسين حينما راهن على شاه إيران بالبقاء، وكان وقتها يطلب شخصيا من وسائل الإعلام العراقية عدم الإشارة إلى ما يحدث من تطورات الثورة في إيران quot; وكنت حينها محررا في جريدة الثورة quot;، وحينما انتصرت الثورة وجد في قادتها تشددا وكرها تجاهه شخصيا مما أدى إلى حرب مدمرة بين البلدين بدوافع خارجية ومصالح ضيقة ذاتية، دفع العراق ثمنها من شعبه وماله وتطوره بعد أن أكلت الأخضر واليابس، وجرت بعدها حروب وحروب، لهذا فان الثقة الزائدة بالنظام السوري قد يدفع العراق ثمنها غاليا، وأيضا من الملاحظ أن المعارضة السورية المتمثلة اليوم بالمجلس الوطني الانتقالي الذي يحشد فيه شخصيات معروفة لعل أبرزها المفكر برهان غليون وغيره من الكتاب والفنانين والمثقفين ربما يكون مبرراً سوريا على أن التوجه القادم هو اقرب إلى العلمانية منه إلى التشدد، كما أن من حق الشعب السوري المطالبة بالحرية والانعتاق من هيمنة الحزب الواحد الذي أكل الدهر عليه وشرب.
- آخر تحديث :
التعليقات