هدر كرامة الوطن والمواطن أدخلت السلطة السورية إلى مأزق اللاعودة، مواقف شباب الثورة في كل الساحات واضحة، والشعارات أمام المسيرات بينة للعالم أجمع. والمجموعات التي تقفز على هذه المبادئ تتغاضى عن جوهر الحقائق المترسخة في ماهية الثورات. الحراك السياسي من قبل الأطياف المتعددة تبحث في مصالح وإصلاحات أصبحت في العدم بالنسبة للشارع السوري، والذين يخرجون بقرارات تتلائم وغاياتهم ومصالحهم الذاتية الأنانية، لا يهمهم إذا كان الإتفاق مع الطغاة على بنود تعدم فيها أرواح الشهداء إلى الأبد. التوقيع على مشروع تحفظ للطغاة مراكزهم، ليجولوا في الوطن وخارجه وعلى جثث الشهداء وبحصانة، إنتقاص لقيم الثورة الشبابية الذين وضعوا الحاجز النهائي لكل هذه التجاوزات، حيث لا حل إلا بإسقاط النظام، ولا حصانة للمجرمين.

هذا ما وحصل عليه طاغية اليمن وعائلته، بعد كل الإجرام والنهب والتدمير الذي ألحقوه بالوطن، وهذا ما تود آل الأسد بالحصول عليه من خلال إجرامهم الدموي ضد شباب الثورة السورية، والغريب بأن السلطة السورية لم تبحث عن مخرج آخر وكأن مداركهم والحاشية المحيطة بهم لم ترى لنفسها طريقاً أنسب، إلا بالمزيد من العنف والترهيب والقتل.

الفوضى واللاوعي في تدمير الإنسان والوطن من قبل قوى الفرقة الرابعة الماهرية الأسدية والشبيحة والتابعين لهم من القوى اللاأمنية وضعت نهاية لكل إتفاقية، وأغلقت جميع المنافذ أمام أي مواطن شريف في هذا الوطن للجلوس مع هذه السلطة على طاولة واحدة، خارج نطاق شعار quot; أرحل يابشار quot; ولا حصانة، والبحث عن الطرق التي يؤمل أن تؤدي إلى اتفاقيات توازن بين الشباب الثوري والسلطة اصبحت عدمية البنية. والكتل التي تبحث هناك في أروقة السياسة الخارجية عن مخارج مغايرة ومنها التي تحاول أن تحفظ لسلطة الرئيس اللاشرعي مكانته تضع نفسها في خانة السلطة نفسها، فإن لم يحاكموا اليوم سيحاكمون في الزمن القادم على تخاذلهم ومحاولاتهم في تغيير مسارات الثورة السورية.

لا بنود يمكن أن تدرج بين الإتفاقيات لإعطاء الحصانة لآل الأسد وحاشيته والمجرمين والفاسدين وناهبي الوطن الذين برزت اسمائهم في السجلات العربية والعالمية، علماً بإن مثل هذه المواقف البعيدة عن المرونة السياسية أغلقت الطريق لآل الأسد بالهروب من الوطن إلى مكان آمن، لكن الثورات منذ إنطلاقتها لا تتعرف على خبث السياسة مع المجرمين، لذلك حملت الشعار الأوحد quot; اسقاط النظام quot; وتلتها شعارات واضحة برزت بعد الإجرام المنظم بحق الشعب، وهي quot; لا حصانة للمجرمين والفاسدين quot;.

وللخلاص من هذا المأزق تلاعبت السلطة السورية بقوى المعارضة والحقتها بكتلة من الداخل تحت مسميات عديدة وشعارات غوغائية كأسقاط السلطة الأمنية وليست الرئاسية، وكأننا امام سلطة نزيهة ضمن سلطة فاسدة! السلطة تدرك بأن بنيانها ومراكز قوتها من السلطات الأمنية، والبقية، السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية عبارة عن دمى لا حول لها ولا قوة، تعلم السلطة بما تعول عليه من خلال بثها لهذه الكتل إلى الشارع ومعها هذه الشعارات، والتي تحوي في ضمنها حصانة كاملة لآل الأسد إلى مستوى الحفاظ على السلطة الرئاسية مع شرعية دستورية كاملة، لولا إن السلطة تقف وراء هذه الغايات لكانت مصير هؤلاء المعارضين كمصير الكثير من الشهداء الذين أغتالتهم الشبيحة بدون تردد، ومثال الشهيد مشعل تمو واضح للجميع.

لكن الظروف المرحلية تظهر وكأنها تتحكم بالمسيرة الثورية، ومن المتوقع بأن الحصانة قد تعطى لآل الأسد من قبل الأحزاب الكلاسيكية التي تمتطي المعارضة الخارجية والداخلية، وكثيراً ما لا تستشير شباب الثورة، وهذا ما لوحظ من خلال الفترات التمهيدية الطويلة التي سخرتها جامعة الأنظمة العربية للسلطة السورية، ولا تزال رغم قراراتها تبحث لهذه السلطة عن مخارج، ومواقف الدول الأوربية وأمريكا على تلكأها في حسم قراراتها، وتلكأ الدبلوماسية المتبادلة مع روسيا والصين، والإعتراضات التركية على ما ستكون عليه سوريا بعد سقوط السلطة، ومن ضمنها القضية الكردية، ونوعية القوى بعد سقوط بشار! تثبت هذه الحقيقة، وهي التي مددت من عمر السلطة السورية.

وإلا فدخول القوى العربية والدولية إلى سوريا لوقف الإجرام والتدمير أصبح أكثر من ضروري من جميع النواحي ومنها الإنسانية والحضارية، وكل من يقف في وجه التدخل الدولي يشارك بشكل أو آخر في هذه الجرائم والفساد والنهب، والذين يقارنون الوضع بالعراق وليبيا يتناسون وعن سابق قصد وتصميم الحقائق والقوى التي كانت تقف وراء التدمير الذي حصل في الدولتين، فبالقضاء على السلطة السورية سيكون قضاءً نهائياً على أكبر بؤرة من بؤر الإرهاب والإجرام المنظم في منطقة الشرق الأوسط، والقضاء على آل الأسد سيكون نهاية لنهب منظم لثروة الوطن السوري الذي هدر ونهب بنسبة تجاوز النصف من أجمالي الدخل القومي وعلى مدى عقود من الزمن وكل من سمع بشعار الأسد الأب quot; النفط في يد أمينة فلا تسأل عنها quot; سيعرف عن أي نهب نتحدث.

فأي القوى أفظع إجراماً وأوسع نهباً وفساداً، القوى الدولية أم آل الأسد وحاشيتهم؟! وأي البنى التحتية أغلى ثمناً من الإنسان؟!. الشارع وشباب الثورة والشعب أصبحوا يستغيثون ومنذ شهور فهل من مجيب؟!.

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
[email protected]