قبل بضع سنوات كتبت مقالاً صغيراً اعترضت فيه على الاحتفالية الكبرى التي اقامتها مؤسسة المدى العراقية لتكريم الشاعر كريم العراقي بمناسبة زيارته للعراق.
الاعتراض جاء بسبب الطريقة التي صورت بها المدى تلك الزيارة وكأنها فتحاً بطولياً لثائر عراقي كبير عاد أخيراً الى موطنه بعد سقوط الدكتاتورية التي اضطهدته والتي قضى سنين حياته بالمنفى وهو يحاربها!
المقال المذكور وكان بعنوان (مهلاً مهلاً من تكرمون :كريم العراقي الشاعر ام المناضل ؟) أثار غضب معجبي وعشاق كريم العراقي وكاظم الساهر على حد سواء وتناقلته منتدياتهم الكثيرة باعتباره مساً محرماً بشاعرية كريم وفن كاظم، بل ان الشاعر كريم العراقي نفسه رد على المقال (بعتبٍ مرير) في لقاء معه على قناة ابو ظبي كما نقل لي من شاهدوا اللقاء في ذلك اليوم.
هذا على الرغم من انني في ذلك المقال أثنيت كثيرا على شاعرية العراقي وأشدت بطرب الساهر وأبديت اعجابي الكبير بهما كمبدعين عراقيين في مجال الشعر والغناء ولكني اعترضت بشدة على زجهما عنوةً في ميدان مقارعة الدكتاتورية الصدامية وتصويرهما بصورة بطلين من ابطال العمل الوطني ضدها.
إن الغرض من هذه المقدمة البسيطة قبل الحديث عن كاظم الساهر ونشيده الوطني هو لتلافي أي سوء فهم في الموقف الشخصي من كاظم وكريم ولكي أنفي نفيا قاطعا أي علاقة بين الشاعر كريم العراقي والمطرب كاظم الساهر وبين ساحات العمل السياسي ضد نظام صدام المقبور ولتفنيد ما يروج له بعض عشاقهم في الاردن وفلسطين على وجه الخصوص من انهما كانا من ضحايا صدام والمضطهدين على يديه.
فكاظم الساهر الذي يحاول اليوم من جديد بث الروح في مشروعه القديم في تأليف النشيد الوطني للعراق الجديد يصّرح هو نفسه في الفضائيات أنه لم تكن لديه أية مشاكل مع النظام السابق وأنه خرج من العراق بملء ارادته بل ويحن بشدة لعراق ما قبل التاسع من نيسان 2003.
أن كاظم الساهر بإعلانه انتهاء العمل بالنشيد الوطني العراقي الجديد وجاهزيته للتسجيل وسعيه الحثيث لاعتماده رسمياً، يحاول ان يخلد اسمه في ذاكرة التاريخ الوطني العراقي مجاناً وبدون أي فعل وطني نضالي او حتى معنوي على اقل تقدير.
ان النشيد الوطني لأي بلد في العالم هو قطعة موسيقية تذوب في الحانها وكلماتها تاريخ ذلك البلد وعذاباته في النضال من اجل الحرية ضد الاستعمار والدكتاتورية، هذه القطعة الموسيقية يكتبها ويلحنها من يمثل صدقاً كل اطياف ومكونات ذلك الوطن دون الانحياز الى طرفا ما على حساب اخر وان يكون حاضرا فعليا في ميادين كفاحها الطويل المضمخ بالدم ضد اعدائها من محتلين وطغاة، ففي الجزائر مثلا لم يجد مفدي زكريا حبراً يصوغ به كلمات نشيد بلاده أفضل من دمه فأسال دمه وهو في زنزانة المستعمر الفرنسي ليكتب ذلك النشيد الذي يتغنى به الجزائريون اليوم في كل مناسبة وبكل فخر.
فأين كاظم الساهر من ذلك كله؟
ولما كان الساهر طرفا غير محايد في النزاع الذي ما زال قائما بين الشعب العراقي من جهة والدكتاتور المشنوق من جهة اخرى فانه يكون من المستحيل على شخص مثله ان يتولى هذه المهمة الحساسة. فكاظم الساهر فضلاً عن تاريخه الموسيقي الحافل بالأغاني التي تمجد صدام فأنه مازال الى اليوم صامتا تجاه ما اصاب العراقيين على يد الاحتلال مرة وعلى يد الارهاب مرات ومرات، لا بل انه مازال يمتنع حتى هذه اللحظة عن تأليف اغنية واحده تخلّد ذكرى الالاف من الاطفال العراقيين الذين سحقت اجسادهم الغضة غازات صدام الكيمياوية وشظايا مفخخات الزرقاوي الحاقدة.
أيها السادة، أدعوكم اليوم جميعا، ونحن في عصر ثورة الاتصالات، أن تبحروا عميقا في الغوغل او الياهو او أي وسيلة بحث انترنت اخرى لتفتشوا بأنفسكم عن كلمة واحده لكريم العراقي او مقطع من اغنية لكاظم الساهر يدينان فيها مجزرة حلبجة البشعة او حمامات دم الانتفاضة الشعبانية في شمال العراق وجنوبه او عمليات القتل اليومي المستمرة التي تقوم بها عصابات البعث والقاعدة ضد ابناء وطننا العراقي.
أؤكد لكم جازماً انكم لن تجدوا شيئاً من ذلك مهما بحثتم فقد حاولت ذلك قبلكم، بل ستجدون بدلا من ذلك كله عشرات القصائد والأغاني لكريم العراقي وكاظم الساهر التي تتباكى على محمد الدرة الفلسطيني.
- آخر تحديث :
التعليقات