في فصل نادر من فصول السياسة اجتمع فيها الهزل بالدراما القاتمة، اختارت الحكومة العراقية بقيادة دولة رئيس الوزراء نوري المالكي التخندق مع عدو الأمس اللدود بشار الأسد، الذي لم يجف بعد حبر الملف الإتهامي الخطير ضده والمدعم بالأدلة الذي كان المالكي على وشك وضعه على طاولة مجلس الأمن الدولي عقب التفجيرات الدموية التي طالت ثلاث وزارات سيادية في العاصمة بغداد في اكتو ير من عام 2009.

قرار الحكومة العراقية في ركوب سفينة الأسد المتهالكة، والتي تعصف بها رياح التغيير القادم حتما، هو قرار كوميدي يأتي في اخطر المراحل الدرامية التي تجتازها المنطقة حاليا.

سببان اثنان يدفعان حكومة بغداد على قرار من هذا النوع : أولهما الضغوطات الهائلة التي تمارس عليها من قبل الجار الشرقي للعراق والذي يرتبط مع نظام بشار الأسد بشريان دم واحد يمتد حتى الضاحية الجنوبية في بيروت. وثانيهما العراك السياسي داخل مفاصل هذه الحكومة وضياع الحس الوطني نتيجة التشرذم في مواقف وانتماءات كل مكون من مكوناتها.

ولما كان حتى الأعمى بإمكانه أن يرى بوضوح إن مجريات الثورة السورية بزخمها الحالي المتصاعد والمدعوم بقوة عربيا ودوليا تسير بقوة نحو الإطاحة بنظام الأسد الابن فانه يكون من العبث حقا استمرار هذا الموقف العراقي الداعم له سياسيا واقتصاديا والذي سيقود حتما إلى استعداء الشعب السوري ونظامه القادم الذي لن يغفر دون أدنى شك موقف حكومة العراق أثناء نضاله ضد نظام الأسد.

إن التخلي عن شعار (إرهابي في اليد خير من عشرة في سوريا ) الذي ترفعه الحكومة العراقي حاليا والقائم على التنجيم غير المضمون في طبيعة و نوع النظام الجديد القادم إلى سوريا والعمل بدلا من ذلك على كسب ود هذا القادم الجديد من خلال تسجيل موقف عراقي تاريخي داعم لنضال الشعب السوري في محنته الحالية هو الذي سيحمي العراق من شرور المستقبل وسيضعه في مقدمة الدول التي سيقدم لها الشعب السوري ممثلا بنظامه الجديد الامتنان والتقدير بعد الخلاص من نظام البعث المجرم الذي عانينا من دمويته في العراق وما نزال نعاني تماما كما عانينا من رديفه العراقي الذي حكمنا بالحديد والنار طيلة عقود سوداء طويلة كنا أحوج ما نكون فيها لأي يد تمتد لتساعد في انتشالنا من طغيانه الذي لا يوصف.


[email protected]