مفهوم الإبتلاء في الدين الذي يعني إمتحان البشر من قبل الله بهدف معرفة درجة إيمانهم به. من خلال تعريضهم لمختلف المصاعب والمتاعب الشخصية، وإرسال الأوبئة والأمراض والفيضانات والزلازل والبراكين وشتى الكوارث الجماعية.

هذا المفهوم يضعنا وجها لوجه أمام مبدأ عدالة الله، ويدفعنا للتساؤل : كيف يقبل الخالق ترك مخلوقاته تتعذب بهذا الشكل الفردي والجماعي، وألا يتعارض هذا مع عدالته ومحبته للبشر؟

اذا كان القصد من الإبتلاء معرفة نوايا القلوب وإظهارها للعلن عن طريق إمتحانها.. فإن الله لديه (( علم ماكان وما سيكون )) وهو يعلم الغيب والأسرار ولايحتاج لإجراء تجارب الإختبار. وإن قيل أن الله يريد إقامة الحجة أولا ثم يمنح الثواب والعقاب بعد صدور الفعل من الإنسان المبتلى.. فإذا كان يعلم الغيب وأفعال البشر المكنونة والمضمرة، وهو لايُسأل عما يفعل، فلماذا لايصدر أحكام الثواب والعقاب من دون الحاجة الى إبتلاء الناس، طالما هو ليس بحاجة الى إنتظار الدليل.

على الصعيد البشري نجد من المستحيل على قلب الأب قبول تعريض أولاده للإمتحان ويسمح بإصابتهم بالأمراض والأزمات... فكيف يقبل الله الذي يحب مخلوقاته أكثر من قلب الأب والأم بمرات غير محدودة؟

من الناحية المنطقية، ما يصيب الإنسان من سوء الحظ والمشاكل بصورة فردية، والكوارث التي تنزل على البشر بشكل جماعي.. بحاجة الى تفسير آخر مختلف عن مفهوم الإبتلاء والإمتحان. ولعل التفسير الأكثر إقناعا هو ان الله خلق الكون ومافيه وبرمجه وفق قوانين ثابتة، وتركه يعمل دون تدخل يومي منه، بمعنى ان الله لايتفاعل مع الإنسان بشكل يومي وتتحرك إرادته حسب الإنحرافات والعصيان والجرائم، أو أعمال الخير، ولا على ضوء القرابين والعبادة والدعاء. بدليل المجازر التي تحصل في الحروب، ودعوات المظلومين المعتقليين في السجون والفقراء وحرقة قلب الأم على ولدها المريض أو المشارك في الحرب وغيرهم، ومع هذا لم يحدث ان تدخل الله وأوقف حركة الأحداث.

إن الإيمان بالله.. أهم من النصوص الدينية وشروحاتها من قبل رجال الدين، واذا كانت غايتنا تعميق الإيمان أكثر بالله لابد من البحث عن الأجوبة المنطقية العقلية المقنعة لتفسير طبيعة الإيمان وصفات الله وليس الدين الذي صنعه البشر.


[email protected]