نظام بشار الاسد بدأ بتلقي ضربات موجعة من تركيا ومنظمة التعاون الاسلامي بعد رفضه مبادرة الجامعة العربية، والوضع الانساني المأساوي بدأ يستدعى اهتماما وتدخلا عربيا واقليميا ودوليا لوقف نزيف الدم بفعل التعامل الدموي والحل الامني والخيار العسكري العنيف للحكم المستبد في دمشق تجاه ثورة السوريين المطالبة باسقاط النظام، ولكن مقابل هذه التطورات نجد ان الموقف الامريكي يمر بسبات عميق تجاه الثورة السورية، ولا ندري ما أسرار هذا السبات والجمود عن الوضع الانساني المتدهور والسكوت عن المذابح الجماعية التي يرتكبها النظام بحق المدنيين.

والكل يعلم ان النجاح الحاسم للثورة الليبية تم بفعل التعاون والتنسيق والاسناد الجوي لحلف ناتو، ولكن هذا الدعم السخي ترك أسئلة كبيرة مقارنة بالوضع السائد في سوريا، منها لماذا قدم دعم دولي للمجلس الانتقالي الليبي وثواره على طبق من ذهب ولم يقدم للسوريين لحماية المدنيين وتدعيم المجلس الوطني الممثل للمعارضة، ولماذا غاب تدخل المجتمع الدولي لوقف البطش العسكري الدموي لنظام الاسد الذي يستخدم شتى صنوف الاسلحة الثقيلة وامام عيون العالم، وبينما الشعب يدفع يوميا ارواحا ودماءا زكية لنيل الحرية والكرامة الانسانية.

وقبل فترة لغرض تأمين نجاح الثورة في سوريا من خلال الاستفادة من نجاح الثورتين في تونس ومصر واستنباط الدروس والعبر والأدوات والوسائل من هاتين التجربتين انسانيا وامميا، طرحنا مسودة مبادرة الى الرئيس الامريكي باراك اوباما لدعم ثورات الربيع العربي من خلال quot;ايلافquot; بعنوان quot;بادرة اممية الى باراك اوباماquot;، لتبنيها على مستوى مجلس الامن الدولي والجمعية العامة للامم المتحدة، تضمنت خارطة طريق لدعم الشعبين السوري واليمني والشعوب العربية والاسلامية الثائرة ضد انظمتها المستبدة لنيل الحرية والكرامة وارساء الديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية، وبطبيعة الحال فان افكار المبادرة استنبطت من الاحداث التي عايشتها ثورات الربيع العربي.

والافكار الرئيسية التي وردت في مسودة المبادرة الاممية تضمنت اللجوء الى الوسائل السلمية والمدنية والدبلوماسية لدعم السوريين والثورات العربية من خلال قرار ملزم لمجلس الامن الدولي استنادا الى الاطار العام للوثائق واللوائح الدولية، ولاهميتها نعيد اهم ما جاء فيها: وهي سحب الاعتراف السياسي الدولي بنظام اي دولة يلجأ الى استخدام الوسائل العسكرية ضد المتظاهرين والمحتجين المدنيين، وسحب السفراء وقطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والتجارية والثقافية والمالية ووقف المساعدات والمنح والقروض المالية، وقف عمليات شراء النفط والغاز والمواد التي تحسب ضمن المواد الاستراتيجية، وتجميد الحسابات والاصول المالية في المصارف والبنوك لجميع المسؤولين في حكومة ومؤسسات النظام المعني بهذه الاجراءات الاممية، وضع خارطة طريق والية عملية دولية واقليمية لحماية المدنيين في الدول المعنية بهذه الاجراءات الدولية، واللجوء الفوري الى المحكمة الجنائية الدولية للتدخل القضائي واتخاذ الاجراءات بحق المسؤولين في نظام الدولة المعنية بهذه الاجراءات عند حصول قتل فردي وجماعي وجرائم ابادة انسانية ضد المدنيين والمتظاهرين والمحتجين، وتشكيل هيئة دولية ضمن اطار واشراف الامم المتحدة خاصة بالتحولات الانتقالية لضمان ارساء النظام الديمقراطي وفق مساره الصحيح في الدول التي تتحرر شعوبها من حكامها المستبدين، وتخصيص مساعدات وبرامج دولية سريعة للعمليات الانسانية العاجلة في مرحلة التحولات.

ولكن بالرغم من تدخل الجامعة العربية واصدارها لمبادرة حماية المدنيين السوريين لوقف القتل والعنف من قبل النظام تجاه المتظاهرين، ورفض توقيع البروتوكول الملحق بالمبادرة لارسال المراقبيين من قبل نظام الاسد، فان الضغط الدولي لم يحصل مثلما حصل في ليبيا وخاصة من قبل الولايات المتحدة وهي القوة المؤثرة الفعالة في السياسة العالمية، وأقل ما يمكن قوله بخصوص الموقف الامريكي انه يمر بسبات عميق تجاه الثورة السورية التي تجابه بالحديد والنار من قبل بشار وعلى مرأى عيون المجتمع الدولي.

ولا يعقل ان يستمر هذا الموقف المتسم بالبرود والخذلان وعدم الاهتمام للوضع الانساني الذي يمر به الشعب الثائر في المدن السورية، لا سيما وان موقف النظام أخذ بالعناد يوما بعد يوم واللجوء الى استخدام وسائل اكثر عنفا وبطشا للقضاء على المدنيين المحتجين في كثير من المدن السورية خاصة في درعا وحمص وحماه.
ولهذا نجد ان المجابهات التي تحصل في الحدث السوري تسايرها اضطرابات وتدهورات حياتية وخدماتية مؤثرة في حياة المدنيين، لاسباب ترتبط بشدة الرد العنيف للنظام وتمسك الشعب بالتغيير الجذري للحكم لنيل الحرية والكرامة وتحقيق الذات والمواطنة الحقيقية، والتطورات البطيئة التي تشهدها الساحة السياسية الاقليمية من خلال الجامعة العربية لا تلبي الوضع الراهن في سوريا وهي ليست بمستوى الوضع الانساني المتدهور مما ساعد على تمسك السوريين بالثورة بصلابة أكثر وبوسائل سلمية ومدنية لاستمرار الاحتجاجات والمظاهرات، والمشهد الميداني بدأ ينقل للعالم اوضاعا انسانيا مأساويا في المدن السورية.

لذلك حان الوقت لتحريك الضمير الانساني العالمي، خاصة الضمير السياسي الامريكي، وحانت اللحظة الحاسمة لخروج الرئيس باراك اوبما من سباته وجموده غير المبرر تجاه الثورة السورية خاصة وان هذه الثورة تعتبر موازية للثورة المصرية في أهميتها التاريخية لشعوب المنطقة، وتوزايا مع الثورات والتغييرات التي شهدتها بداية العقد الثاني للالفية الثالثة لاحداث تحولات جذرية في واقع العالم العربي، ولا شك ان ثورة الشعب السوري تحظى باهمية بالغة اقليميا وعربيا واسلاميا وعالميا لتعلقها بتحديد مصير شعب ومنطقة لها اهميتها الاستراتيجية بالنسبة للوضع الشرق الأوسطي.

ولابد في حالة نجاح وانتصار الثورة السورية فان العقد الجاري بعد نجاح جميع ثورات الربيع العربي سيتميز بمرحلة مستقرة، ولكن ضمان انتصار الثورة في سوريا بحاجة الى وقفة فورية وموقف دولي سريع لاسيما من الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوربي وحلف ناتو لانقاذ المدنيين السوريين، ولهذا نأمل موقفا جديا من الرئيس الامريكي لدعم الثورة في مدن بلاد الشام، والموقف التركي الداعم للحركة الشعبية التحررية السورية والمناهض للنظام عامل اقليمي مؤثر لتنظيم وتقديم الدعم الدولي للسوريين الثائريين للقضاء على النظام المتسبد لارساء واقع جديد منعم بالحرية والعيش الكريم والأمل والأمان والكرامة الانسانية والديمقراطية والعدالة للشعب السوري بعيدا عن حكم طاغية فاق ممارسات القذافي في عدوانيته تجاه الشعب، وهنا لابد من القول والتأكيد انه مهما استبد بشار الاسد فلابد للثورة ان تنتصر ولابد quot;للقيد ان ينكسر ولابد للشعب السوري ان يتحررquot;.

كاتب صحفي ndash; كردستان العراق
[email protected]